د.خطار أبو دياب
أستاذ الجيوبولتيك في جامعات باريس
أبرزت زيارة الرئيس الايراني الى دمشق في الرابع من مايو الجاري، اهمية الساحة السورية بالنسبة للمحور الاقليمي الذي تقوده طهران، ومن خلال سلسلة الاتفاقيات الثنائية الموقعة بهذه المناسبة، تكرس النفوذ الايراني وزيادة ارتهان النظام له وتغيير وجه سوريا.
يتأكد مع مرور الوقت النجاحات الايرانية عبر التغلغل الامني والتمركز العسكري والاستحواذ الاقتصادي والاختراق الديني – الثقافي والعون الاجتماعي. ولم يكن اختيار موعد زيارة رئيسي من قبيل الصدفة اذ انها اول زيارة لرئيس إيراني الى دمشق منذ ٢٠١٠ ( قبل اشهر من بدء انتفاضة الشعب السوري) وكأنها تستبق عودة سوريا الى النظام الرسمي العربي ، لكي تكون رسالة غلبة ورفض لاي تقليص للوجود الايراني.
منذ فبراير الماضي تسارعت التطورات مع ما يمكن أن نسميه ” دبلوماسية الزلزال” حيث اتت المِحنة الانسانية الاضافية لكي تخدم اجندة النظام وتقدم غطاء لتبرير تفعيل مسار التطبيع العربي الذي بدأ عمليا في موازاة الاتفاقيات حول الجنوب السوري منذ ٢٠١٨، وترافق الامر مع الاستعداد التركي للتطبيع مع دمشق ودخول طهران على خط تسهيله الى جانب موسكو ، لكي يبقى الوجود العسكري والامني الايراني ( تحت غطاء انه يحظى بشرعية ناتجة عن طلب النظام الاستعانة به) خارج اي مساومة مع الوجود التركي التركي الذي تطالب دمشق بانهائه.
في هذا الاتجاه، كرست زيارة رئيسي استحواذ ايران على حصة وازنة عبر إبرام اتفاقيات أمنية ودفاعية وثقافية واقتصادية، وكل هذا لتقول طهران إن وجودها في سوريا ليس وجوداً عسكرياً وأمنياً فحسب، بل هو وجود متعدد ومترابط الجوانب. لوحظ مسعى طهران الى تكريس الأمر الواقع، عبر جهد كبير مع الوفد الضخم الذي جاء مع رئيسي من مستشارين ووزراء وبرلمانيين، وضباط استخبارات.
وكانت الجولة الايرانية على ابواب الجامع الاموي وقرب ضريح صلاح الدين وكأنها الاشارة الى تغيير الوجه العربي التاريخي لدمشق الاموية وعاصمة بلاد الشام .
وما الاستعراض في مقام السيدة زينب إلا الدليل على ” النصر” الذي بارك به رئيسي حليفه الاسد ، الذي هو من دون شك انتصار على سوريا بشعبها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها.
ويندرج في سياق ” النصر” المزعوم قتل مئات آلاف السوريين ، ارتكاب كل الانتهاكات بحق السوريين، تدمير هيكل الدولة السورية وبنية البلد التحتية والتغريبة السورية الكبرى مع ابعاد او تهجير حوالي ثلثي السوريين والتغيير الديموغرافي الهائل والاستحواذ على الاراضي…
تزعم المصادر السورية الموالية ان ” ايران تقاسمت رغيف الخبز مع دمشق وأعطتها الكثير من الأموال في لحظات صعبة ولذلك هي تطالب بأموالها وتحاول أن تحجز مكانها وتؤكد أنها شريكة في صنع قرار دمشق”. لكن هذه المصادر تتناسى ان لا هدايا في السياسة وليست الايديولوجيا او الشعارات من يتحكم بالمسارات ، بل ان صانع القرار في طهران وغيرها يعطي الغلبة لمصالحه في اي علاقة او اي تحالف. ولذا اصرت ايران على ” تضخيم ” حجم ديونها لسوريا وترويجها بانها تبلغ ٥٠ مليار دولار، والهدف واضح ان تكون هذه الديون اغلالا تمنع النظام السوري من الافلات من القبضة الايرانية.
في مطلق الاحوال ، خطة الاستثمار الايراني هي خطة على المدى الطويل منذ ١٩٨٠ وهدفت لجعل سوريا ” الجسر” في ” المحور الايراني” واعتبار نظامها جوهرة تاج المشروع الامبراطوري الايراني، ومعبرها نحو البحر الابيض المتوسط وممثلها في لبنان ” حزب الله”.
ارادت ايران من خلال زيارة ابراهيم رئيسي ان تثبت ما تعتبره انتصاراً لمحورها، وان تغير وجهة النظام السياسية وخروج ايران من سوريا هدفان غير واقعيين.
من خلال هذه الزيارة التي سبقت التطبيع العربي الرسمي مع سوريا، يبدو ان لسان حال طهران انها ” دعمت النظام وقت الحرب والان تريد تحصيل مردود جهودها العسكرية والسياسية وان تواكب انهاء عزلة النظام العربية ”
على صعيد آخر ، يمكن القول ان ايران استفادت من حرب اوكرانيا عبر تعزيز صلاتها مع روسيا عبر امدادها بطائرات مسيرة وحصولها على معدات عسكرية ودعم سياسي. ونظرا لانشغال روسيا وانزلاقها في ” عمليتها الخاصة” وتخفيف وجودها العسكري في سوريا، ازداد التأثير الايراني داخل النظام وفي الميدان السوري .
ومن الواضح ان الاستهدافات العسكرية الاسرائيلية لإيران وميليشياتها على الاراضي السورية منذ عقد من الزمن، لم تنجح في تقليص نوعي او احتواء عملي لوجود المحور الايراني.
تبقى سوريا حتى اشعار آخر مقسمة الى مناطق نفوذ، ولن تؤدي عودة دمشق الى اشغال مقعدها في جامعة الدول العربية الى إحداث تغيير دراماتيكي ايجابي في المعادلة السورية نظرا لرفض النظام العملي لاي حل سياسي واقعي ولاي مصالحة مع شعبه وتاريخه.
ومن الجلي ان طهران تدعم هذا الاتجاه لان استمرار الوضع القائم والاهتراء الاجتماعي – الاقتصادي يمنحان إيران مزيدا من الفرص للتغلغل وتعزيز نفوذها وابقاء سوريا رهينة مغيبة في قطيعة فعلية مع تاريخها ومحيطها.