تخرج علينا بعض الأصوات على الإعلام لتقول: “ندعو السوريين للانضمام إلى الحراك وننتظر استجابتهم مع تقديرنا لظروفهم”، وهو كلام غالباً ما يدلُّ على قلّة خبرة واطلاع كي لا نقول غير ذلك.
ذلك أن ظروف من تناديهم هذه الأصوات من السّوريين في دمشق وحلب أو اللاذقية أو حتى في إدلب وبالتأكيد في دير الزور والجزيرة السّورية تمثل تحدياً يصل حدّ المخاطرة بالحياة للخروج مرّة جديدة بوجه النظام.
أمٌ في دير الزور إن أرادت دعوة ابنيها وابنتها المتبقّين في المنزل، بعد استشهاد أخوتهم في قصف النظام العشوائي على مدار أكثر من عقد، لابد أن تكون متيقّنة ًأن خروج من تبقّى سيكون لأجل شعارٍ صريحٍ جامعٍ يدعوه أكثر من اثنا عشر مليون سوري “الشّعب يريد إسقاط النّظام” وفاءً لتضحيات الملايين كما نادت ساحة الكرامة في السّويداء..
نعم، هذا بينما يكتفي بعض المثقّفين أو السّياسيّين المحليّين بالمناداة بتنفيذ القرارالأممي 2254 دون إقرانه ببساطة بـ “إسقاط النظام”، وهو الضّمانة الوحيدة لاستعادة حقوق الناس كلّها.
وفي هذا الشأن التقينا بعض السياسيّين والباحثين من الداخل السّوري في السّويداء، وكانت لهم آراء مغايرة عما ورد أحياناً على شاشات التلفزة بشأن امتثال سقف 2254 دون بيان الموقف من تفسيراته المواربة.
الباحث الاجتماعي والناشط السياسي هيثم صعب يرى أن قوى ومكونات سياسية ومدنية عديدة (محلية).. “جراء تصحير الحياة السياسية والفكرية عبر عقود من الزمن”، وجدت نفسها عاجزة حتى اللحظة عن “إنتاج توافق سياسي ينجم عنه تحالف القوى الداعمة لتنفيذ القرار الأممي 2254 المراد له أن يفتح الباب لعملية انتقال سياسي تؤدي إلى الخلاص من نظام الاستبداد والفساد.”
الأستاذ صعب، وهو نائب منسق الهيئة السياسية في السويداء، يشير إلى أن بعض القوى السياسية “يرى أن القرار جاء أصلاً لإيجاد مخرج للنظام على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وإلا لما كانت روسيا والصين وافقتا عليه وهما تتمتعان بحق الفيتو”.
من جهته، عضو مجلس الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني عدنان أبو عاصي يجزم أن كل القوى السياسية “القديمة والحديثة” محلياً “تتحدث في أدبياتها وشعاراتها بأنها تتبنى القرار الأممي 2254 والانتقال السياسي”، ولكنه يميّز أن بعضها يعلم “أن الانتقال السياسي أمر وإسقاط النظام أمر آخر”، دون توضيح أي هذه القوى السياسية لا يرى الأمران سواء.
ولا بد من التوضيح هنا أن بعض المثقفين يقول إن هذا الشعار “شعبوي” إذ يدعو إلى إسقاط النظام والأكثر وجاهة هو “إسقاط الطغمة المتسلطة على النظام” أو تعبيرات مشابهة وأكثر تقعُّراً لجهة اللغة “الحصيفة” الواجب استخدامها، وإلا كان الأمر “تخريباً للنظام العام للدولة” بحسب هؤلاء.
وهنا لابد من تقريب المسألة إلى فهمنا جميعاً بكون القرار الأممي 2254 هو أشبه بمعادلة فيها أطراف منها النظام و”المعارضة”، وتتغير نتائج هذه المعادلة بتغيّر العناصر المنخرطة فيها، إذ أن القرار، ومع كونه يعني”توافق أطرافه” على الصيغة المنتظَرة “تفاوضياً”، يتيح للطرف المعارض التّمسّك علانيةً بمنع بشار الأسد والمُبتلّةِ أيديهم بدماء السّوريين من المشاركة في “جسم الحكم الانتقالي”.
ولدى سؤالنا بعض “سياسيّي موسكو” عن تصورهم لهذا الجسم قالوا إن الحَكم سيكون التفاوض “السوري – السوري” للاتفاق على صيغةٍ قد تكون حكومةً أو مجلساً رئاسياً تشاركياً أو أيّ شكلٍ آخر للحكم الانتقالي، وهنا نعلم، ونسبةً لا يستهان بها من المتابعين للقضية السورية، أن هذا قد يعني تمرير بقاء رموز الولاء لدور روسيا الإجرامي في سوريا.
وتعلم عزيزي القارئ أن الأسد لا يزال حتى اللحظة الأداة الأكثر إقناعاً لتلبية المصالح الروسية ومثلها الإيرانية في البلاد.
وعليه فإن شعار تنفيذ 2254 مقترناً بإسقاط النظام أو أي تعبير أكاديمي سياسي حصيف يفيد المعنى هو ضرورة لمناداة باقي ملايين السوريين إلى تجديد الثورة على النظام سلمياً كما انطلقت في 2011، وليكون هذا النداء وازناً لا مفر من صدوره عن كتلة جامعة لحراك السويداء تمثل القوى السياسية والمستقلين وتجمعهم في تشارك تحمل مسؤولية المضي حتى النهاية في مشروعهم.
بدوره يجيب نائب منسق الهيئة السياسية على سؤالنا بشأن ضرورة تشكيل جسم سياسي في السويداء، بالتأكيد على أن هذه الضرورة باتت “تمليها الظروف الموضوعية”، ويعدّ الحاجة إلى جسم سياسي اكتمالاً لـ “أضلاع مثلث” بحسب تعبيره، ضلعه الأول الانتفاضة الشعبية القائمة على “حامل اجتماعي متنوع”، والثاني هو “وجود قامة وطنية كبيرة يجسدها سماحة الرئيس الروحي حكمت الهجري الذي تبنى الانتفاضة الشعبية وأصبح صمام أمانها وشريانها المعنوي”. كما يضيف صعب أهمية “وجود ناطق سياسي” باسم الانتفاضة، هذا بالإضافة إلى قوله “إن المتغيرات التي تلوح بالأفق دولياً وإقليمياً تنبئ بعملية سياسية قادمة”، على حد تعبيره.
ومن جهته يرى عضو مجلس الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني أن “الجسم السياسي الموحد للخطاب السياسي والمعبر عن أهداف الحراك والانتفاضة هو ضرورة لتجميع الجهود وتوحيد الكلمة لإيصال رسالة للجميع في الداخل السوري والخارج لاقناعهم بوحدة الهدف والمصير”، على حد قوله.
ويبقى لنا في الختام بيان أن التوافق السياسي مسؤولية السياسيين المحليين في السويداء إن أرادوا أن تستجيب أمٌ سورية للنداء وتدفع من تبقّى إلى التضحية والمخاطرة حيث يواجَهون بالرصاص الحي على أقل تقدير، ولا يبدو أن تعقيدات الظرف الإقليمي ستمنع النظام حين يواجه السوريين فُرادى، والمخاطرة في التحرك لتجديد الثورة تنطبق على القاطنين في منازلهم بدير الزور تحت سلطة قوى الأمر الواقع تتواصل مع دمشق ومثلها قوى أخرى في الشمال والشمال الشرقي.
أمّنا السّورية، نعلم أنّك لن تنتظري حتى يناديك أحد على شاشات التلفاز، نعلم كيف تكفيك رؤية نداء موحّد جاد للثورة من جديد على النظام الذي خطف الأغلى من أبنائك للإقدام على الفداء من جديد كرمى عيون الكرامة والحرية.
المصدر: الراصد