أسامة آغي
لا يمكن فهم الاعتداءات المتكررة على اللاجئين السوريين في تركيا من زاوية واحدة، فهذه الاعتداءات تقف خلفها عوامل عديدة، ينبغي وضعها على طاولة البحث، وفهم مسبباتها الحقيقية، وبالتالي فهم توجهات السياسة التركية الجديدة حيال الوضع السوري عموماً، وحيال عملية التطبيع مع نظام أسد الاستبدادي، وأثر هذه السياسة على قوى الثورة السورية والشعب السوري، الذي لا يزال أكثر من نصفه بين نازحٍ داخلي ولاجئ خارجي.
يبدو أن صبر حكومة حزب العدالة والتنمية التركي قد نفذ حيال موقف حليفها الأمريكي بخصوص دعمها المستمر لتنظيم تعتبره تركيا إرهابياً ألا وهو تنظيم PKK وذراعه السورية تنظيم PYD. وهذا ما دفعها إلى التنسيق مع روسيا من أجل إعادة العلاقات التركية السورية المقطوعة بين البلدين منذ أوائل سنوات الثورة السورية.
وفق الفهم التركي، إعادة العلاقات التركية مع نظام أسد ستفتح الطريق لتغيراتٍ محتملة، أول هذه التغيرات إمكانية التعاون بينها وبين نظام أسد لسحق أي نشاط عسكري لميليشيا تسمي نفسها “قوات سوريا الديمقراطية”، اختصاراً (قسد). من خلال استعادة نظام أسد لسلطته السياسية والأمنية على منطقة الجزيرة والفرات.
كذلك استعادة العلاقات التركية مع نظام أسد يسهّل وفق التصور التركي فتح شرياني الاقتصاد في سورية أمام حركة التبادل التجاري مع دول الإقليم، ونقصد بالشريانين الطريق M4 والطريق M5.
إضافة إلى ذلك فإن التصور التركي يذهب إلى أن وضع نظام أسد الحالي سيسمح بإيجاد تسوية سياسية بين قوى المعارضة السورية من جهة ونظام أسد من جهة أخرى، عبر مقاربة للقرار 2254 دون الإصرار على تنفيذه وفق صيغته الأساسية.
هذه الرؤية رفضها السيناتور الجمهوري جو ويلسون الذي يشغل منصب رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأمريكي.
فقد جاء في تغريدة له على منصة X إعرابه عن خيبة أمله الشديدة من طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاء بشار الأسد. مطالباً في الوقت ذاته بإقرار قانون مكافحة التطبيع مع نظام أسد.
الأمريكيون الذين رفضوا مراراً محاولة تركيا منذ سنوات إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، إنما كانوا يريدون للوضع المتدهور في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل الثورة السورية والحكومة المؤقتة المنبثقة عن الائتلاف الوطني السوري أن يبقى بؤرة توتر وصراع بين فصائل الثورة السورية من جهة وبين ميليشيات قسد الانفصالية وميليشيات نظام أسد وإيران من جهة أخرى.
الأمريكيون لم يحاولوا فرض تطبيق القرار 2254 من خلال مجلس الأمن رغم أن القرار المذكور الصادر بتاريخ 18/12/ 2015 صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن آنذاك.
والأمريكيون لم يلتزموا باتفاقهم مع تركيا بإبعاد ميليشيات قسد إلى عمق ثلاثين كيلومتراً من الحدود السورية التركية.
إضافة إلى كل ذلك، فمن الطبيعي أن ترفض تركيا وجود ميليشيات شيعية تتبع إيران تعمل على تحويل سورية إلى مزرعة إيرانية ستؤذي لاحقاً مشروع التنمية التركية الشاملة، سيما وأن إيران باتت مصدر تسليح ودعم لميليشيات PKK في سورية.
إن محاولة تطبيع العلاقات التركية مع نظام أسد وفق التصور التركي كما نعتقد، سيساعد في إيجاد حلٍ ما لعودة اللاجئين السوريين من تركيا ودول الجوار السوري إلى بلادهم وفق ترتيبات أمنية وسياسية دون تنفيذ القرار 2254. هذا الحل يبتعد عن جوهر القرار الدولي المذكور والذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية من طرفي الصراع في سورية، وانتقال سلطات الرئاسة والحكومة إلى هذه الهيئة بعد التوافق على وثيقة دستورية مؤقتة بإشراف الأمم المتحدة.
إن حكومة العدالة والتنمية تعتقد في خطواتها حيال تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد أنها تسحب مرة وإلى الأبد ورقة سياسية داخلية استخدمتها المعارضة ضد هذه الحكومة في الانتخابات، لا بل استخدمتها قوى تركية متطرفة في تأليب بعضٍ من الجمهور التركي على وجود اللاجئين السوريين، إذ يقوم التأليب على بثّ شائعات مضللة وغير حقيقية عن واقع حياتهم كلاجئين في هذا البلد.
عجز تركيا عن إقناع المجتمع الدولي بإقامة المنطقة الآمنة من جهة، وعدم اتباع سياسة تنمية الشمال السوري بصورة مدروسة، أبقى الأوضاع في هذا الشمال بحالة تراجع اقتصادي وأمني، مما جعل هذه المناطق بؤرة للاضطراب الاجتماعي والاقتصادي وممراً للباحثين عن فرص عمل في تركيا أو اللجوء إلى أوربا.
إن سعي تركيا لتطبيع علاقاتها مع نظام أسد لا يرتكز على قاعدة تعاونٍ متكافئٍ، إذ ليس منطقياً فهم أن تركيا التي يبلغ حجم ناتجها المحلي ترليون ومائة وخمسون مليار دولار سنوياً لا تعرف حجم نظام الأسد المفلس اقتصادياً، والعاجز عسكرياً، وأنه نظام تابع على صعيد قوته العسكرية لكلٍ من إيران وروسيا، وكذلك ليس واردٌ أن تقدم تركيا على بيع حليفها من قوى الثورة والمعارضة مقابل كسب ود نظام الأسد، وهو نظام لعب دوراً محورياً في نمو تنظيم PKK وهو من سلّح تنظيم PYD للتصدي للثورة الشعبية ضده.
إن تركيا كدولة ضامنة للوضع في الشمال السوري معنية بشدة على تغيير سياستها حيال هذا الشمال، من حيث دعم تنميته وتثبيت الحوكمة فيه بعد فرض سلطة الحكومة المؤقتة القادرة على ممارسة مهامها في إدارة شؤون هذه المنطقة، وهذا لا يتعارض مع سعيها على إنجاز الحل السياسي وفق القرارات الدولية.
إن نظرة متفحصة على الوضعين التركي الداخلي والسوري في الشمال المحرر تدفع للقول إن تراجع قيمة صرف الليرة التركية يخفي في طياته تضخماً يضر بمصالح الفئات التركية الوسطى التي نمت قدراتها المعيشية بين عامي 2002 و2018. هذا الضرر ينعكس سياسياً في معارك المعارضة التر كية ضد حزب العدالة والتنمية في الانتخابات والحشد وزيادة الضغوط.
إن التطبيع مع نظام أسد تصور سياسي تركي بُني على معطيات رد الفعل حيال الموقف الغربي من الصراع في سورية ومخاطره، هذا الموقف الغربي يتبنى سياسة “إنهاك كل القوى الداخلية والإقليمية المنخرطة فيه، مما يفسح في المجال للوصول إلى صيغة سياسية يريد الغرب وصول المتصارعين إليها.
إن قوى الثورة والمعارضة بحاجة حقيقية إلى تغيير سياساتها نحو حاضنتها، وهذا يتم مراكمته عبر استقلالية قرارها، والانتقال الفيزيائي إلى ساحتها الوطنية، وكذلك توسيع حجم المشاركة في صنع القرار الثوري من خلال تشكيل هيئة سياسية تتمثل فيها كل القوى والفعاليات والمناطق السورية.
فهل ستتم هذه المراجعات تركياً ومن قبل قوى الثورة والمعارضة؟ أم أننا مقبلون على تقديم تنازلات وحدوث خسائر تُذهب كفاح السوريين خلال 13 عاماً إلى الضياع؟