السياق الطبيعي الذي يقود الى الدولة الحيادية , بوصفها دولة الكل الإجتماعي . هي الديمقراطية وتعزيز ثقافة المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان .
التي تجعل من الدولة مساحة توافقية حاضنة لكل أبنائها جميعاً . بغض النظر عن التنوع الطائفي , أو الديني , او الأثني , او السياسي , أو أي شيئ أخر . والمطرح السيادي الذي يحقق الإجماع العام لكل المواطنين .
أما السلطة هي شكل من أشكال النظام السياسي لإدارة البلد والمجتمع . تمارس سلطتها بأسم الدولة وفي إطار الدستور القائم , ومقتضيات العقد الإجتماعي .
السلطات متبدّلة , والدولة ثابتة .
إذ تتنافس القوى السياسية والأحزاب في بلد ما عبر صناديق الإقتراع للفوز بالسلطة . من خلال برامجها السياسية والإنتخابية التي تتقدم بها لإدارة الدولة والمجتمع .
وبهذا المعنى هي سلطة الدولة المكلفة بإدارة مؤسساتها , والحفاظ على سيادتها . وتحقيق العدالة فيها . وحفظ حقوق وحريات المواطنين , وتلبيةاحتياجاتهم, وتحقيق التنمية .
مما يكون والحال ما ذكر بأن السلطة مخوّلة بالصلاحيات التنفيذية الكاملة في الحدود التي تمكنّها من أداء مهامها.
وتخضع للمسائلة ومراقبة أعمالها وتصرفاتها , وكل سلوكياتها في سياق قيامها بوظيفتها.
وحين فشلها وتقصيرها أو تغولها على حقوق الأفراد وتجاوز صلاحياتها ؟
تتعرض للمسائلة والمحاسبة والعزل وسحب الثقة منها .
وبكون السلطة هي المطرح السياسي . وبما أن حقل السياسة هو حقل الاختلاف والائتلاف . وواحة للتنافس والصراع السلمي والإشتباك بين مختلف الرؤى والأفكار, والبرامج والتصورات , والمصالح , والميول . التي تجري وفق قواعد وآليات الديمقراطية , وميدانه المجتمع , لإنتاج التوافقات المعبّرة عن مصالح وقناعات الغالبية العُظمى من أفراده وشرائحه المختلفة .
فلا قدسية في السياسة
أما الدولة هي المطرح السيادي الذي يحقق الإجماع العام . فلا خلاف أو إختلاف على السيادة.
ومكمن الخطر يكون في ابتلاع السلطة للدولة , ولبس عبائتها ؟ لتضع السلطة نفسها بموضع السيادة والقداسة؟ وتفرض على أفراد المجتمع إجماعاً صورياً غير حقيقي بقوة القمع والمنع والإكراه .
وبذلك ينعدم الحقل السياسي الذي هو الحقل المفتوح للإختلاف وصراع المصالح والأفكار والرؤى والقناعات . وتنعدم قدرة الأفراد على الممارسة السياسية , وتقويم السلطة فيما إذا تجاوزت وظيفتها وعسفت بحقوق الناس ؟.
فمنذ اغتصاب حافظ الأسد للسلطة والإستحواذ عليها بمنطق الغزوة والغنيمة .
أسس حكمه وأشاده على مجموعة حلقات وعصبويات مترابطة ومتداخلة ببعضها البعض . والحلقة الأساس فيها, ونواتها الصلبة هي العصبوية العائيلة .
(لأن حافظ الأسد جاء الى السلطة غاصباً بحلم راوده ؟ وهو تحويل سورية من الدولة الى المزرعة .؟ ليؤسس فيها حكماً عائلياً ممتداً لبضع مئات من السنين له ولأولاده من بعده ).
وهذا غير ممكن وصعب المنال دون تطويع المجتمع , وتهديم عمارته وتفكيكه , وإلغاء طاقته ؟
إذ انتهجت هذه الطغمة المجرمة المركزية الشديدة , والسلطة المطلقة في إدارة الحكم .
وضبطت المجتمع بالقمع والمنع والسجنون والمعتقلات . وغيبت العدالة وحكم القانون , وعسفت بالحقوق , وعممت الفقر والقهر والفساد في كل مطارحه.
وغيّبت كل الضمانات الدستورية الضامنة لاحترام حقوق وكرامات الأفراد .
مما قاد ذلك:
لافتقاد المجتمع وأفراده أية مرجعية صالحة للتذكير وتقبّل الشكوى ؟ فيما إذا جرى التغول على حقوق الناس .
واحتكرت لنفسها كل مفردات القوة في الدولة والمجتمع (السلطة , والثروة , والإعلام , والحقيقة ).
وعملت على دمج السياسة بالسيادة عبر ابتلاع السلطة للدولة . والإستثمار بالسيادة لصالح السياسة ؟ لتٌضفي هذه الطُغمته الحاكمة على سياساتها وتجاوزاتها طابع القداسة ؟
وليصبح كل من ينتقد سياساتها وزلاتها وتجاوزاتها وفسادها ؟ أو كل من يعبّر عن أفكاره وقناعاته التي لاتتوافق مع قناعات ومصالح وسياسات السلطة التي تقمصت الدولة ؟ . وكأنه اختلف مع الدولة نفسها ؟.
وتُكال له التهم الجاهزة مثل النيل من هيبة الدولة . وإضعاف الشعور الوطني . ونشر أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة , وإثارة النعرات الطائفية ؟
( عجباً وهذا النظام المافيوي بكل ممارساته وسلوكياته ومنذ اغتصابه للسلطة يعمل على تحريض البعد الطائفي وتأجيجه بين المكونات الدينية والطائفية والأثنية بهدف تعميق حالة الانقسام والتشظّي في المجتمع لتعزيز وتكريس ضعفه
وهشاشته )؟
وما إلى ذلك من ترهات وتهم ؟ .
وهذه هي الكليشة الثابتة التي يوجهها القضاء السوري المرتهن أمنياً لنظام طغمة الأسد. لجميع معتقلي الرأي والضمير والأحرار السوريين منذ أكثر ستين عاماً وإلى يومنا هذا .
فأي مواطن يطالب بأبسط حقوقه الإنسانية , لابد وأن يخضع لامتحان في الوطنية ؟
كون هذا النظام وفي مصادرته للدولة صادر أيضاً الوطن والوطنية بوكالة حصرية له ؟ يتصرّف بهما كما يتصرف المالك بمُلكه . ؟
وبذلك قسّم السوريين , أو نظر إليهم من منظارين لاثالث لهما :
إما عبيد أذلّاء طائعون وهم من والاه من اللذين يتغنون بحكمته وفضله ونعمته ؟
وهم الصالحون ؟
ومَن يختلفون معه وينتقدون سياساته وممارساته ؟ فهؤلاء بشرعه يختلفون مع الوطن ؟
وهم المندسّون والمدنّسون ؟
وما على الأفراد للفوز بصكوك الغفران والوطنية, إلّا التسابق لمدحه وتمجيده , والولاء التام والأعمى له . لإثبات وطنيتهم وصلاحهم ؟
وإثبات الوطنية واكتسابها بعرف هذه الطُغمة اللاوطنية , لاتقاس على القاعدة القانونية العامة والشهيرة التي تقول .
( الكل بريئ حتى تثبت إدانته )؟ لأن الأصل هو البراءة .
ولا على القاعدة السائدة في الأنظمة الإستبدادية والشمولية والتي تقول .
( الكل متهم حتى يثبت براءته ) .
بل تتفرّد طغمة الأسد الباغية والمجرمة بوحدة قياس خاصة بها وهي ماركة مسجّلة لها .
( الكل متهم حتى يثبت ولاءه , ويمارس طقوس عبوديته لهذه الطغمة ورأسها )؟
ليوزّع نظام الأسد من خلال وحدة القياس هذه على السوريين صكوك الوطنية والبراءة والغفران , أو صكوك الإدانة والخيانة والإتهام ؟
وفي سياق هذه المعادلة يفقد أفراد المجتمع , وقواه الوطنية بمختلف تكويناتها . كل الضمانات التي تكفل لهم استخدام حقهم المشروع بالممارسة السياسية والنشاط الحر في الشأن العام داخل المجتمع والنابع من إرادتهم الحرة , وتدخل في دائرة الممنوع.؟
لا حراك إلّا بإرادة هذه الطغمة لتمجيدها والتغني بفضائلها والتسبيح بحمدها ؟
مما يقود هذا لتعميم القهر والعنف والظلم والفساد وضياع الحقوق في المجتمع .
وتتحول هذه السلطة عن وظيفتها كأدة بيد الدولة وأحد مكوناتها الثلاث , والتي تعمل على تسيّر أمور المجتمع , وتلبية إحتياجاته, وتعزيز سلطة القانون وحفظ الحقوق فيه .
الى سلطة مستبدة فاسدة متسلطة تبتلع الدولة وتتحلل فيها , لتضع نفسها بمكانها ؟ تحتكر القوة لتعبث بالقانون بدل تعزيزه.؟ وتتنكر لحقوق المجتمع وأفراده بدل حفظها .؟
لكل دولة سلطتها . ولكن الخطر ؟ ليس من سلطة الدولة ؟ وإنما من دولة السلطة حينما تقيم السلطة دولتها وتفصّلها على مقاسها.
وهذا يقود لتغيير العلاقة بين الأفراد والسلطة في سياق هذه المعادلة ؟.
فتنظر لهم بكونهم رعايا لا كمواطنين ؟
وتتعامل معهم من زاوية إعتراضهم عليها , أوالولاء التام لها, وقبولهم الظلم والعبودية والرضوخ ؟.
ولاتنظر لهم بوصفهم مواطنين كرماء , وكيانات حرة وأصيلة وسيدة ؟ .
لها الحق في الإعتقاد , والإنتقاد , والإعتراض , والدفاع عن حقوقها ومصالحها فيما إذا جرى العسف بها أو عليها .
وبمعنى آخر تكون السلطة قد وضعت نفسها بموضع الدولة وتقمّصت مهامها ووظيفتها ؟ .
فبدل أن تكون السلطة هي سلطة الدولة وذراعها التنفيذي الذي يقود مؤسساتها لتلبية احتياجات المجتمع ومتطلباته . وفرض سلطة القانون وحماية الحقوق . تصبح دولة السلطة المتسلطة . بدلاً من سلطة الدولة المحكومة بسقف وسلطة القانون وحماية حقوق ومصالح أفراد المجتمع وتحقيق العدالة ؟.
طغمة الأسد ابتلعت الدولة . ومن ثم تقيأتها مؤسسات ديكورية ميتة وهياكل كرتونية وأحجار شطرنج لاتملك قرارها .
محكومة ومضبوطة أمنياً من نائب رئيس الجمهورية نزولاً إلى آذن لمدرسة نائية في أقصى البلاد ؟ ومروراً بكل المؤسسات السيادية والحزبية , والإتحادات المهنية , والنقابات والمؤسسات التمثيلية بمختلف أنواعها وأشكالها ومستوياتها .
كمجلس النعيق والتصفيق المُسمى بمجلس الشعب مجازاً؟
جميعهم موظفون وعبيد بنظر هذه الطُغمة . وأجراء لاوزن لهم ولا قوة ! .تم تركيبهم ليكونوا أدوات طيّعة وذليلة ؟ تحركها هذه الطغمة كيفما تشاء؟ وتعيد ترتيبها وتوظيفها بالوقت والظرف التي تريد . كأذرع وسخة وسامة تغرسها في جسد المجتمع . وبكل تفاصيله حتى المجهرية منها ؟
لإضعافه وتدميره والتضييق على أفراده لخدمة مصالحها
واستمرار بقائها على رأس السلطة. لاستدامة نهبها وسرقتها لخيرات وموارد البلد .
نظام طغمة الأسد هو الطاعون , هو الإبتلاء العظيم الذي أصاب سورية والسوريين . لاشفاء منه إلّا ببتره وتعقيم سورية من شروره وأوساخه .
بسام العيسمي.