في سياق مسار حركة الأحداث الدراماتيكية الكبرى التي يتعرض لها أهل غزة والشعب الفلسطيني، وضمن وفي أتون نظرة فاحصة وموضوعية لمايجري في غزة، من عنف وقهر وقتل ودمار، بالمقارنة مع ماجرى ويجري للشعب السوري، على أيدي نظام (الممانعة) والعسف والقتل الأسدي، الذي أنتج ومازال ينتج واقعًا سوريًا دمويًا، لا أعتقد أن الدولة السورية ومنذ تأسيسها قد مرت بمثل ما حدث لها مع هيمنة وتسلط عصابة القهر والإجرام الأسدي فيها.
فما حدث في الجغرافيا السورية على مدى أكثر من ١٢ عامًا من مقتلة أسدية فاقت كل التوقعات، وأدت إلى دمار هائل في البنية التحتية السورية لأكثر من ٦٥ بالمئة من هذه البنية، ثم قام بقتل ماينوف عن مليون إنسان سوري، وتهجير وتشريد أزيد من ١٤ مليون مواطن سوري بين نازح إلى الشمال السوري، خارج سيطرة النظام السوري، أو مهجَّر قسري إلى ديار الله الواسعة كلاجيء ومهجَّر، أو تحت يافطة قوانين أخرى من الحماية المؤقتة وسواها، وكذلك هذا الدمار الكبير وغير المسبوق في الواقع الاقتصادي السوري الحكومي والشعبي، والوصول على يد نظام الأسد التشبيحي ، إلى حالة (الدولة الفاشلة) التي لم يعد في مقدورها تأمين حتى قوت الناس اليومي، وتلك البطالة ومستوياتها التي جاوزت كل حد في المنطقة، أو في العالم، علاوة على انقلاب قاعدة الهرم السكاني في سورية، بعد أن تم تهجير النسبة الكبرى من فئة الشباب إلى الخارج، ليصبح هذا الهرم السكاني هرمًا وشائخًا، بعد أن كان شابًا وفتيًا في الجغرافيا السورية، كما خلفت حرب بشار الأسد عل شعبه نسبة كبيرة جدًا من الإعاقات، لتتجاوز نسبة المعوقين في سورية نتيجة الحرب ٣٥ بالمئة في أقل تقدير، حسب دراسات أممية.
كما استخدم النظام السوري كل الأسلحة المحرمة دوليًا، مثل سلاح الكيماوي وأيضًا غاز السارين/ والفوسفور والنابالم، والصواريخ البالستية، ضد الشعب السوري الأعزل، ثم اخترع سلاح البىراميل الغبية، التي كان قد أوقعها فوق رؤوس البلاد والعباد، كما فتت البنية المجتمعية السورية وساهم في بث الفرقة والبعد بين ظهراني الشعب السوري، عبر ادعاءاته الطائفية وإشاعة روح الانتماءات الفرعية ماقبل الوطنية، من عشائرية وطائفية وأثنية، ليساهم في تمزيق المجتمع السوري، حيث يؤدي ذلك إلى حالة وطنية سورية مفككة ومتشظية متذررة، من الصعب جدًا إعادة ترميمها، وبناء لحمتها المجتمعية، أو الاشتغال على إعادة بناءاتها المتماسكة، وأنساقها المجتمعية المتساوقة. هذا النظام الذي لم يألُ جهدًا في زج كل من يعارضه، أو يشارك في مظاهرة سلمية ضده، أو يتفوه بكلمة لا تلقى رضاه، في أقبية الظلام والاعتقال التعسفي حتى بات عديد المعتقلين السوريين الذين أُدخلوا إلى السجون، منذ بداية ثورة الحرية والكرامة، أواسط شهر آذار/ مارس ٢٠١١ وحتى الآن أكثر من ٩٠٠ ألف معتقل، معظمهم مازالوا مغيبين ومخفيين، ولايعرف أحد مصائرهم ، ناهيك عن عشرات الآلاف من الذين وثقهم (قيصر) وممن تمت تصفيتهم في المعتقلات والمسالخ البشرية الأسدية.
ناهيك عن استهداف نظام بشار الأسد وآلته الحربية، المراكز الصحية والمستشفيات العادية والميدانية، في معظم الأماكن التي ثارت على نظامه، أو أنها كانت من الحاضنة الشعبية للثورة السورية، وكذلك تدمير المداررس والجامعات، ودور العبادة من مساجد وكنائس، حتى طالت عمليات قصفه وتدميره الأماكن الأثرية التاريخية السورية، التي بقيت صامدة رغم كل حالات وظروف الاستعمار والغزو بكل أشكاله وأنواعه الذي مر على سورية عبر الأحقاب الزمنية التي مرت على الأرض السورية وحضاراتها، عبر عشرات بل مئات السنين.
كل ذلك ومايشبهه نجده اليوم على قارعة الطريق، يمارس ضد شعب غزة المكلوم،والمعذب، ولو وقفنا عند يوميات مايجري في غزة لوجدنا ذلك الشبه الكبير، والحالة المتماثلة، التي تكاد تتطابق في مظاهرها وكنهها، ومنها الإجرام الموازي والمتشابه، فمن دمار البنية التحتية للمساكن في غزة التي فاقت كل حد، واستخدام الأسلحة الفوسفورية والنابالم المحرمة دوليًا، وقصف المشافي والمراكز الصحية، وأيضًا مدارس الأونوروة الأممية، ثم التهجير القسري للفلسطينيين إلى جنوب غزة، والمحاولة الجادة والمستميتة لتهجيرهم خارج قطاع غزة، إلى سيناء أو غيرها، حسب ماتود وتريد إسرائيل، وقطع الماء والكهرباء والنت والغذاء والدواء، وقصف الأفران ومستودعات الحبوب، كل ذلك كان قد عاشه السوريون يوميًا في سورية، بل مازالوا يعيشونه يما إثر يوم، على يد أدوات الإحرام الأسدي بمساعدة معلنة وواضحة من الروس والإيرانيين اللذان يحتلان سورية. وبالمثل والشبه تمامًا كما وقف ويقف الأميركان والغرب معهم اليوم إلى جانب المحتل الإسرائيلي،وآلة حربه وعدوانه، ثم دعمه وتزويده ومده بكل أنواع وأدوات العون الممكنة وغير الممكنة، لقتل الإنسان الغزاوي، والوصول معه إلى نكبة جديدة، يريدها الغرب كمايبدو، ويشتغلون عليها.
ولعل هذه المقاربة الآنية تبين بوضوح مدى التشابه والانسجام في القتل والتدمير والتهجير، وكل آليات وأدوات الإجرام، بين المستبد والمجرم الأسدي وكذلك مثيله ذاك المجرم الإسرائيلي ومن يدعمه، وهذا المشهد البائن يؤشر إلى مستوى التوحد والتطابق بالإجرام، وأيضًا محددات وتجليات الشبه المثلي، إن صح التعبير، من حيث أن الإجرام الفاشيستي الأسدي، يشبه تمامًا إلى حد التطابق حالات القتل والنازية الصهيونية الممارسة ضد أهل غزة، عبر جريمة الإبادة الجماعية الواقعة على أهل غزة، والتي تتشابه تمامًا مع كل ماجرى ويجري للسوريين على أيدي النظام السوري، ومن معه مثل إيران والمليشيات الطائفية التي استقدمتها من كل دول العالم وأيضًا دولة إيران/ الملالي وحرسها الثوري، والاتحاد الروسي الذي جاء إلى سورية منذ شهر أيلول/ سبتمبر عام ٢٠١٥ ليحقق مصالحه، وليقوم بتجريب أسلحته الحديثة التي لم يكن قد جربها بعد، على الشعب السوري وأجساده العارية، وسط فرجة عالمية فاقعة ومريبة، كما هي الفرجة القائمة اليوم على مقتلة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المراق دمه الطاهر على أرض فلسطين.
الكاتب: أحمد مظهر سعدو – المصدر: موقع المجلس العسكري