انطلقت قمة السلام في سويسرا أمس (السبت)، للبحث في وضع أحجار الأساس الأولى لعملية السلام في الحرب الأوكرانية، وسط حضور رؤساء وزراء وممثلون رفيعو المستوى من نحو 100 دولة وكذلك من العديد من المنظمات الدولية، بينما امتنعت روسيا عن المشاركة.
فيما ناقشت القمة العديد من القضايا الحيوية والمصيرية، من بينها صادرات الحبوب من أوكرانيا وسلامة محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تحتلها روسيا وقضايا إنسانية من بينها تبادل الأسرى.
نجاح دبلوماسي لـ”أوكرانيا”
يمكن اعتبار القمة – رغم غياب روسيا- نجاحاً دبلوماسياً لأوكرانيا، والتي رغم انشغال العالم بعدة قضايا أخرى، إلا أن الحضور الكبير يعكي أهمية حرب أوكرانيا وأنعكاساتها ليس على الغرب فقط، وإنما على العالم ككل، وهو ما يظهر في حضور بلدان “الجنوب العالمي”، التي يتزايد نفوذها في العالم الحديث بشكل مضطرد.
وفي السياق الدبلوماسي، عقد القمة بحضور 100 دولة يعكس بوضوح فشل الدعاية الروسية في التأثير على الدول المشاركة التي اختارت حضور القمة باعتبارها حجر أولي لطريق السلام ووقف الحرب في أوكرانيا، كما أن اجتماع ممثلي من 100 دولة يعتبر فرصة دبلوماسية لبدء حوار فعال من مختلف القارات، يسلط الضوء على فهمهم لهشاشة السلام العالمي وترابطه، خاصة فيما يتعلق بمطالب روسيا بالتنازل عن الأراضي الأوكرانية وستكون فرصة للتوصل لإجماع عالمي برفض المطالب الروسية.
وفي سياق المجتمع الدولي، إنه في أزمة الأمم المتحدة وغيرها من الهياكل الدولية، التي فقدت فعليا تأثيرها على العمليات العالمية منذ بداية الحرب ضد أوكرانيا، فإن مثل هذا الاجتماع يحمل أهمية نقطة تحول إيجابية، ويعيد الحرب في أوكرانيا على أجندة المجتمع الدولي مجدداً.
وفي السياق الجيوسياسي، فإن القمة في سويسرا والتي تحولت إلى مناقشة مفتوحة تطرقت حول الحقائق الحديثة للعلاقات الدولية وآفاق المجتمع الدولي في مواجهة عودة الإيديولوجيات الإمبريالية، والاستعمار الجديد، والتي تتعلق على برغبة بعد الدول بإعادة أمجاد الأنظمة الليبرالية السابقة، فتحليلات سياسة بوتين إزاء الحرب كانت تسير بوضوح إلى اهتمامه بعودة الأمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفيتي. وهي بالمناسبة سياسته التي كشف عنها صراحة أكثر من مرة.
ومن الناحية العسكرية، فإن القمة منحت الفرصة للدول المشاركة في التعبير عن مخاوفها، من احتمالات توسيع الحرب ودخول لدول أوروبية أخرى حلقة الصراع على غرار الحروب العالمية الأولى والثانية، مع وجود احتمالات ترجح أن بأن روسيا قد لا تتوقف عند أوكرانيا، وأنها تتخذ بالفعل إجراءات حيال دولاً أخرى مثل دول البلطيق، فيما تعتبر الآن أوكرانيا هي أول دولة تحارب روسيا وكذلك تبدأ طريق السلام مما يعكس أهمية للدول المعنية.
من الناحية السياسية، فإن القمة في سويسرا تمثل بداية لتذكير العالم على ضوررة الالتزام الصارم بمبادئ القانون الدولي وحسن الجوار والاحترام المتبادل
لماذا يعتبر حضور “الجنوب العالمي” نجاحاً دبلوماسياً؟
عبر القمة في سويسرا فإن أوكرانيا تكون خطت خطوة مهمة إلى الأمام في تكثيف الاتصالات مع دول “الجنوب العالمي” (أفريقيا وأمريكا اللاتينية)، التي بدأت في الحصول على دور أكثر أهمية في النظام العالمي الحديث، وهي المناطق التي تعتبر أيضا مناطق ذات أهمية خاصة لروسيا التي تعتبرها مناطق تابعة لمصالحها، حيث تحاول التوغل داخل تلك المناطق عن طريق (الشركة العسكري الخاصة فاغنر).
انتبهت أوكرانيا مبكراً للتوغل الروسي في أفريقيا، وبدأت مواجهته عن طريق توفير الإمدادات الغذائية الحيوية، وخاصة الحبوب، لنفس البلدان الأفريقية، وفي سياق الحصار الذي تفرضه موسكو على “صفقة الحبوب”، فإنه عندما وفت كييف باستمرار بالتزاماتهامما ساعد على استقرار حركة الغذاء العالمية، مما دفع هذه الدول إلى المشاركة في قمة سويسرا.
ويشير حضور ممثلي “الجنوب العالمي” في قمة السلام ورغبتهم في إنهاء الحرب في أوكرانيا إلى تحولات جيوسياسية كبيرة على الساحة العالمية، ورغبة عالمية في إنهاء الحروب المحلية.
بالنسبة لعدد من بلدان “الجنوب العالمي” المنخرطة في صراعات مسلحة إقليمية محلية طويلة الأمد، فإن شكل قمة السلام قد يكون أداة فعالة لحل المشاكل. السلام، مثمرا في ظل تدهور الهياكل الدولية مثل الأمم المتحدة.
خبير مستقل
أولكسندر بوكاش