اكتشف فريق من العلماء العام الماضي 4 مجرات كان يعتقد أنها تكتلت من الغاز بعد نحو 350 مليون سنة من الانفجار العظيم، وهو ما كان يجعلها أقدم مجرات مكتشفة على الإطلاق، إلا أن أحجامها كانت صغيرة نسبيا. والآن، توصل فريق بحثي دولي لاكتشاف 6 أجسام ضخمة غامضة، يرجح أنها مجرات تشكلت في الفترة بين 500 و700 مليون سنة بعد الانفجار العظيم، أي منذ أكثر من 13 مليار سنة.
وتقول الدراسة الجديدة -التي نشرت في دورية “نيتشر” (Nature) يوم 22 فبراير/شباط الماضي- إن المجرات المحتملة تحتوي على عدد من النجوم يضاهي تقريبا عدد نجوم مجرة درب التبانة كما نعرفها اليوم، وظهرت في وقت مبكر جدا من عمر الكون، كما أنها ضخمة جدا بشكل يصعب معه تصديق أن وجود هذه المجرات كان ممكنا في ظل النظرية الكونية الحالية.
وقالت إيريكا نيلسون، المؤلفة المشاركة للبحث والأستاذة المساعدة للفيزياء الفلكية في جامعة كولورادو بولدر (University of Colorado Boulder)، في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة بتاريخ 22 فبراير/شباط الماضي “إنها قمة الإثارة. إذ لا تتوقع أن يكون الكون المبكر قادرا على تنظيم نفسه بهذه السرعة. لا ينبغي أن يكون هناك وقت لتشكل هذه المجرات”. إلا أنه يوجد احتياج لمزيد من البيانات لتأكيد أن هذه المجرات كبيرة ويعود تاريخها إلى زمن بعيد، حسب ما يبدو، وتكمل نيلسون أن “الاحتمال الآخر هو أن هذه الأشياء هي نوع مختلف من الأجسام الغريبة، مثل الكوازارات الخافتة، التي ستكون مثيرة للاهتمام بالقدر نفسه”.
نقاط حمراء ساطعة
هذه النتائج هي حصيلة التحقيق الذي أجرته نيلسون وزملاؤها -من الولايات المتحدة وأستراليا والدانمارك وإسبانيا- في البيانات التي كان يرسلها التلسكوب “جيمس ويب” إلى الأرض، والذي يسمى مسح علم الإطلاق المبكر للتطور الكوني (Cosmic Evolution Early Release Science Survey)، حيث تنظر هذه الصور بعمق في بقعة من السماء قريبة من “بيغ ديبير” (Big Dipper)، وهي منطقة مملة نسبيا من الفضاء لاحظها تلسكوب هابل الفضائي لأول مرة في التسعينيات.
تشرح نيلسون -في البيان- أنه في علم الفلك عادة ما يساوي الضوء الأحمر الضوء القديم، ومع توسع الكون منذ فجر التاريخ تتحرك المجرات والأجرام السماوية الأخرى بعيدا عن بعضها بعضا، ويمتد الضوء الذي ينبعث منه، وكلما امتد الضوء زاد احمراره في مرأى الآلات البشرية، وعلى النقيض من ذلك يبدو الضوء المنبعث من الأجسام التي تقترب من الأرض أكثر زرقة، وهذا ما لفت انتباه نيلسون التي كانت تنظر إلى قسم بحجم طابع بريدي من إحدى الصور عندما لاحظت بعض “النقاط الغامضة” من الضوء التي بدت ساطعة جدا لدرجة يصعب معها أن تكون حقيقية، إذ تقول إنها “كانت حمراء وساطعة للغاية. لم نكن نتوقع رؤيتهم”.
مجرات ضخمة
أجرى الفريق حسابات واكتشفوا أن مجراتهم القديمة المحتملة كانت أيضا ضخمة، حيث تؤوي عشرات إلى مئات المليارات من النجوم بحجم الشمس مثل مجرة درب التبانة، ومع ذلك يمكن ألا تتشابه هذه المجرات البدائية كثيرا مع مجرتنا، وتشرح نيلسون قائلة “تشكل مجرة درب التبانة ما يقرب من نجم إلى نجمين جديدين كل عام. لكن بعض هذه المجرات يجب أن تشكل مئات النجوم الجديدة سنويا طوال تاريخ الكون”.
تريد نيلسون وزملاؤها استخدام جيمس ويب لجمع مزيد من المعلومات حول هذه الأشياء الغامضة، لكنهم رأوا بالفعل ما يكفي لإثارة فضولهم، ففي البداية تشير الحسابات إلى أنه لم يكن هناك ما يكفي من المادة الطبيعية -التي تتكون منها الكواكب والأجسام البشرية- في ذلك الوقت لتشكيل عديد من النجوم بهذه السرعة، تقول نيلسون “إذا كانت إحدى هذه المجرات حقيقية، فإنها ستوسع حدود فهمنا لعلم الكونيات”.
اكتشافات متتالية
وتذكر نيلسون -في البيان أيضا- أن الوتيرة السريعة لاكتشافات جيمس ويب تشبه إلى حد كبير تلك الأيام الأولى لتلسكوب هابل، ففي ذلك الوقت اعتقد عديد من العلماء أن المجرات لم تبدأ في التكون إلا بعد مليارات السنين من الانفجار العظيم، ولكن سرعان ما اكتشف الباحثون أن الكون المبكر كان أكثر تعقيدا وإثارة مما كانوا يتخيلون، وتختم نيلسون قائلة “رغم أننا تعلمنا درسا بالفعل من هابل، فإننا ما زلنا لا نتوقع أن يرى جيمس ويب مثل هذه المجرات الناضجة موجودة حتى الآن في الزمن الماضي. أنا متحمسة جدا”.
الجزيرة