أجرى موقع “غلوبال جستس سيريا نيوز” حواراً مع وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة الدكتور عبد الحكيم المصري، تم خلاله مناقشة الواقع الاقتصادي في سوريا، والانهيار الأخير لليرة السورية وتداعياته على نظام الأسد.
وتم خلال الحوار الحديث بشكل مطول عن أسباب انهيار الليرة السورية، وتداعياتها على النظام، والمستقبل المحتمل للعملة السورية في ظل الظروف الحالية.
كما تم التطرق إلى إلى الأوضاع في شمال غربي سوريا، والتحديات التي تواجه المنطقة، وتأثير انخفاض الليرة التركية على الواقع المعيشي والاقتصادي، وخطط الحكومة المؤقتة لمواجهة ذلك.
انهيار الليرة السورية
قال المصري إن الانهيار السريع لليرة السورية أمر طبيعي ومتوقع، سببه عدم وجود ناتج محلي لدى النظام السوري ولا صادرات، إضافة إلى تراكم ديون كبيرة عليه نتيجة الحرب التي يشنها ضد السوريين منذ أكثر من 13 عاماً والتي أدت إلى دمار البنية التحتية وغيرت الكثير من وجه الاقتصاد، حيث كان النظام يصدر النفط وبات الآن مستورداً له، وكذلك الحال بالنسبة للقمح حيث أن المناطق المنتجة خارج سيطرته، كما أن قطاع السياحة الذي كان يساهم بنحو 15% من الناتج المحلي تأثر بشكل كبير وبات خارج الحسابات.
يضاف إلى ذلك العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على النظام السوري بسبب انتهاكاته، وتمديدها جراء تعنته ورفضه الانخراط في حل سياسي.
وعن سبب استمرار الأزمة الاقتصادية رغم تطبيع الدول العربية وخاصة الخليجية مع النظام السوري، قال المصري إن المبادرة العربية فشلت بسبب رفض النظام وضع حد لتهريب المخدرات وعدم تقديمه أي خطوات على طريق الحل كما أنه لم يفك ارتباطه بإيران أو يخرج ميليشياتها من سوريا.
وأيضاً من تلك الأسباب العقوبات المفروضة على البنوك العراقية وإفلاس لبنان الذي كان متنفساً للنظام السوري، وسوء الأوضاع في إيران وانشغال روسيا في أوكرانيا، وبالتالي تراجع الدعم المقدم للنظام وتسارع انهيار الليرة السورية.
مستقبل الليرة السورية في ظل الانهيارات المتتالية
يقول المصري إن النظام يتجه لطباعة أوراق مالية كبيرة، والاستغناء عن الأوراق الصغيرة من فئة 100 و200 كون كلفة الواحدة منها 15 سنتاً (نحو 2000 ليرة)، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الأوراق النقدية ما يعني مزيد من انهيار الليرة وزيادة التضخم والعجز في الموازنة.
وعادة عندما يكون هناك عجز في الموازنة يلجأ النظام إلى تمويلها بأذونات الخزينة أو الودائع قصيرة الأجل، لكن في 2023 أصدر النظام سندات خزينة طويلة الأجل وأعطى جدولة لسداد السندات مدتها 10 سنوات إضافية، ما يعني تحميل الأجيال القادمة عبء عجز الموازنة الآن ما يعني أن أطفال اليوم سيدفعون عندما يصبحون شباناً ثمناً لتواجد هذا النظام وعنجهيته.
هل يؤثر انهيار الليرة السورية على نظام الأسد؟
أكد المصري أن نظام الأسد غير مهتم كثيراً بانهيار العملة السورية كونه يعكس كل شيء على مشاكل أخرى ينفي أن يكون هو سببها، ويدل على ذلك توريط بشار الأسد لنفسه حين قال لقناة سكاي نيوز إن نظامه استطاع أن يتجاوز تبعات قانون قيصر الأمريكي، حيث كان في السابق يلقي اللوم على العقوبات في تدهور الاقتصاد.
لكن انهيار الليرة سيؤدي إلى حدوث ترهل في المؤسسات الحكومية وستصبح عاجزة عن تقديم الخدمات، ومن الممكن أن تؤدي إلى حدوث فوضى تصل إلى عصيان مدني، إلا أنه يبقى السبب الرئيسي لذلك وجود النظام ورموزه.
الواقع الاقتصادي في الشمال السوري
رغم صعوبة الأوضاع في شمال غربي سوريا، إلا أن الواقع الاقتصادي يختلف عن نظيره في مناطق سيطرة النظام، حيث أن متوسط الدخل في إدلب وحلب أفضل من باقي المناطق، حيث يبلغ المتوسط نحو 2000 ليرة تركية أي مليون ليرة سورية، لكن مع ذلك يعتبر هذا الدخل منخفضاً وغير كافي مقارنة بالأسعار.
كما أن وجود 5 ملايين شخص في منطقة محصورة وغير مستقرة والاستثمارات فيها محدودة ولا تحتوي ثروات باطنية، ينعكس بشكل سلبي على السكان بما في ذلك 1.2 مليون نسمة يقيمون في مخيمات النزوح.
وبخصوص ارتفاع الأسعار في مناطق الشمال السوري، قال المصري إن وزارة الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة تصدر بشكل دوري مؤشر للتضخم في مناطق الشمال الغربي، وتشير هذه التقارير إلى أنه لا يوجد تضخم بالدولار وفي حال وجد فإن نسبته لا تتجاوز 1%، بينما وصل بالليرة التركية إلى 15% خلال شهر واحد، ويعود ذلك إلى انخفاض سعر صرف الليرة التركية.
وحول إمكانية اللجوء إلى الدولار في المعاملات المالية بدلاً من الليرة التركية قال المصري إن التداول بالدولار يجري بشكل فعلي في المنطقة، موضحاً أن غالبية التجار تسعر موادها بالدولار وعند عملية البيع يتم حسبان المبلغ على الليرة التركية وفقاً لسعر الصرف، فيتم الدفع بالدولار أو بالليرة في حال كان المبلغ صغيراً، أما بالنسبة لبيع العقارات والسيارات وغيرها تتم بالدولار فقط.
الحكومة المؤقتة واقتصاد الشمال السوري
طرح موقعنا على المصري تساؤلاً حول دور الحكومة السورية المؤقتة في مواجهة انخفاض الليرة التركية، حيث أجاب بأن الحكومة تقوم بدعم بعض المواد الأساسية وبشكل خاص الخبز، وكذلك تقدم الدعم للمزارعين في بعض الأحيان، كما أنها تقدم دعماً غير مباشراً للمواطن من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على بعض المواد.
ويؤكد المصري أن الحلول الدائمة لذلك تكمن في توسيع الاستثمارات والتشجيع على الاستثمار في المناطق الصناعية التي تحتوي بنية تحتية جيدة من كهرباء ومياه وموارد الطاقة، وكذلك التسهيلات المقدمة للمستثمرين على المعابر الحدودية وفي مسألة استيراد المواد الأولية.
وأشار المصري إلى أن بعض المناطق الصناعية في ريف حلب باتت تحتوي معامل إسمنت وحليب أطفال وألبسة وأحذية ومواد غذائية، موضحاً أن بعض الإنتاج يتم طرحه في السوق المحلية، بينما يتم تصدير القسم الآخر عبر تركيا.
كما أكد المصري أن وزارة الاقتصاد في الحكومة المؤقتة تعمل بشكل حثيث على تشجيع المستمثرين وتقديم التسهيلات لهم وتعمل على تخفيف التحديات التي تواجههم، كونها تؤمن أن الاستثمار شرط أساسي للتنمية ومواجهة تردي الوضع الاقتصادي.