جهينة خالدية-المجلة
نحو شهرين على الانتخابات الرئاسية الأميركية، الأكثر سخونة وإثارة للجدل واستثنائية في تاريخ أميركا.. “معركة” جمعت سلسلة أحداث غيرت مسارها بشكل جذري وتجري في ظل عالم على شفير تهديدات نووية وحروب تجارية ضارية وحروب شاملة، لا يتوقف فيها عداد الضحايا ولا المسيرات ولا المجاعات..
ولأنه لا يخفى على أحد أن الانتخابات الأميركية وسياسة الرئيس الذي سيشغل ذلك الكرسي الشهير في المكتب البيضاوي، على علاقة وثيقة بكل أزمة في العالم، وسيكون له انعكاسات على معظم السياسات العالمية بحسب عقيدة كل حزب وإدارته للأولويات بشأنها، حاورتُ روبرت فورد، السفير والمبعوث الأميركي السابق لسوريا والعراق والجزائر في لقاء مطول باللغة العربية، ضمن برنامج “حديث المجلة”، حول الانتخابات التي تأتي في ظل اصطفاف أميركي غير مسبوق وتحديات في ملفات حساسة كالهجرة والتضخم والإجهاض التي سيُسمع صداها عاليا في صناديق الاقتراع في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
الانتخابات الأميركية التي تعتبر محط أنظار العالم بأسره، تأتي بعد أن شهد شهر يوليو/تموز 2024 سلسلة أحداث استثنائية من محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب، إلى انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن من السباق الرئاسي، وأخيرا ترشيح كامالا هاريس، التي كانت تُعرف بـ”ظل الرئيس”، عن الحزب الديمقراطي، وقد تصبح أول رئيسة لأميركا من أصول هندية في حال فازت بالانتخابات الرئاسية الأميركية.
العالم وحروبه، السياسية والثقافية والاقتصادية الممتدة، لن يكون لها تأثير على الانتخابات فحسب، بل على السنوات الأربع لولاية أي من المرشحين… فصراعات اليوم لا تشبه ما شهده بايدن في ولايته الأولى أو ما ستشهده هاريس، وستفرض نفسها على وحدة صف الحزب عينه الذي بدأ يواجه نزاعات حول تغييرات عقيدته، ونشهد الحزب الديمقراطي- اليساري يقترب أكثر فأكثر من الوسط، وتصريحات كامالا وكلمات مؤتمر حزبها شاهدان على ذلك. وأيضا، عالم اليوم المتغير والمشتعل لا يشبه أبدا ما شهده ترمب في ولايته الأولى، لا خارجيا ولا داخليا، ومن المؤكد أنه سيدفع لتحديات ومعارك من نوع آخر قد تكون مشاهد اقتحام مبنى الكونغرس أبسطها.
سألتُ فورد عن “الترمبية” واختلاف ترمب الأول عن ترمب الثاني، والصورة الوردية الإنسانية التي سعى حزبه لرسمها له في مؤتمر الحزب الجمهوري، وبرأيه “ترمب لا يتغير، وهدفه الأساسي الاستفادة من أي موقف لصالحه”. أما بخصوص شخصية وسياسة كامالا هاريس، التي كانت تُعتبر لفترة طويلة أحد أهم أركان إدارة بايدن، الآن هي في موقع القيادة، وفي مواجهة ترمب في معركة انتخابية شرسة، فتعتبر بحسب فورد مزيجا من بايدن وأوباما، وإن كانت تهتم أكثر بقضايا حقوق الإنسان، أما بخصوص شخصيتها فـ”تعاملها الصعب مع مساعديها، دفع الكثير منهم إلى الاستقالة”.
وتطرق فورد إلى سياسات ترمب وهاريس المتوقعة في الشرق الأوسط والقضايا العالمية الساخنة، التي ستكون حاضرة بقوة أيضا في النقاشات الانتخابية وستؤثر على خيارات الناخبين، من حرب غزة، إلى حرب أوكرانيا وروسيا ومستقبل “الناتو”، والحل في سوريا والعلاقات مع إيران ومصير الاتفاق النووي.
ناقشت مع الدبلوماسي الأميركي ملف الحرب الممتدة في المنطقة… رقعة الشطرنج المشتعلة، التي تعيش على وقع مسيرة هنا واغتيال من هناك. ورأى فورد أن “إيران في موقف ضعيف حاليا وتخشى المغامرة وتتردد في توجيه ضربات على إسرائيل، التي تتمتع بتفوق استخباري كبير وتتعاون مع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية لصد أي هجمات”.
أما بخصوص حرب غزة، فاستبعد توقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة قريبا ورأى أنها “قد تستمر إلى أجل غير مسمى، مما يجعل مستقبل غزة غامضا”.
وقدم فورد مراجعة للدور الأميركي في المنطقة، واصفا الحرب في سوريا والعراق وليبيا بالفشل الذريع ومن أسوأ القرارات في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية. وخص “المجلة” بروايتين حصريتين لكواليس دعوة أوباما للأسد بالتنحي، واجتماعه بأوباما في البيت الأبيض والسجال بينهما حول السياسة الأميركية في سوريا، إضافة إلى قصة شخصية تعود إلى الثمانينات عاشها مع جنود سوريين في طريقهم من دمشق إلى تدمر… تركت أثرها عليه ولخصت رأيه حول “عدم فهم الأميركيين لشعوب الشرق الأوسط”.
وفيما يلي نص المقابلة كاملة:
* رأينا في فيلم “الحرب الأهلية” أميركا أخرى، دمار وميليشيات وقتل على الهوية، وعسكري محلي يسأل الصحافيين: أي أميركيين أنتم؟ كم يبدو ما شاهدناه في الفيلم قريبا من واقع أميركا اليوم؟ ومن برأيك من المرشحين للانتخابات الرئاسية يمكن أن يهدئ الشارع الأميركي؟
– مع الأسف الشديد، أميركا بلد منقسم جدا. الانقسامات تظهر في جوانب متعددة، انقسام طبقي وعرقي وثقافي. الفيلم كان مخيفا جدا، ويؤكد على الانقسامات التي كنت أتحدث عنها، ويصور مشاهد القتل على الهوية، وهو شيء غير معروف تقريبا في الثقافة والتاريخ الأميركيين. في الفيلم، رأينا أحد أفراد ميليشيا غير معروفة يسأل بعض الصحافيين الذين تم القبض عليهم: “من أنتم؟” وكان السؤال يقصد به: “من أين أنتم؟” أي: “هل أنتم أميركيون أصليون أم مهاجرون؟”. السؤال كان يطرح بصفة سياسية: “هل أنت مع اليسار أم اليمين؟”. هذا السؤال مألوف لدى الناس الذين عاشوا خلال أيام الحرب الأهلية في لبنان أو العراق أو حتى في الجزائر أو سوريا، لكن بالنسبة للأميركيين، هذا شيء جديد تماما على العقلية الأميركية.
* كتبت في “المجلة” عن “الترمبية” وعن هاريس. برأيك، هل يختلف “ترمب الثاني” عن “ترمب الأول”؟
– بالنسبة لترمب، شخصيته لم تتغير. أما بالنسبة لفريقه، فلديهم تجربة أكبر بكثير مقارنة بما كانوا عليه في سنة 2016. هذا يعني أنهم استفادوا من دروس تجربة عهد ترمب الأول، وبدأوا في تخطيط إطار كامل للسياسات الداخلية والخارجية. هذه الخطط لم تكن موجودة أبدا في بداية عهد ترمب الأول، لكن هذه المرة هم جاهزون. جاهزون منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة في حال فوزه. في عام 2017، لم يكن لدى دونالد ترمب وفريقه الصغير فكرة عن الأشخاص المناسبين لشغل مناصب حساسة داخل الحكومة الأميركية، وكانت عملية التعيينات بطيئة جدا. لكن هذه المرة لديهم قائمة بآلاف الأسماء المناسبة للتعيينات في مناصب مهمة في الحكومة.
* ماذا عن الصورة التي رُسمت لترمب بعد مؤتمر الحزب الجمهوري: ترمب الأب والجد، والناجي من الاغتيال؟ هل ستنعكس هذه الصورة على أي تغييرات في شخصيته وقراراته وطريقة اتخاذها؟
– أعتقد أن ترمب لديه هدف واحد في حياته، وهو كيفية الاستفادة ماليا وسياسيا واجتماعيا من أي ظرف. فأولويته هي توسيع نفوذه في العالم، وخصوصا في أميركا. أما بالنسبة لانفتاحه على الأفكار الجديدة؟ فلا أعتقد ذلك، فهو رجل واقعي، يهتم دائما وأبدا بمصلحته على المدى القصير. في الوقت نفسه، هو كسول إلى حد ما، ولا يحب قراءة التقارير الطويلة، ويفضل التعامل مع الناس شفهيا. كما أنه متسرع في اتخاذ القرارات ويتخذها حسب مزاجه العفوي، ولا يفكر بشكل عميق.
* ماذا عن هاريس؟
– هاريس، إلى حد ما، شخصيتها غير معروفة لدى كثير من الأميركيين، على الرغم من أنها كانت عضوا في مجلس الشيوخ وكانت أيضا نائبة الرئيس لمدة أربع سنوات. ما نعرفه عنها هو أنها ذكية جدا، وفي الوقت نفسه، تتعاطف مع الناس بطريقة لا يفعلها دونالد ترمب. من جهة أخرى، وبحسب كل التقارير التي سمعتها، وما قاله أصدقاء لي عملوا معها في البيت الأبيض، فإنها صعبة قليلا مع الفريق الذي يعمل معها. ورغم اهتمامها بقراءة التقارير المكتوبة، فإنها بسبب انشغالها الكبير، أحيانا لا تأخذ الوقت الكافي لاستيعاب كل المعطيات في التقارير، وقد تكون قاسية على مساعديها لعدم فهمها ما جاء في التقارير. ومن المعروف أن الكثير منهم استقالوا لأنهم وجدوا أن العمل معها كان صعبا جدا.
* في السياسة، هل هي “بايدن الثاني” أم “أوباما الثالث” برأيك؟
– هاريس، إلى حد كبير، تُعتبر رمزا للحزب الديمقراطي، ولديها أفكار مشابهة لأفكار جو بايدن، وأخرى تشبه أفكار باراك أوباما. صراحةً، لا يوجد فرق كبير بين أفكار جو بايدن وأفكار باراك أوباما. على سبيل المثال، لا نجد فرقا كبيرا بين الاثنين في السياسة الخارجية. أما بخصوص شخصية كل منهما، ما يمكنني قوله هو أن باراك أوباما لم يكن يهتم كثيرا، على سبيل المثال، بقضية حقوق الإنسان في الملفات الخارجية، وكان يركز أكثر على توازن القوى في السياسة الخارجية. ومن جهة أخرى، أعتقد أن كامالا هاريس تتحدث بشكل مختلف عن جو بايدن بخصوص المعاناة في غزة والشعب الفلسطيني، لكن، أؤكد وأشدد على هذه النقطة، أنه من غير الواضح ما إذا كانت هاريس ستتخذ قرارات نحو وقف إرسال أسلحة إلى إسرائيل، على الرغم من اهتمامها بحقوق الإنسان بشكل مبدئي.
* استكمالا للنقاش حول غزة تحديدا. الشرق الأوسط هو رقعة شطرنج مشتعلة، والمنطقة على وقع مسيرة هنا واغتيال هناك. ما هو السيناريو الأقرب؟
– برأيي الشخصي، إيران في موقف ضعف. كيف؟ إسرائيل لديها تفوق استخباري واضح جدا، وفي الوقت نفسه، تتعاون إسرائيل مع أميركا وبعض الدول العربية، ولديهم القدرة على إسقاط الكثير من الصواريخ الإيرانية التي قد تطلقها الحكومة الإيرانية باتجاه إسرائيل. رأينا ذلك في شهر أبريلب/نيسان الماضي. السؤال هنا: هل طهران في موقفها الضعيف جاهزة لمغامرة كبيرة؟ طبعا قد تطلق هجوما صاروخيا بآلاف الصواريخ، لكن رد الفعل من إسرائيل ومن الولايات المتحدة سيكون ضد أهداف عسكرية واقتصادية إيرانية ولبنانية أيضا. وبالتالي، في نهاية هذا التبادل للهجمات، هل ستكون إيران في موقف أقوى أم أضعف؟ يبدو أنها تخشى التصعيد في المنطقة.
* في ظل كل ذلك، ما هو السيناريو الأقرب لليوم التالي في غزة؟ هل يمكن تحقيق حلم حل الدولتين؟ وبين ترمب وهاريس، من هو الأقرب لتحقيق أو تنفيذ هذا الحل؟
– بالنسبة لمستقبل غزة، هو مستقبل مجهول. قد نصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت، لمدة شهر أو ستة أشهر، لكنني لا أعتقد أن العمليات العسكرية الإسرائيلية ستتوقف. وفي كل مرة تحاول “حماس” العودة إلى المناطق التي احتلتها إسرائيل ثم انسحبت منها. لذلك أعتقد أن إسرائيل ستستمر في ضرباتها ضد “حماس” إلى الأبد تقريبا. مستقبل غزة فعلا مجهول.
السؤال هنا: هل طهران في موقفها الضعيف جاهزة لمغامرة كبيرة؟ طبعا قد تطلق هجوما صاروخيا بآلاف الصواريخ، لكن رد الفعل من إسرائيل ومن الولايات المتحدة سيكون ضد أهداف عسكرية واقتصادية إيرانية ولبنانية أيضا
روبرت فورد
أما بالنسبة للمرشحين في أميركا والانتخابات الرئاسية، فترمب مع إسرائيل مئة في المئة، ولا يهتم أبدا بالقضية الفلسطينية، وهذا ما شهدناه خلال فترته الأولى بين 2017 و2020، حيث نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وكان سفيره في القدس ديفيد فريدمان يدعم الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية.
أما بالنسبة لكامالا هاريس، فهذا الموضوع محل نقاش يوميا في أميركا وداخل الحزب الديمقراطي، وهو أحد محاور الانقسامات الموجودة في أميركا اليوم. عموما، الشباب في الحزب الديمقراطي يناصرون القضية الفلسطينية وهم مؤيدون لفكرة دولة فلسطينية مستقلة. من جهتها، هاريس تدعم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، أي حل الدولتين، لكن شفويا. ولم توضح أبدا كيف يمكن الوصول إلى هذا الحل. هذه هي المشكلة منذ إدارة جورج بوش الابن. إذ كان البيت الأبيض رسميا وشفويا يدعم حل الدولتين، ولكن فعليا، الإجراءات الملموسة في الوقت نفسه تدعم إسرائيل في جهودها لإسقاط حل الدولتين. وهذه هي المشكلة الأساسية.
* رأينا امتداد حرب غزة إلى اليمن، في خطوة تصعيدية قوية. وهناك بالطبع مخاوف غربية ودولية حول ما يحدث في البحر الأحمر. إلى أي مدى تعد استراتيجية الغرب للحد من هذا التصعيد فعالة؟
– لدي ملاحظتان بخصوص البحر الأحمر: أولا، من الواضح أنه رغم جهود كبيرة من البحرية الأميركية بالتعاون مع “بحريات” أجنبية أخرى، فإن هناك حدودا لقدرتها على السيطرة على أنصار الحوثيين وهجماتهم على الملاحة التجارية الدولية في البحر الأحمر. ولدي ملاحظة ثانية، أعتقد أنها قد تكون مثيرة للقراء. وبحسب قانون أميركي يعود إلى الحرب في فيتنام قبل 60 عاما، ينص على أنه في أي وقت يقرر فيه الرئيس الأميركي نشر قوات عسكرية في مواقع القتال، أي بداية حرب، يجب قانونيا أن يحصل على موافقة الكونغرس. هذا القانون يسمى بالإنجليزية “War Powers Resolution” (قرار سلطات الحرب). وبايدن لم يطلب موافقة الكونغرس لنشر القوات الأميركية في القتال في البحر الأحمر. وهذا قانونيا موقف ضعيف. لذلك، هذا قد يكون أحد الأسباب التي تجعل بايدن في نهاية المطاف غير قادر على التصعيد في البحر الأحمر.
أ ف ب
علم سوري وسط الانقاض في منطقة الحجر الاسود في ضواحي دمشق
* قبل أن ننتقل إلى ملف سوريا، وأنت كنت آخر سفير أميركي لسوريا، أود أن أسألك عن مستقبل العلاقة مع إيران. هل تعتقد أن ترمب سيعطي الإدارة الجديدة فرصة لاستكمال طريق التفاوض؟ أم في ظل مشروع 2025 سيعود إلى السياسة السابقة الحازمة ضد إيران وبرنامجها النووي؟ في المقابل، هل ستلتزم هاريس بموقفها السابق من الاتفاق؟
– السؤال في محله. أعتقد أن الجمهوريين بشكل عام متفقون على ممارسة ضغط اقتصادي أكبر على إيران. لذلك، أعتقد أنه إذا فاز ترمب في نوفمبر 2025، سنرى زيادة في العقوبات المفروضة على إيران بشكل عام. أما بالنسبة لكامالا هاريس، فإن الظروف المرتبطة بالاتفاق النووي لعام 2015 قد تغيرت، فإيران لديها قدرات إضافية لم تكن لديها في 2015، مثل قدرتها على تخصيب اليورانيوم وإنتاج قنبلة نووية في مدى قصير. لذلك، فإن العودة إلى اتفاق 2015 غير واردة. السؤال الكبير هو هل سيكون ترمب جاهزا لتنفيذ ضربة عسكرية جوية أو صاروخية ضد المواقع النووية الإيرانية في ضربة استباقية؟ هذا الشيء غير معروف، خاصة أن الشعب الأميركي، خصوصا بعد الانسحاب من أفغانستان والعراق، حذر جدا من دخول حرب جديدة في الشرق الأوسط.
* ترمب هو من أشعل الحرب التجارية مع الصين، وبايدن أكملها وإن لم يكن بنفس الحدة. اليوم، كيف سيتعامل ترمب أو هاريس مع الصين؟ هل سيضطران لمواجهة حادة أم قد يعيد التحالف الروسي الصيني القوي حساباته؟
– هناك إجماع نادر بين الجمهوريين والديمقراطيين حول تحديد التهديد الصيني ضد المصالح الوطنية الأميركية. لذلك، سواء كان ترمب أو هاريس في السلطة، فإن الاهتمام الأول في السياسة الخارجية سيكون الصين واحتواء قوتها في آسيا وعالميا. السؤال هو كيف سيتم احتواء الصين؟ الاستراتيجية هي ردع الصين من مغامرات عسكرية خارجية. الجمهوريون والديمقراطيون متفقون على تقوية التحالفات في المنطقة مع اليابان، ومع الهند، ومع أستراليا، ومع كوريا الجنوبية.
* لكنّ للصين نفوذا وأدوارا سياسية أيضا في المنطقة، وليس فقط اقتصادية…
– هذا سؤال جيد جدا. المنافسة بين أميركا والصين في الشرق الأوسط لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة. بصراحة، الأميركيون لم يكونوا يهتمون بالإجراءات الصينية في المنطقة، ولكن هذا تغير. الأميركيون قلقون بشكل خاص من محاولات التجسس الصينية على القوات الأميركية في المنطقة. هذا بداية. أما ثانيا، فإن النفوذ الصيني السياسي صغير بالمقارنة مع النفوذ الأميركي. على سبيل المثال، ليس للصين دور في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة. الصين ليست موجودة، ولكن التوجه خلال السنوات القادمة هو أن النفوذ الصيني السياسي سيزداد. لذلك، أميركا ستحاول احتواء هذا النفوذ الصيني السياسي.
بالنسبة للنفوذ الاقتصادي، من الصعب على أميركا التنافس مع الصين اقتصاديا في الشرق الأوسط، لأن الشركات الصينية في كثير من الأحيان جاهزة للاستثمار في مناطق غير مستقرة مثل العراق على سبيل المثال، حيث توجد استثمارات صينية في قطاع النفط، بينما تنسحب الشركات الأميركية من العراق. كما أن الشركات الصينية قوية جدا، خاصة في مجال التكنولوجيا. ولكنني لا أريد أن أبالغ في نفوذ الصين في المنطقة. فعلى سبيل المثال، في موضوع حرب غزة، يمكن لأميركا أن تمارس ضغوطا كبيرة على إسرائيل. أما الصين فليست لاعبا في العملية.
* هل فعلا لأميركا تأثير على إسرائيل وقرارات نتنياهو مثلما كان من قبل، على الأقل؟
– شخصيا، أعتقد أنه إذا أراد جو بايدن، فإنه يستطيع أن يوقف اليوم إرسال الذخيرة والقنابل وقطع الغيار التي يمكن أن تؤثر بشكل ملموس على القدرات العسكرية الإسرائيلية خلال أسبوع. المشكلة أن الإرادة السياسية غير موجودة.
* بايدن لا يريد أم لا يستطيع؟
– جو بايدن ليس مرشحا في نوفمبر، لذلك لديه حرية عمل أكبر، لكنه سياسيا ليس لديه مرشح، فإذا أراد إيقاف إرسال الأسلحة، حتى لو كان الثمن السياسي كبيرا، فإنه سيكون في موقف غير مهم لأنه ليس مرشحا.
* ترمب يكرر أنه يستطيع إنهاء حرب أوكرانيا في يوم، ولديه موقف عنيف تجاه حلف شمال الأطلسي (ناتو) هل يمكن أن نرى في اليوم الأول من إدارته أنه يفجر قنبلة وينسحب من الحلف، كما حدث مع انسحابه من اتفاق باريس للمناخ؟
– أعتقد أن اتفاق باريس للمناخ شيء وحلف “الناتو” شيء آخر. الغالبية العظمى من الجمهوريين في الكونغرس، والمحللين الجمهوريين في المراكز البحثية، جميعهم متفقون على أهمية استمرار المشاركة الأميركية في الحلف الأطلسي. في الوقت نفسه، يريدون من الدول الأوروبية زيادة ميزانية الدفاع لبناء قوات عسكرية أوروبية قادرة على مواجهة روسيا مع أميركا. الفكرة أن أميركا سترسل قوات عسكرية إضافية من أوروبا إلى آسيا لمواجهة الصين. لذلك على الأوروبيين بناء قوات عسكرية جديدة تأخذ مكان القوات الأميركية المسحوبة من أوروبا.
* اليوم، الحل السياسي في سوريا حلم بعيد المنال. عن أي سوريا نتحدث؟ ومن يمكنه التفاوض مع من؟ سوريا مقسمة إلى ثلاث دويلات وجيوش العالم على أرضها، وفي سمائها حرب إيرانية إسرائيلية، يتفرج عليها النظام وكأنها في دولة أخرى.
– سوريا مأساة إنسانية واسعة النطاق. الحل في سوريا بالنسبة لي غير واضح. أعتقد أنه في يوم ما ستنسحب القوات الأميركية من الأراضي السورية الشرقية، لكن من الواضح أن جو بايدن، كرئيس، لن يسحبها. أما بخصوص كامالا هاريس، فلست متأكدا. وأعتقد أن الاحتمال الأكبر هو أن تقوم إدارة ترمب جديدة بسحب القوات الأميركية. ولكن في المقابل، القوات التركية موجودة أيضا على الأراضي السورية في الشمال، ولا يبدو لي أن الأتراك جاهزون لسحب القوات. والمشكلة الأساسية أن الحكومة السورية في دمشق ضعيفة، ضعيفة اقتصاديا، ضعيفة عسكريا، ضعيفة سياسيا، مما أوصلنا إلى حل مجمد. وأعتقد أن الوضع الحالي سيستمر لسنوات عديدة مقبلة.
إذا أراد جو بايدن، فإنه يستطيع أن يوقف اليوم إرسال الذخيرة والقنابل وقطع الغيار التي يمكن أن تؤثر بشكل ملموس على القدرات العسكرية الإسرائيلية خلال أسبوع
روبرت فورد
* هل يعني هذا انتهاء الدور الأميركي في سوريا تماما؟
– أعتقد أن الدور الأميركي في السياسة السورية كان محدودا منذ زمن أوباما. في عام 2014، اتخذ قرارا بالتركيز على جهود الأميركيين ليس في الوصول إلى حل سياسي في سوريا، بل على احتواء وإزالة “داعش” من سوريا والعراق. لذلك، الأميركيون لن يلعبوا دورا كبيرا في مستقبل سوريا. وأعتقد أن روسيا هي الدولة الحيوية للعملية السياسية السورية في المستقبل.
* في عام 2011، وقبل أن يعلن أوباما أنه “على الأسد التنحي” كنت سفيرا لسوريا في ذلك الوقت، وتلقيت اتصالا مهماً قبل الإعلان. أخبرنا ماذا جرى في الاتصال، وما كان ردك؟
– في شهر يوليو 2011، بدأت فكرة أن الرئيس يعلن عن ضرورة تنحي بشار الأسد من السلطة تتداول في الأروقة الحكومية الأميركية. كنت ضد الفكرة، لأني علمت أن الأميركيين لن يتدخلوا عسكريا في سوريا، خصوصا أن الحرب في العراق لم تكن قد انتهت بعد. فكانت نصيحتي لواشنطن أنه من الأفضل أن تتجنب استخدام كلمة “التنحي”. لكن الضغط السياسي على أوباما في واشنطن زاد من قبل الجمهوريين، زاد من قبل بعض الديمقراطيين، وزاد من دول أجنبية، خصوصا في أوروبا والشرق الأوسط.
في ليلة الإعلان، اتصل بي أحد كبار مساعدي أوباما وسألني: هل سنكون في السفارة الأميركية في دمشق في موقف آمن إذا أعلن الرئيس عن ضرورة تنحي بشار من السلطة؟ فأجبته أننا أمنيا لن نواجه أي مشكلة. البيت الأبيض كان يخشى من إعادة تجربة عام 1979 واختطاف الدبلوماسيين الأميركيين كما حدث في طهران.
للأسف، أوباما لم يكن لديه تأثير كبير في الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وناقشت الموضوع مع أوباما في عام 2015 بعد تقاعدي من الخارجية الأميركية. ناقشنا هذا لفترة طويلة، وأخبرته أن الإعلان لم يكن له فائدة، وربما عرقل بعض الشيء الجهود الأميركية لإيجاد حل سياسي. أوباما استاء مني في المكتب البيضاوي، ولكني لم أكن موظفا حينها، لذلك لم يكن يهمني. ولكنه قال لي إن الرئيس الأميركي لديه حرية التعبير. قلت له إن الرئيس الأميركي قد يكون لديه حرية التعبير، ولكن عليه أن يفكر قليلا قبل أن يقول أي كلمة.
المشكلة أن المعارضة السورية فهمت من الإعلان أن القوات الأميركية ستأتي لتساعد المعارضة السورية بسبب إعلان أوباما، وهذا كان فهما خاطئا وكبيرا.
* اليوم، بعد عودة سوريا للحضن العربي هناك مبادرات وإشارات عديدة للمرونة الدولية تجاه سوريا. هل سنشهد تغييرا في. لاءات الدول الغربية: “لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، ولا لرفع العقوبات”؟
– واشنطن مصممة على اتباع سياسة عزل سوريا عن العالم الخارجي، من خلال العقوبات وما إلى ذلك. لا يوجد تغيير في الموقف الأميركي، ولا يوجد أي جمهوري أو ديمقراطي في واشنطن ينصح البيت الأبيض بتغيير هذه السياسة.
أما بالنسبة لأوروبا، فهذه مسألة أخرى. أعتقد أن الأوروبيين لديهم خوف من موجة جديدة من المهاجرين مثلما رأينا في عام 2015 القادمين من سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وخصوصا من سوريا. لذلك، بدأ الأوروبيون يفكرون في كيفية العمل مع السوريين في بعض المشاريع لإعادة إعمار سوريا، أو على الأقل لمعالجة الظروف الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط. بالطبع، هذا سيسبب مشاكل بين الأوروبيين والأميركيين.
قد تتجاوز بعض الشركات أو الحكومات الأوروبية الخط الأحمر الأميركي بخصوص العقوبات. هذا الاحتمال كبير، خصوصا إذا فاز دونالد ترمب في الانتخابات. أعتقد أن القوانين الأميركية ستمكن الخارجية الأميركية، وخصوصا إدارة شؤون الشرق الأوسط في الخارجية، من تفسير الخطوط الحمراء والعقوبات الأميركية بشكل صارم ضد أي محاولة أوروبية لمساعدة الاقتصاد السوري.
* ما تفسيرك لسحب مكتب البيت الأبيض مسودة قانون لمناهضة التطبيع العربي مع الأسد؟
-أعتقد أن هذا جزء من لعبة أكبر من سوريا. وفي ظل عدم وجود حل أميركي للأزمة السورية، فإن دولا مثل دول الخليج وغيرها سيحاولون اتباع استراتيجية جديدة. وخصوصا دول الخليج، فهي لا تريد أن تفرض واشنطن عقوبات تجارية على شركاتها الخليجية إذا بدأت هذه الشركات العمل في سوريا.
* “قانون قيصر” الذي يتضمن عقوبات على دمشق، ينتهي في ديسمبر/كانون الأول، وهناك تخمينات في دمشق حول تمديده. ما رأيك؟
– أعتقد أن “قانون قيصر” سيتم تجديده في نهاية المطاف، لأن هناك إجماعا بين الجمهوريين والديمقراطيين على أن بشار الأسد مجرم حرب، وأن الحكومة السورية يجب أن تتغير. لذلك، في نهاية المطاف، أعتقد أن “قانون قيصر” سيتم تجديده.
* من المعروف عنك أنك دائما صريح، ودائما تكرر جملة “الصراحة راحة”، برأيك، من خلال عملك في سوريا، ما هي الفرصة الضائعة التي ربما لم تستغلها الإدارة الأميركية السابقة وكان من الممكن أن تغير مجرى الأحداث؟
– السوريون، وليس الأميركيون، هم من بدأوا الثورة السورية. كنا، في الجانب الأميركي، مستغربين بعض الشيء من انطلاق الثورة السورية وسرعة انتشارها في البلاد. في النهاية، السوريون هم المسؤولون عن إيجاد الحل، وليس الأميركيون. أعتقد أننا ارتكبنا أخطاء عديدة: أنا شخصيا ووزارة الخارجية الأميركية لم نقدم استراتيجية متكاملة. قدمنا أسلحة لمجموعات مسلحة، خصوصا في جنوب سوريا وشمالها، وكانت مجموعات غير إسلامية عموما. في الوقت نفسه، حلفاء الأميركيين قدموا أسلحة لمجموعات مسلحة كانت تتنافس مع المجموعات التي كان يدعمها الأميركيون. هذه المنافسة داخل صفوف الثورة كانت نقطة ضعف كبيرة جدا.
* عملت في العراق كمستشار سياسي في السفارة الأميركية، ولاحقا كبير مستشاري سلطة التحالف المؤقتة. تقول في مذكراتك “يوميات دبلوماسي أميركي على خطوط النار” إن العراقيين ارتكبوا الكثير من الانتهاكات. إذا طلبت منك، سعادة السفيرة، اختيار شيء واحد محدد أخطأت فيه أميركا بعد غزو العراق، ماذا سيكون؟
-الحرب في العراق والتدخل الأميركي في العراق عام 2003 كانا ربما أسوأ قرار في السياسة الخارجية الأميركية في تاريخها. ربما تشبه فيتنام في مستوى الحماقة نفسه. لذلك، كان الخطأ الكبير هو دخول الحرب في 2003 من البداية. أما بالنسبة لنا بعد ذلك، فكنا على جدول زمني مرتبط بالجدول السياسي في واشنطن والانتخابات، ودفعنا السياسيين العراقيين لاتخاذ قرارات مهمة بسرعة. كان من المفروض أن نتصرف بصبر، وكان علينا أن نترك المجال للسياسيين العراقيين للتفاوض مع بعضهم البعض والوصول إلى قرارات عراقية مستقلة. كان العراقيون سيصبحون مسؤولين عن القرارات ونتائجها، بدلا من أن يكون الأميركيون مسؤولين، خصوصا عندما حاولنا اختيار رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية بدلا من أشخاص غير مناسبين. للأسف، كانت قدرتنا على الفهم محدودة جدا. الحرب في العراق كانت فشلا كبيرا، وجهودنا في سوريا كانت فشلا كبيرا، وفي ليبيا كانت فشلا أيضا.
* كنت شاهدا على تزايد النفوذ الإيراني في العراق منذ 2003، وكذلك تزايد النفوذ الإيراني في سوريا بعد 2011. هل ما زلت تعتقد اليوم أن العراق رهينة لإيران؟ وهل استبدلت إيران سوريا بالعراق لتكون قاعدة لسياساتها في الشرق الأوسط؟
– أعتقد أن التاريخ الإيراني مرير بالنسبة للحرب بين العراق وإيران في الثمانينات. لذلك، أعتقد أن طهران كعاصمة للدولة الإيرانية ستظل تهتم أكثر بشؤون العراق من شؤون سوريا وهذا لهدف واحد، وهو تجنب تكرار التجربة المريرة من الحرب بين العراق وإيران. أما بالنسبة لسوريا، فأعتقد أن الإيرانيين يستغلون إلى حد ما الفرصة من الانقسامات الكبيرة في المجتمع السوري للاستفادة من هذه الانقسامات لتقوية موقفهم، وبالطبع يستفيدون من الضعف الاقتصادي السوري. الإيرانيون يستفيدون من هذا، لكن العراق، أعتقد، يبقى أكثر أهمية لطهران من سوريا.
* لقد قضيت أكثر من ثلاثة عقود في العمل الدبلوماسي في المنطقة، وقبل ذلك درست ودرّست في مصر، والمغرب. أخبرنا أكثر عن علاقتك الشخصية بالشرق الأوسط والدول العربية.
– سأسرد لك قصة شخصية: في عام 1983، كنت طالبا في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أدرس اللغة العربية. ذهبت مع زميلي إلى سوريا كسائحين. كان عمري 25 عاما، ولم أكن حينها دبلوماسيا، كنت طالبا، وأردنا زيارة مدينة تدمر والآثار التاريخية. اشترينا تذاكر من مكتب التذاكر في المحطة بدمشق وركبنا الحافلة للذهاب إلى تدمر. عندما ركبنا الحافلة، كان هناك جنود سوريون. وللتذكير، نحن في عام 1983، كانت القوات البحرية الأميركية والمشاة البحرية الأميركية موجودة في لبنان وكانت تشتبك يوميا مع القوات السورية في سوق الغرب وفي بيروت. لذلك عندما رأينا الجنود السوريين، خفنا كثيرا، وحاولنا النزول من الحافلة. لكن الجنود السوريين صرخوا: “تعالوا، تعالوا، إلى أين أنتم ذاهبون؟”. كنا خائفين جدا، فقلنا لهم إننا ذاهبون إلى تدمر. قالوا لنا: “تفضلوا، تفضلوا، أنتم ذاهبون إلى تدمر؟ اركبوا، اركبوا”. كنت خائفا أكثر من أي وقت مضى. ركبنا الحافلة، ولم يكن هناك أي كرسي فارغ، كل المقاعد كانت مشغولة بالجنود. اثنان منهم وقفا لكي نجلس. الحافلة غادرت المحطة، وبدأنا رحلتنا على الطريق إلى تدمر. استغرقت الرحلة حوالي ثلاث ساعات، إذا كنت أذكر بشكل صحيح. في البداية، كنا خائفين. قلت لنفسي إذا سألوني من أين أنا، قد أقول لهم إنني من كندا، لكنني كنت خائفا أحيانا، إذا سمعوا أنني أميركي، قد يخافون أو يقلقون مني. لذلك، كان من الأفضل أن أكون صريحا. قلت لهم إنني أميركي. عندما سمعوا أننا طلاب أميركيون، بدأوا يناقشون معنا الحياة، خصوصا الحياة في أميركا والشباب والأفلام والرياضة والتلفزيون. لم نتحدث عن السياسة أبدا. عندما وصلنا إلى تدمر، كان هؤلاء الجنود السوريون في عام 1983 لطيفين جدا. قبل أن ننزل من الحافلة عند وصولنا إلى تدمر، كان هناك جندي سوري برتبة لم أكن أعرفها. قال لي وهو ينزل: “الأميركان لا يفهمون أبدا الناس في الشرق الأوسط”. وكان محقا. علينا أن نكون دائما متواضعين جدا.
* في ختام هذا اللقاء المطول، لدي فضول لسؤالك عن لغتك العربية المميزة، أين درست اللغة العربية، سعادة السفير، وكيف حافظت عليها بعد كل هذه السنين؟
– ربما ستضحكين. شاهدت فيلما في منتصف السبعينات مع الممثل الإنجليزي بيتر أوتول اسمه “لورنس العرب”. هذا الفيلم أعجبني كثيرا. كنت أدرس اللغة الفرنسية والألمانية والتاريخ الأوروبي في بداية دراستي في الجامعة. لكن بعد أن شاهدت هذا الفيلم، قال لي صديقي في الجامعة إن هناك برنامجا صيفيا لتعليم اللغة العربية، وفكرت في الفيلم. والله، كانت فكرة مثيرة جدا أن أتعلم اللغة العربية. عندما قلت هذا لوالدي، قال لي: “أنت لم تهتم أبدا بالشرق العربي. لماذا تريد الآن أن تتعلم اللغة العربية؟”. قلت له: “والله، لا أعرف، الفيلم كان مثيرا”. ومع أزمة النفط في العالم، ربما الشرق الأوسط سيصبح أكثر أهمية في المستقبل مما هو عليه الآن. وافق والدي وبدأت أدرس اللغة العربية. طبعا، الأميركي الذي يحاول تعلم اللغة العربية مهمته تقريبا مستحيلة. بعد سنة من الدراسة توقفت عن الدراسة وذهبت إلى المملكة المغربية، وكنت أستاذا في ثانوية مغربية لمدة سنتين. وكان ذلك لكي أتعلم اللغة العربية بشكل حقيقي.