بعد الاستماع للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد مع قناة “سكاي نيوز”، يمكن القول ما يلي:
– قول الصحفي في بداية الحوار إنّ اللّقاء هو الأوّل منذ بداية الأحداث مع قناةٍ عربيّة، إنّما يُعتبرُ سُبَّةً لا مديحاً ولا حمداً لرئيسٍ دميةٍ فقدَ مقوّماتِ الحُكمِ من أرضٍ وشعب، وباع أو رهن ما بقيَ لمن سّماهم (حلفاء) مشدداً على صوابيَّةِ تحالفه معهم، بينما خَسر ومازال عُمقهُ الإقليميّ وخاصّةً العربيّ.
– تعمَّد الصحفيُّ ذكر سنة 2012 كبداية للأحداث، وليس 2011! وفي ذلك دلالةٌ لا يجب التّغاضي عنها، كون سنة 2011 شهِدَت الحِراك السّوري الشّعبي والسّلمي، والذي جوبِهَ من طرف النّظام بشكلٍ أمنيٍّ قمعيٍّ وأفضى لأخذ الثورةِ باتّجاه مساراتٍ أُخَر.
– أكّد بشار الأسد أنّه لم يكن مستهدفاً بشخصهِ بل الوطنَ ككل، وفي ذلكَ إشارةٌ واضحةٌ أنّه يرى نفسهُ – كما كلُّ ديكتاتوريّي العالم – إنّما هو الوطن، وأنّ أيَّ مطالبةٍ لرحيلهِ عن السّلطةِ مؤدّاه: “الأسد أو نحرقُ البلد”! ولعلّ لدى علماءِ النّفسِ والسيكولوجيا إسقاطاتٍ ورُؤى يمكن أن تؤخذَ بعين الاعتبار هنا.
– لم يُقلّل بشار الأسد من أعداد المُتظاهرين فحسب – والذين كانوا بالملايين – فجعلهم مئة ألفٍ أو يزيدون! وكأنّ المسألةَ تخضعُ للعددِ والمجموع وليس للمطالبِ المُحقّة التي نادَوا بها كسوريينَ أبناء الوطن، وما يزالون! مُزوِّراً بذلك الوقائعَ كلّها، ومتغافلاً عمّا بثّته وسائل الإعلام الدوليّة آنذاك ورصدتهُ عدساتُهم ومراسلوهم –وبعضهم يرزحُ في سجون الأسد حتّى يومنا- ناهيكم عّما كتبته كبرياتُ الصُّحفِ العالميّة، والمقالاتِ ذاتِ الصّلة، ممّا باتَ يُعدُّ بمثابةِ أرشيفٍ لا يُستهانُ به.
– أعادَ من جديد تمسّكهُ بنظريّة المؤامرة الخارجيّة والتي سمعها الشعب منه في خطابه ٢٠/٠٦/٢٠١١، وكانت سبباً إضافياً لمضيّهِ في ثورتهِ بعد أن أيقنَ أنّ رئيس بلادهِ منفصمٌ من الواقعِ أو معزولٌ عن مطالب الشّعبِ – في إطارها العريض – والتي لو تمّت تلبيتها لما حدثَ كلُّ ذلك من عين أصله.
– كرّرَ بشار الأسد صوابيّةَ الأسلوبِ الأمنيّ القمعيّ الدّمويّ والذي جعل من الجيش (أبناء الوطن) يواجهُ الشّعب والمتظاهرين (أبناء الوطن)، وأكّد أنّه لو عادَ به الزّمن للوراء لاختارَ نفس المنهج والسلوك! وهذا بالمقابل يجعلنا نؤمنُ (كمعارضة) و (تيار المستقبل السوري) بصوابيّةِ موقفنا الرافضِ دعمَ نظام الأسد ومساندته، وانحيازنا للشّعبِ في ثورتهِ ومطالبهِ المُحقّة منذ البداية وحتى تحقيقها.
– يرى بشار الأسد عدم تحمُّلهِ أيَّ مسؤوليةٍ بقتل أو اعتقال أو نزوح المدنييّن، محمّلاً كلَّ ذلك للدّول الخارجيّة والإرهاب، وهو دليلُ آخرُ عن انفصامٍ في شخصيّته وغيابهِ عن الواقع، بما فيه صور قيصر، ومئات الوثائق التي تتحدّثُ عن تجارب السوريّين أنفسهم مع أجهزةِ الأمن و أقبية المخابرات، وغرقهم في المياه الإقليميّةِ هرباً بأبنائهم ونسائهم من بطشهِ وتنكيله.
– يُقلّلُ الأسدُ من جديد مِن دور جامعة الدّول العربيّة، في دلالةٍ واضحةٍ على أنّه باتَ يعتبرُ عودتهُ لمقاعدها فخّاً نُصبَ له بامتياز، بل وتمّ استدراجهُ نحوه! وهو اليومَ يُديرُ ظهرهُ لهم قبل انعقاد اللجنة الرباعية الوزارية.
– في تصنيفٍ ليسَ بغريبٍ عنه، يصفُ بشار الأسد المعارضةَ السوريّة بأنّها مُعارَضَات! – رغمَ اجتماعها بهيئةِ التَّفاوض مثلاً -!! ويُفرِّقُ بين المعارضةِ المُصَنَّعةِ داخلياً والمعارضةِ الخارجيَّة، في استمرارٍ لسرديَّةٍ قديمةٍ مؤدّاها اتهامُ كلِّ معارضٍ على أنَّهُ عميل! فحتّى المعارضةُ المُصنَّعة داخلياً لم يَنفِ إمكانيّةَ عمالتها للخارجِ! وبذلكَ تكونُ ولدت ميّتةً قبل أن يُكتبَ لها الحياةُ أصلاً! كما أنّهُ أشارَ إلى إمكانيّة أنْ تكونَ بعضُ معارضةِ الخارجِ إنّما تعملُ للدّاخل (في إشارةٍ مبطَّنةٍ لعمالتها للنّظام السوريّ من جهةٍ (وهذا موجودٌ وممكن) ومحاولةً منه لفتحِنا (كمعارضة) بابَ التّشكيكِ بيننا بنزاهةِ هذا وعمالةِ ذاك من جهةٍ أخرى … إلخ).
– يذكر الأسدُ أنَّ قرابة نصف مليون سوريّ لاجئٍ عادوا إلى سوريّة، وأنَّ المانع الذي يحولُ دون عودةِ آخرينَ إنّما هو فقدانُ مقوّماتِ الحياةِ الرئيسيّة لدى عامّةِ الشّعب! وفي ذلكَ إقرارٌ كافٍ منهُ عن سوء تردّي أحوال النّاس في مناطقِ سلطتهِ، وأنّ أيّ مواطنٍ نزحَ عن وطنهِ وحالفهُ الحظُّ في العيش ببلدٍ آخرَ – يحترمُ الفردَ ويؤمّن أسباب الراحةِ له – لا يمكنهُ العودةُ ليعيشَ في بلده الأمّ سوريّة بسبب سياسةِ رئيسهِ ونظام الحُكم فيه، هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخرَ فإنّه يغطّي بذلك الكلام حقيقةَ سوأتهِ وعورَته، والتي تمكنُ في خوفِ الشّعب من قبضةِ أجهزته الأمنيّة وممارساتها القمعيّة، ومن صور الابتزازِ، وزجّ الناس بالسّجون، وخوفهم من التّجنيد الاجباريّ ليحملوا السّلاح ضدّ أبناء الشّعب أنفسهم (وربّما الأخ في وجهِ أخيه).
– أعاد الأسدُ تبرئة نفسه وعدم مسؤوليّته في قضية الكبتاغون، ضارباً بعرض الحائطِ كافّةَ ما صدرَ من تقارير أمنيّة ومعلوماتٍ دوليّةٍ استخباراتيّة (آخرها مئات المكالمات التي تم تسجيلها ورصدها في هذا الصّدد، وشراكتهُ مع حزب الله اللبناني)، وما تمخّضَ عن ذلك من قوانينَ تتّهم بشار الأسد شخصياً بالاستثمار والمتاجرة بالمخدرات بلغت حدّ تسميته بـِ (زعيم الكبتاغون).
ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ هذا التّصريح يمثّل استفزازاً واضحاً لجميع الدّول العربيّة التي أملت أن يكون من ثمار عودة سوريّة لمقاعدها، تبنّيها محاربة تجارة المخدّرات وتصديرها حتّى باتت تغزو بلادهم قادمةً من سورية أو من لبنان عبر سورية (وآخرها لقاءٌ رفيعٌ حضرهُ رئيس تيار المستقبل السوري في لندن منذ أسابيع، وكان عنوانه العريض: الأسد وتجارة الكبتاغون)
– جعل الأسد من نفسه سوبرمان -كما العادة- حيث أشار إلى أنّ السبب الرئيس لِما وصلت إليه البلاد والعباد إنّما يمكن في رفضه للاملاءات الغربيّة والتي كانت لتقوّض استقلاليّة القرار الوطني! ونحن نرى أنّ السبب الرئيس إنما هو عدم الانصات للمطالب الشعبيّة منذ البداية، وتغليب مصلحة أفراد أسرة الأسد – مخلوف على مصلحة الشعب برمّته.
علماً أننا كنّا ذلك الوقت في تيار المستقبل السوري مطّلعين على جُلِّ المطالب الغربيّة والتي كانت تصبُّ في إطار الدّعوةِ لإصلاحٍ سياسيٍّ شاملٍ، منها إطلاق الحريّات، وعدم مجابهة المتظاهرين بالعنف.
– يبرّئ الأسدُ إيرانَ من الضّربات الإسرائيلية, ويتحمّل عنها كلفة الردّ من رصيدهم لديه، والذي بات لا يحتملُ العدَّ والاحصاء، وفي ذلك خدمةٌ مجانيّةٍ لإيران تُعفيها من تبعات الردِّ على الضّربات الإسرائيليّة.
– يمكن القول أنّ العلاقات بين النّظام السوري وتركيا قد أُقفلت حالياً، وأنّ الجهود الروسيّة لايجاد تسويةٍ ما ذهبت أدراج الرّياح، وبذلكَ تعودُ المعارضةُ السوريّة (ورقةً ذاتَ شأنٍ) يمكن لأردوغان وحكومتهِ الاستفادة منها (وعلى المعارضة السورية أن تُعيد تقييم وزنها الحقيقي في الوضع الحالي وضمن المعطيات الجديدة).
– اتهام الأسد لتركيا بأنّها مُصنِّعةُ الارهاب وداعمةٌ له، وأنّها مُحتلَّةٌ لأرضٍ سوريّة، أمرٌ خطير وربما يقودنا للحديث عن مواجهاتٍ محتملة بين الطرفين في المستقبل (سواءٌ بشكلٍ مباشر أو عبر وسطاء)، في تغاضٍ كبيرٍ عن الواقع السوري المعقّد، والتّفاهمات الدوليّة الحاليّة.
– اتّهامه لحماس (صديقة إيران) أنّها ذاتُ موقفٍ غادرٍ (هو قولٌ يتشاركُ به – للأسف- مع رأي جزءٍ من قوى المعارضة السوريّة) يجعل حماس في موقفٍ مُحرجٍ، ويدعوها لإعادة دراسة خياراتها، وعمقها الاستراتيجيّ.
– في تصريحٍ غبي، يقول الأسد أنّ نظامه يتجاوز تداعيات قانون قيصر، مع أنه في ذات الوقت لايبرر سبب استمرار التدهور الاقتصادي المخيف في مناطقه, حيث ضرب الأسد كل التحليلات والخطابات لمسؤوليه عن أن سبب التدهور الاقتصادي هو قانون قيصر!.
– لا يمكن اعتبار تصريح الأسد أنه لا يتدخل في لبنان اليوم إلا على عكسه تماماً، فالأسد اليوم يتغلغلُ في لبنان من خلال جبهة الحلفاء وعلى رأسهم حزب الله وحركة أمل الشيعيتين، بالإضافة إلى حلفائه من المسيحيين والدروز وبعض القيادات السنيّة الاقتصاديّة والدينيّة منها! ولعلّ الاسم الوحيد الذي ذكره في لقاءه إنما هو “سليمان فرنجية” لغايةٍ في نفس النّظام السوريّ لا تخفى على أهل السّياسة والرّئاسة في لبنان.
– يكذبُ بشار الأسد في اللقاء حين يؤكّدُ للمتابعين أنّ “حافظ الأسد الأب” لم يكن لهُ يدٌ في وصوله للرّئاسة! بينما يعرفُ الكثير من المُقرّبين منه – قبل رئاسته وبعدها – ومنهم “رئيس تيار المستقبل السوري”، الآفاقَ والأبوابَ التي فتحها “حافظ الأسد” لولده “بشار” حتى يُصبحَ رئيساً، وحرصهُ على إعدادهِ بشكلٍ مستعجلٍ ليسدَّ الفراغَ بعد موته!
– يصرُّ الأسد على العزف على وتر وقوف الشعب السوري معه، والحقيقة أنّ الشّعب حين أدارَ ظهرهُ له، ودعا لإسقاط نظامه حتى هدَّدَ أمنهُ في قصر المهاجرين الذي يجلسُ فيه، لم يجد الأسدُ بداً من طلب العونِ من إيران وروسيا لتحميه وتسانده، ولولا ذلك لكان اليوم في خبر كان.
– يمكننا القول أنّ تشبيه علاقةِ “بشار الأسد” اليومَ بولدهِ، كعلاقته (أي بشار) بالأمس بوالدهِ “حافظ الأسد الأب” إنّما تقرعَ ناقوس الخطر عالياً أمام خطورة توريث السلطةِ لِـ “حافظ جونيور الأسد” وهذا محتَمَلٌ بعد أن حدّد الدستور السوريّ المُعدّل سِنّ الرئيس وعدد سنواتِ حكمه.
– يقول بشار الأسد أنّه لم يتخذ قرارته منذ البداية عن قناعه! ولكن ليُقنع معارضيه بصوابيّة رؤيته! ونتساءل نحنُ هل أرضى معارضيه في الداخل أو حتى أنصاره؟! هل أرضى حلفائه في الخارج أو حتى أعدائه؟! أم أرضى أباهُ في قبرهِ حينَ تنكّرَ له ولفضلهِ عليهِ (وهو الذي أجلسهُ على عرشٍ بُنِيَ على جماجم السورييّن وعظامِهم العزيزةِ الحُرّة)؟!
وبقراءةٍ سريعةٍ لكلِّ ما سبقَ وما جرى من نقاشٍ حولهُ في اللقاءِ يمكننا القول: إنّ رئيس النّظام السوري “بشار الأسد” يقولها للقاصي والدّاني لم ولن أتغيّر، وأنّ العالمَ كلّهُ متآمرٌ عليهِ بينما هو يدافعُ عن حمى البلاد وحقّ الشعب في العيش الكريم، وأنّ كلّ ما تسمعونه أو تقرأونه أو تشاهدوه إنّما هو نسجُ خيال وأضغاثُ أحلام!! بينما يعينهُ على ذلكَ كلّهِ
1- ضعُفنا كمعارضةٍ وتفكُّكنا، وعدم وجودِ رؤيةٍ مشتركةٍ تجمعنا.
2- خذلان العالَمِ لقضيّتنا المُحقّة وأوّلهم وليس آخرهم (دولٌ عربيّةٌ و جاراتٌ شقيقة).