خاص – د. أسامة قاضي
الاستقرار الأمني شرط رئيسي لأي ازدهار اقتصادي، وأية دولة في العالم تعيش قلاقل أمنية ستنعكس على اقتصادها بسرعة كون الاقتصاد العصب الحساس جداً لأية هزة أمنية، لذلك تقوم الشركات بمتابعة مدى الاستقرار السياسي الذي يقاس كمعيار دولي تقاس به كل دول العالم لمعرفة درجة الاستقرار ، ويعرّفها البنك الدولي أنه غياب العنف/الإرهاب المحتمل تصوره في المجتمع، وكذلك عدم الاستقرار السياسي و/أو العنف ذو الدوافع السياسية، بما في ذلك الإرهاب، ويعطي التقدير درجة معينة للدولة على المؤشر الإجمالي تتراوح من -2.5 إلى 2.5 تقريبًا، وعلى هذا المقياس منذ عام 2000 تتموضع اسرائيل على مؤشر سالب -1 تقريباً ، وفي أحسن أحوالها -0.8 وأسوأه عام 2022 هو -1.3 .
لايكفي أن يكون ناتج الدخل القومي لإسرائيل 537 مليار دولار ومتوسط الدخل السنوي للفرد الإسرائيلي 53200 دولار حسب صندوق النقد الدولي (وهي الأعلى في الشرق الأوسط) ، وتصرف على الطالب الواحد سنوياً معدل 12 ألف دولار ، بدون استقرار سياسي وأمني فإن كل هذه الأرقام المبهرة قد تتأثر لو استمر العنف واللااستقرار الأمني عبر الزمن.
تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربة خطيرة على يد عملية طوفان الأقصى، حيث خسر 3 مليارات دولار -حسب صحيفة ماركر- كتعويضات في اليوم الأول للحرب وحده، وهي حالة يقول بعض الاقتصاديين إنها أسوأ مما كانت عليه خلال حربهم مع حزب الله عام 2006.
لسنوات عديدة ظلت تصنيفات وكالة موديز لإسرائيل مستقرة، ولكن منذ بدء الحرب بدأ الوضع يتغير ، حيث أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أنها وضعت تصنيفات خمسة بنوك إسرائيلية قيد المراجعة لخفض التصنيف.
ومن الناحية العملية، يعني هذا أن وكالة موديز قد تقرر خفض تصنيف ودائع البنوك في الأشهر المقبلة، والبنوك قيد المراجعة من قبل موديز هي أكبر خمسة بنوك في إسرائيل: بنك لئومي، بنك هبوعليم، بنك ديسكونت الإسرائيلي، بنك مزراحي تفاهوت، وبنك إسرائيل الدولي الأول.، كذلك الوكالة بدأت تراجع تصنيف ثلاث شركات طاقة مرتبطة بإسرائيل – شركة الكهرباء الإسرائيلية، وإنرجيان، وشركة ليفياثان بوند.
كما قامت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية بمراجعة الوضع الاقتصادي الإسرائيلي بشكل سلبي، ووضعت تصنيفها الائتماني تحت المراقبة السلبية.
التصعيد الحالي واسع النطاق، بالإضافة إلى الخسائر البشرية، يمكن أن يؤدي إلى إنفاق عسكري إضافي كبير، وتدمير البنية التحتية، وتغيير مستدام في معنويات المستهلكين والاستثمار، وبالتالي يؤدي إلى تدهور كبير في مقاييس الائتمان الإسرائيلية.
كان اكتشاف مكامن الغاز البحرية، وأبرزها حقل تمار في عام 2009 وحقل ليفياثان في عام 2010، بمثابة الأساس لهذا التحول الكبير في نظام الطاقة في إسرائيل، كما أدى إلى تحول إسرائيل إلى مصدر للغاز إلى مصر والأردن.
أمرت وزارة الطاقة الإسرائيلية، في 9 أكتوبر/تشرين الأول، شركة شيفرون، مشغل منصة تمار الواقعة على بعد 25 كيلومترا شمال غرب غزة، والتي تلبي معظم الاحتياجات المحلية، بوقف الإنتاج مؤقتا.
وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت الحكومة الإسرائيلية أيضًا تعليماتها لشركة شيفرون بوقف التدفقات مؤقتًا عبر أهم خط أنابيب يربط بين إسرائيل ومصر، وفي عام 2022، أنتجت إسرائيل 21.9 مليار متر مكعب من الغاز، وتستهلك 12.7 مليار متر مكعب محليا، في حين تم تصدير 5.8 مليار متر مكعب إلى مصر و3.4 مليار متر مكعب إلى الأردن.
وكان من المتوقع أن ترتفع الصادرات بشكل أكبر في عام 2023 مدعومة بإطلاق الإنتاج في حقل كاريش (الإنتاج الأولي يبلغ 6.5 مليار متر مكعب).
إن تأثير الوضع الحالي على توازن الغاز المحلي والإقليمي والدولي سيعتمد في النهاية على مدته، وإذا طال أمد إغلاق شركتي تمار وشركة غاز شرق المتوسط، فإنه من شأنه أن يقلل على المدى الطويل ليس فقط الإمدادات إلى إسرائيل ولكن أيضًا الصادرات إلى مصر.
وهذا من شأنه أن يقوض قدرة مصر على تلبية احتياجاتها المحلية المتزايدة من الغاز، كما سيضر بصادراتها من الغاز الطبيعي المسال، وبلغ إجمالي صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال حوالي 7 ملايين طن في عام 2022، ذهب منها 5 ملايين طن إلى الاتحاد الأوروبي، مقارنة بإجمالي واردات الاتحاد الأوروبي البالغة 96 مليون طن والتجارة العالمية في الغاز الطبيعي المسال التي تزيد عن 400 مليون طن.
الخطر الحقيقي هو في حدوث المزيد من التصعيد الإقليمي للصراع لأنه سيؤثر على مشاريع الغاز الإسرائيلية المخطط لها مع مصر والأردن ولبنان، كما سيضعف من قدرات التصدير في شرق البحر الأبيض المتوسط التي تعتبر مشكلة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي.
أي تصاعد لجبهات الصراع، سيكون له آثار عديدة على تدفقات الغاز الدولية وارتفاع أسعار الغاز وازدياد حدة عدم الاستقرار، مثل زيادة المخاطر الأمنية على سفن الغاز الطبيعي المسال التي تمر كل يوم عبر مضيق هرمز، وعلى خطوط أنابيب الغاز الدولية في المنطقة، وكذلك أمن البنية التحتية التي تربط موردي الغاز في شمال إفريقيا بأوروبا.
أسعار الفائدة وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ حرب عام 2006 مع لبنان، ووفقا لتقرير بلومبرج، يعد الشيكل من بين العملات الأسوأ أداء في العالم هذا الشهر على الرغم من حزمة إجراءات الطوارئ البالغة 45 مليار دولار، بعد يومين من بدء العملية العسكرية في 9 أكتوبر/تشرين الأول، باع بنك إسرائيل 30 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية في محاولة لمنع العملة من المزيد من الانخفاض أمام الدولار.
قبل اندلاع الحرب، كان هناك مستوى عال من النشاط الاقتصادي، وكان معدل النمو في اتجاه معتدل قليلا. وأشارت بيانات الحسابات القومية للربع الثاني من عام 2023 إلى نمو بنسبة 3.0 في المائة،كان المساهم الرئيسي في النمو في الربع الثاني هو عنصر الاستثمارات.
معظم التأثير المباشر للحرب على الاقتصاد سيكون في الربع الرابع من عام 2023. وبناءً على ذلك، فإن تقييم البنك المركزي الإسرائيلي هو أن الحرب ستخفض بنسبة 0.5-1.0 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2023 و2024.
هناك أكثر من 360 ألف جندي احتياطي، وهم العمود الفقري لقوات الدفاع الإسرائيلية، يرتدون الزي العسكري الآن وبعيدين عن وظائفهم.
يضاف إلى مجموع خسائر الاقتصاد الإسرائيلي هو إغلاق المؤسسات التعليمية، والاضطراب في سلاسل التصنيع والتوريد. ومن المتوقع أن يتضرر الاستثمار الصناعي بسبب حالة عدم اليقين وزيادة تكاليف التمويل، وكذلك من المتوقع أن يتضرر الاستثمار في البناء بسبب القيود المفروضة على دخول العمال من يهودا والسامرة وبسبب التوقف الكامل عن تشغيل العمال من غزة، فضلاً عن تأثر قطاع الساحة بشكل كبير ، يعني باختصار سيشهد الاقتصاد الإسرائيلي انخفاض الطلب، وانخفاض الواردات، وفي ضوء هذه التطورات، فإن تقدير البنك المركزي الإسرائيلي فإن البطالة سترتفع خلال الربع الأول من عام 2024.
الجدير بالذكر أن الاستثمارات أن الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل ارتفع بمقدار 3.6 مليار دولار في يونيو 2023، وتاريخياً وصلت الاستثمارات المباشرة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 11.4 مليار دولار في ديسمبر 2018، وأدنى مستوى قياسي عند -1.1 مليار دولار في ديسمبر 2014 وغير مستبعد أن تعود الاستثمارات الأجنبية المباشرة سلبية كما حدث في 2014 إذا طالت الأزمة الحالية.
تسببت الأحداث الأمنية في إسرائيل في زيادة التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط وأدت إلى تقلبات في التجارة وفي الأوضاع المالية في الأسواق العالمية أيضًا، ومع اندلاع الحرب، ارتفعت أسعار النفط بشكل طفيف من 84 إلى 88 دولار للبرميل (26 أكتوبر 2023) وأما أسعار الغاز فلم تتأثر كثيرا (حوالي 3 دولار).
رغم كل المخاطر والضغوط إلى أن الحكومة الاسرائيلية متفائلة أن النظام المصرفي في إسرائيل سيظل مستقرًا ومرنًا رغم الإقرار أن الخطر الرئيسي على التضخم في إسرائيل خلال الأشهر التسعة الماضية، وحتى الآن، هو انخفاض قيمة الشيكل منذ أغسطس 2023 (3.6 شيكل للدولار) ومنذ بدء المشكلة في 7 أكتوبر من 3.81 إلى أن وصل إلى 4.03 شيكل للدولار في 24 أكتوبر 2023 وربما سيشهد المزيد من الانخفاض.
إن الدعم العالمي الهائل لإسرائيل يعطي الثقة للحكومة الإسرائيلية بأن الاقتصاد الإسرائيلي قوي ومستقر وحسب حاكم المصرف المركزي الإسرائيلي أمير يارون “لقد عرفنا كيف نتعافى من الفترات الصعبة التي مررنا بها في الماضي ونعود بسرعة إلى الرخاء” هذا ربما صحيح نسبياً ولكن شريطة قصر زمنها، وعدم استطالتها و تحديد مداها الجغرافي، وكل ساعة تمر يكثر الضحايا، ويكلف الاقتصاد الإسرائيلي ثمناً باهظاً.