.أسامة قاضي
يتساءل معظم المظلومين الذين يعيشون في ظل أنظمة ديكتاتورية عسكرية هل انهيار الاقتصاد يؤدي لهلاك نظام الحكم الظالم؟
للجواب المباشر على هذا السؤال ينبغي أن تسبقه الاجابة على سؤال عن أسس ومرتكزات النظام التي يعتمد عليها في حكمه، فإذا كانت تلك الدعائم مدنية بطبيعتها من اقتصاد واجتماع وحياة سياسية، وإنتاج السلع والخدمات وقوانين، وتشريعات، واقتصاد حيوي، وتأمين سوية معاشية مرضية، واستقرار اقتصادي وأمني وسياسي، فإن أي خلل في تلك المرتكزات يعني بالضرورة حدوث هزة عنيفة في النظام السياسي، الذي قد يؤدي إلى انتهاء حياة تلك السلط الحاكمة واستبدالها.
إن ارتفاع التضخم ل٥٠٪ بالمائة أو ارتفاع البطالة ل٥٠٪ أو وقوع اكثر من ٧٠ ٪ من الشعب تحت خط الفقر أو أي جائحة اقتصادية سيجبر السلطة على الاستقالة واعتزال العمل السياسي، ليأتي الناس ببديل يخرجهم من وهدتهم الاقتصادية ، فاهتزاز الدعائم المدنية سيسقط النظام السياسي مدنيًا، خاصة ضمن أجواء ديمقراطية ووجود أحزاب سياسية تسوق لنفسها وتكشف عورات منافسها السياسي في السلطة كي يسهل عليها إزاحته وإدارة دفة السياسة والاقتصاد.
أما في حال الأنظمة الديكتاتورية العسكرية الشمولية بما تحمله من أدوات همجية لا تمت للمدنية أو البشرية بأية صلة فإنها تبني وجودها على مرتكزات القوى العسكرية والأمنية والقهر والخوف ، فإن البعد المدني بمعنى الاقتصادي غائب تماما كعامل إسقاط رئيسي.
رغم أن الاخفاقات الاقتصادية ستشكل ضغطا طفيفا على الحاكم الذي لايعتد بالشعب ولا بإعلامه ولا بالتواصل معه إلا عبر قنوات إعلامية رسمية ، أو الزيارات الميدانية التي يسبقها ويرافقها تحضيرات أمنية لمنع احتكاك الشعب خشية سماع صوت أنين الشعب من جراء الإخفاقات الاقتصادية المذهلة.
في الوضع الاقتصادي السوري وصلت نسب الفقر الى ٩٥ ٪ و نسب البطالة ٨٥ ٪ و نسب التضخم ٣٠٠٠ ٪ وهاجر قسريا حوالي ١٣ مليون سوري أي نصف سكانها، وقتل اكثر من مليون ، وسجن وقتل تحت التعذيب مايقارب المليون، وتقسمت سوريا لثلاثة مناطق نفوذ روسية وامريكية وتركية ، وفيها ٨٣٠ نقطة عسكرية اجنبية (ايران لوحدها لديها ٥٢٠ نقطة عسكرية ) وما إن بدأت الدعائم بالتشقق استنجد رأس النظام بالإمدادات الايرانية من جيش الحرس الثوري وميليشياته الطائفية منذ ٢٠١١ ولما لم تتوقف التشققات في دعائم النظام استنجد بروسيا عسكريًا عام ٢٠١٥ لتمتين تلك الدعائم الرئيسية ، كي تساعد النظام على تعزيز الخوف وإرهاب الشعب ، وبذلك زادت السطوة العسكرية والأمنية الروسية والايرانية التي تعزز سلط النظام التي بدأت بالتداعي.
تحويلات العاملين خارج سوريا تشكل داعما اقتصاديا لألوف العوائل داخل منطقة النفوذ الروسي (حيث تتواجد ايران ونظام الاسد وميليشياته الطائفية) ولكن طائفة نظام الاسد في الساحل السوري التي تشكل الخزان البشري الأساسي لدعائم حكمه العسكرية والأمنية والميلشياوية ليس لديها مهجرين قسريين ومغتربين إلا بنسب ضئيلة للغاية لاتذكر، لذا فإن الضغوط الاقتصادية ستنالهم بشكل كبير ، وسيخلف الضغط الاقتصادي من تضخم وفقر مدقع تشققات في تلك الكتلة الصلبة.
ربما هذه التشققات تتمدد للقوى العسكرية والامنية منهم التي ربما تنتقم لأهلها الذين يعانون من الظلم الاقتصادي الذي يمارس عليهم، ويعززها الشعور بالطبقية داخل تلك الكتلة، فالثراء الفاحش من الفساد عبر نصف قرن من التسلط على الاقتصاد السوري، والاتجار بالكبتاغون والمخدرات والأسلحة والنهب وبيع الآثار لعائلات الأسد ومخلوف وشاليش وغيرها ليست مثل بقية العائلات ، مما جعل الفوارق الطبقية داخل تلك الكتلة فاقعا ، وهذا مدعاة للاحتجاجات التي قد تتطور لمظاهرات واعتصامات وعصيان.
العصب الاقتصادي المؤثر على ركائز النظام – في حال كانت أمريكا جادة في تطبيق قانون الكبتاغون فعليا وليس اعلاميا- هو العمل الفعلي على تدمير صناعة المخدرات والكبتاغون داخل سوريا ومحاصرتها بشكل حقيقي بأحدث الاجهزة الالكترونية والمسيرات والاقمار الصناعية بحيث تمنع انتاجها وتصديرها لأنه سيوقف ايذاء العالم من هذه السموم، وسيجفف منابع تمويل الدعامة العسكرية الرئيسية للنظام ويمكن عندها إحداث تشققات حقيقية في تلك الدعامة، وسيتعرض شخوصها للضغوطات الاقتصادية التي يعاني منها بقية الشعب. لو تم تنفيذ العملية الامريكية في إغلاق كامل الحدود العراقية السورية ومن بعدها كامل الحدود الاردنية- السورية، فإنه سيكون تطبيق امريكي حقيقي لمحاصرة نظام الاسد وضبط كل انواع الممنوعات وعلى رأسها الكبتاغون عبر المعابر غير الشرعية.
الادارة الديمقراطية في البيت الابيض لازالت غير جادة في فرض العقوبات الاقتصادية بل انها اعطت استثناء غير ضروري للنظام عقب الزلزال الذي لايعيق دخول اية مساعدات بدلالة دخول اكثر من ٩٠ بالمائة من المساعدات الاممية للنظام على مدى اكثر من عشرة سنوات وذلك من اجل مغازلة ايران لمظنة امكانية توقيع الاتفاقية النووية معها والتي سرعان ماتأتي إدارة جمهورية لترمي بكل تلك الجهود إلى سلة المهملات كما فعل السيد ترامب سابقا.
تلعب الإغاثات الأممية المقدمة للنظام دورا في تمتين مرتكزات سلطته ماليا، حيث يتم صرف المبالغ المخصصة للإغاثات عن طريق البنك المركزي السوري الموضوع أصلًا تحت العقوبات لاستدراج عروض من السوق السورية لمكتب الامم المتحدة في دمشق المعين بإرادة النظام ، وإشراف رئيس اللجنة العليا للإغاثة في سوريا حسين مخلوف، وتذهب معظم عروض استقدام الإغاثات من شخصيات محيطة بالنظام دون توثيق دقيق لتوزيعها.
ووفقا لخبراء من منظمة “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”(OPEN) من كندا و”برنامج تطوير القانون السوري”(SLDP) من بريطانيا، هنالك أكثر من مائة شريك للأمم المتحدة في سوريا، ومابين عامي 2019 و2020 ذهب نحو 140 مليون دولار من برامج مشتريات الأمم المتحدة إلى الموردين ومقدمي الخدمات المصنفين على أنهم موالون للنظام، وذلك ماذكرته صحيفة تاغ شبيغل الألمانية التي كشفت عن الطرق والآليات التي استطاع من خلالها قادة ميليشيات ورجال أعمال تابعون للنظام السوري -من بينهم فادي صقر وسامر فوز ونزار الأسعد- الخاضعون للعقوبات، أن يستفيدوا من المساعدات الأممية.
مالم تتدخل روسيا او ايران او أية دولة بدعم نظام الأسد ماليا بشكل ضخم ومستمر فلن يكون هناك أمامه من خيار سوى طباعة المزيد من العملة الذي يؤدي إلى تضخم جامح، وسقوط حر للعملة، والذي يؤدي للمزيد من التدهور الاقتصادي، والمزيد من الضغط على الكتلة الصلبة والتي يصعب التنبؤ بنتائج ارتداداتها.
تعرضت زيمبابوي إلى أزمة تضخم جامح دفعتها لإزالة 3 أصفار من العملة في عام 2003، وقررت الحكومة الزيمبابوية مرة ثانية عام ٢٠٠٩ إزالة 12 صفراً من العملة بحيث بات كل 1 تريليون دولار زيمبابوي يعادل دولاراً أمريكياً واحداً! ورغم ذلك ظل موغابي متمسكا بالسلطة حتى قام عليه انقلاب عسكري والتي هي من أسس دعائم حكمه.
فهل يقوم بعض أفراد كتلة النظام الصلبة بما قام به العسكر في زيمبابوي عندما تخلصت من موغابي؟