أحمد مظهر سعدو
هبَّت ثورات الربيع العربي مع أُفول عام 2010 وبدايات العام ٢٠١١، وكانت الثورة الأعظم في أتون هذا الربيع، ثورة الشعب السوري التي انطلقت أواسط شهر آذار/ مارس 2011لتعيد إنتاج الواقع السوري على أسس جديدة، ووفق مساحات مختلفة، كي تعمل على قيامة بناءات وعمارات الواقع السوري، انعتاقًا من كل أصناف الاستبداد والدكتاتورية، وكنس أدوات الفاشيست الأسدي إلى غير رجعة، وكان أن ضحى الشعب السوري بأرواح أبنائه على مذبح الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية والاجتماعية، لينوف عديد شهدائه عتبة المليون شهيد سوري، وليقف هذا الشعب رغم كل ما لاقاه من عنف وقمع وقصف، على يد نظام الطغيان الأسدي وداعميه، معلنًا أن لا رجعة أبدًا، عما قام به، وأن الثورة على الطغيان كانت قد كسرت كل الحواجز النفسية، وأنتجت حالة من الانتعاش الوطني السوري الثائر لم تشهده سورية منذ نشأتها.
لكن قوى البغي والهيمنة والاحتلال، بمشاريعها الكولونيالية المتعددة، استيقظت ثم أتت بأسلحتها الحديثة، بكافة أصنافها، من عواصم الاحتلال في طهران وموسكو، أو من حواضن الميليشيا التي استقدمتها معها، من أفغانستان والعراق ولبنان والباكستان، لتقمع السوريين، ولتهدم البنية التحتية التي طاولت نسبتها ال 65بالمئة من مجمل البنية التحتية السورية، علاوة على زج ما هو أكثر من 900 ألف معتقل سوري، في سجون بشار الأسد وأتباعه، وتهجير أكثر من 14 مليون سوري، بين نازح إلى الشمال السوري، أو لاجئ في كل بقاع المعمورة. كما خلفت أدوات القتل والقمع والتدمير أكثر من مليون ومئتي ألف معوق حرب، نتيجة الكيماوي والصواريخ البالستية والبراميل، التي استُخدِمت ضد السوريين عبر أكثر من ١٣ سنة مضت.
مع ذلك فقد بقي الشعب السوري يتابع ثورته، بموجات متواصلة، كان آخرها موجة الحراك المنتفض في محافظة السويداء، التي قالت كلمتها، وأصرت على المواصلة والمتابعة، وهو ما دفع نظام القتل الأسدي لاستهداف أبنائها، وقنص نشطائها، عبر أدوات التشبيح السلطوي، التي لم تجد إلا القتل في مواجهة صدور السوريين العارية، المنادية (سلميًا) بالثورة على المستبد، وإعادة رسم ملامح دولة المواطنة في سورية، المفتقدة منذ أن خطف حافظ الأسد السلطة والوطن، ونهب وسرق الاقتصاد والموارد.
إن ثلاثة عشر عامًا مضت من عمر الثورة السورية، ومن ثم إصرار السوريين على المتابعة رغم كل التضحيات يؤكد من جديد أن الاستمرارية لا شك أنها ما برحت موجودة، وأن وعي ضرورة الثورة وتصميمها على المضي قدمًا نحو سورية الحرة، بلا آل الأسد، باتت طريقًا أساسياً ومهمًا لا حياد عنه ولا بديل منه.
وهذا يحيلنا إلى أهمية وضرورة المراجعة في واقع ومتغيرات الثورة السورية، ووعي هذا الواقع دون محاولات الهروب نحو الأوهام، بل وعي حقيقي ومدرك لكل احتمالات للواقع، وإدراك عقلاني لطبيعة المرحلة وتفهم جدي للتغيرات الإقليمية والعربية، التي راحت هي الأخرى تهرول سريعًا باتجاه تطبيع بائس مع نظام الإجرام الأسدي الذي ما يزال يصر على القتل كما يمارس الفساد والإفساد، وإنتاج وتصدير الكبتاغون، والتنحية جانبًا لكل بنود المبادرة العربية المطروحة عليه منذ مؤتمر القمة العربية في العام الفائت، من منطلق أنه الأقوى عسكريًا، وأن الإيرانيين والروس، مازالوا يمارسون كل الدعم له، وهم الأوصياء و الأقوياء، ضمن حالة من التشتت والفوات تعانيها الدول التي قالت يومًا بأنها تقف إلى جانب الشعب السوري، علاوة على استمرار حالات التذرر والتشظي، الذي أوصلت المعارضة السورية نفسها إليه، عندما راهنت على الخارج، وتركت الواقع الذاتي للسوريين، ولم توليه أي أهمية، وأهملت متطلبات المرحلة، وتغافلت عن كل الأدوار الإقليمية والعالمية الحاضرة، التي لها مصالحها، وآخر همها هو الدفاع عن السوريين، بل المصلحة عندها أولًا وآخرًا تلك التي تخدمها لوحدها، وليس همها ولم يكن يومًا إسقاط الاستبداد، بقدر ما هو إنجاز المصالح الخاصة بتلك الدول، والتي تخدم استراتيجياتها، وقد يكون إنجاز ذلك مع المستبدين أسهل وارحب.
نعود للقول إن الثورة السورية باقية ومستمرة، لكن إنجازها يحتاج إلى الكثير من الوعي المطابق للواقع وضروراته ولحظ مهمات الثورة السورية، وتجاوز عثرات التفتت والمصالح والمناكدات البينية، داخل صفوف المعارضة، بكافة تلاوين الطيف الأيديولوجي والسياسي، ومن ثم الاعتماد (بعد الله) على الشعب السوري وقدراته وإمكانياته الذاتية وارادته الصلبة، وليس الاتكاء على أي دولة صديقة في الخارج، مهما كانت قريبة او منحازة للثورة السورية، إذ لا يمكن الانتصار على نظام طغياني استبدادي، مدعوم خارجيًا من أكثر الدول ممارسة للشر المعولم، بدون تكاتف الجميع والالتصاق في أنساق الجماهير السورية المناضلة بحق، من أجل سورية الحرة، بلا آل الأسد، وبلا إيران/ الملالي، وبدون روسيا.