أحمد الهواس – كاتب وإعلامي سوري
قلّة من السوريين من كان يراهن على موقف عربي أو دولي منذ انطلاقة الثورة السورية، فقد أدرك السوريون سواء بفطرتهم أو بما جرى لهم خلال أربعين عامًا من حكم آل الأسد الطائفي أن هذا النظام مدعوم من الشرق والغرب وأن وجوده استمرار للنظام الرسمي العربي والبناء الإقليمي واستقرار للنظام العالمي ،ولهذا كان شعارهم “يا لله مالنا غيرك يا الله”
ربما أنّ الحديث الوحيد الذي يتناوله السوريون والمنشغلون بالشأن السوري هذه الأيام يتمحور حول الحشود الأمريكية في شرق سورية، وأن ثمة معركة قادمة مع إيران وربما أن التغيير بات قاب قوسين أو أدنى في سورية رغم خذلان العالم للسوريين والدعم الذي قدّم للنظام الطائفي الذي سقط بالشرعية الثورية بوصف الشعب هو مصدر السيادة، فضلًا عن ارتكاب هذه النظام لجرائم لا تسقط بالتقادم ،وكذلك ارتكب جريمة الخيانة العظمى ومنها جلب قوات ومليشيات من خارج الحدود لمقاتلة الشعب السوري .
حرب لن تقع
ومع هذا الانتظار لبدء المعركة بين إيران وأمريكا في شرق سورية، يؤمّل بعض السوريين أنفسهم أن تغييرًا سيقع وأن إيران التي تمددت في المنطقة قد آن أوان محاسبتها!
آمال عريضة تداعب مخيلة البعض، حتى ذهب بعض المحللين السياسيين العرب أنّ المعركة واقعة لا محالة ،وأن المنطقة ككل ذاهبة نحو تغييرات مهمة ،وأن أكثر ما يدفع أمريكا لضرب إيران وإخراجها من سورية هو التمدد الروسي الذي يصاحب التمدد الإيراني، متناسين أن روسيا جاءت إلى سورية بطلب أمريكي غربي لمنع إسقاط النظام كما ذكر ذلك أندرو إكسوم في شهادته في الكونجرس ، وكذلك تصريح رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان حين بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، “أن من الخطأ الذي ارتكبناه هو عدم تحديد وقت زمني لروسيا في سورية”. ولم يكن مجيء إيران وأذرعها إلى سورية بعيدًا عن الموافقة الأمريكية، فإيران كما يصفها الأستاذ هيثم المالح أنّها دولة وظيفية تعمل على تدمير المنطقة برغبة أمريكية وأن عملها يتسق مع عمل الصهاينة بل يتفوق عليهم في التدمير وسفك الدماء وطرد الكتلة الصلبة من سكان سورية . وبالتالي فهي حاجة أساسية للولايات المتحدة في المنطقة ولن تقدم على ضربها أو تحجيمها.
الخوف من سقوط مفاجئ للنظام
أشد ما تخشاه أمريكا في سورية أن يسقط النظام بشكل مفاجئ نتيجة الانهيار الاقتصادي المتسارع في مناطق النظام، ولهذا فهي لا تريد عودة الثورة السورية ولهذا وضعت مناطق الثروة السورية تحت إدارة “البككا” المتخفي باسم “قسد” ويبقى التخوف من أن يشكل سقوط النظام فوضى قد تؤثر على إسرائيل ،ولذلك فهي تسعى تارة لتطوير منطقة قسد بترتيب مع العرب ،وتارة بالعمل على تشكيل مجلس عسكري يكون قادرًا على ملء الفراغ في حالة السقوط . وثمة من يرى أن أمريكا تهيئ الظروف لتدمير إدلب تحت عنوان محاربة الإرهاب، لا سيما وأن التهيئة الإعلامية بدأت مع ما تسوقه القنوات الإعلامية الإماراتية عن بؤر إرهابية في إدلب وعن فبركة قصص ما يسمى “السبايا” ،والغاية رسم صورة نمطية عن الشمال السوري أنّها باتت تحت سيطرة القاعدة وجماعات إرهابية .
فالمشروع الأمريكي في سورية ضد الثورة والتغيير، ولذلك كان لابدّ من إنهاك الثورة وإعطاء النظام الضوء الأخضر بتدمير مقومات الدولة السورية، بحيث تتحول سورية إلى دولة ضعيفة أو فاشلة لا تشكل خطرًا على إسرائيل ما بعد حكم آل الأسد، وهذا يستوجب تحويل سورية من دولة بسيطة تسيطر عليها أقلية إلى دولة مركبة تسيطر عليها أقليات وتكون فيها الأطراف أقوى من المركز ولا تسيطر على ثرواتها وحدودها .
الثورة المضادة في داخل الثورة
شكّلت الثورات العربية صدمة للولايات المتحدة الأمريكية، ولم تكن تتوقع أن تنفجر الدول العربية ولا سيما مصر وسورية لما لهما من أهمية كبيرة في الحفاظ على أمن إسرائيل ،والنظام الرسمي العربي، وحين وجدت أن الثورات ستستمر لتشمل جميع الدول العربية ،كان لابد من خداع استراتيجي للشعوب الثائرة والعمل على احتواء الثورات ومن ثم إجهاضها. فكان أن تشكل حلف الثورات المضادة أو ما يطلق عليه الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي “غرفة أبوظبي” وحيث توافرت دولة عميقة في مصر استطاعت اجهاض الثورة المصرية باستخدام معارضة رثّة صنعها نظام مبارك كديكور سياسي ، وكذلك ما حصل في تونس ، وصناعة حفتر في ليبيا وتمكين الحوثي في اليمن، في حين كانت الثورة المضادة في سورية في داخل الثورة نفسها لغياب الدولة العميقة القادرة على خداع الشعب السوري ، فكان أن صُنّعت فصائل منعت إسقاط النظام، وفئات سياسية تعمل على تمييع الثورة وتتفاعل مع غرفة أبو ظبي في تمزيق الرأي العام السوري ،ومنع اتفاق السوريين على قيادة ثورية .
تطبيع أم إعلان نهاية الثورة السورية؟
لم يكن غريبًا أن يسارع النظام الرسمي العربي إلى الوقوف ضد الثورة السورية، مع ادعاء أن إسقاط النظام مطلب حق للشعب السوري، ولكن الغريب أن يسارع النظام الرسمي العربي للتطبيع مع النظام وإعادته للجامعة العربية من بوابة قمة جدة، ومن خلال دولة كان قادتها وناطقوها الرسميون يعلنون ليل نهار أن على نظام الأسد أن يرحل سلمًا أو حربًا! ربما أن التطبيع الذي بدأته الإمارات مع النظام في 2018، كان متسقًا مع سياسة الإمارات التي موّلت الثورات المضادة ومتهمة بتمويل آلة الحرب الروسية في سورية وكذلك المليشيات التي تقاتل على جانب بشار الأسد فضلًا عن أنها الحديقة الخلفية لإيران في غسيل الأموال . لكن أن يأتي من دولة تخوض حربًا مع ذراع إيران ” الحوثي” في اليمن وكانت تعلن أنّها ستنقل المعركة إلى قلب إيران ولها فصائل ممولة في الثورة السورية فهذا ما ترك استغرابًا عند كثير من السوريين، والواقع ،أن ما يسمى التطبيع لم يكن يهدف لإعادة النظام القاتل للجامعة العربية أو إعادة تأهيله دوليًا وهو نظام مارق مرتكب لجرائم ضد الإنسانية، بل جاء نتيجة طلب إيراني لعودة بشار دون شروط مقابل توقف المسيّرات الحوثية وقبول الحوثي واقعًا في اليمن، وكذلك ثمة رغبة عند حلف الثورات المضادة بأن تقول إن عودة بشار الأسد للجامعة العربية إعلان نهاية الربيع العربي، الذي تطلق عليه “غرفة أبوظبي” وأذرعها الإعلامية الربيع العبري، ولم يسأل مرتزقتها أنفسهم كيف يكون ربيعًا عبريًا والإمارات من قادت حلف الثورات المضادة ،وموّلت الانقلاب في مصر، ودعمت بشار الأسد وأول من طبّع معه، وصرفت ومازالت تصرف على حفتر، وطبّعت مع الصهاينة، فكيف يكون الربيع العربي عبريًا ومؤامرة صهيونية؟