بعيداً عن فكرة الأفضل والأجمل، يبقى لكل كتاب حياة سرية يتنقّل خلالها بين قارئ وآخر، ولأن الكُتّاب هم قرّاء أولاً، سألنا عدداً من المبدعين العرب عن أبرز حصادهم من القراءة مع نهاية 2023، والكتب التي تركت أثراً لديهم، والقوائم التي يرشّحونها للقرّاء.
يقول الروائي وحيد الطويلة صاحب “باب الليل”، “أفتش في رأسي في هذه اللحظة الموجعة بقوّة، لحظة إبادة غزة، عن كتب قرأتها، وربما لا أتذكر.. لكن لا بأس هناك كتب تشكّل الروح التي تصنع بذرة المقاومة.. فهناك الكتاب الفاتن لعزت القمحاوي “الطاهي يقتل والكاتب ينتحر”، الذي يرى فيه أن المهارة وحدها ليست كافية لكتابة رواية أو طهو طبق جيد، إنما يحتاج ذلك أولاً وأخيراً إلى النار ولو بلهب شمعة. الأمر الذي يستدعي الكثير من الصبر وتتبّع الحدس في اختيار المقادير وانتقاء البهارات”.
يضيف: “إذا كان هناك كتاب جدير أن يُقرأ مرّتين، فهو كتاب المغنية والباحثة فيروز كراوية “كل ده كان ليه”، كتاب بديع لفرط غِناه، ولو لم تكتب غيره لكفاها. فهي تقرأ مراحل تطوّر الأغنية في مصر، وارتباطها بالظرف السياسي والاجتماعي منذ سيد درويش وما قبله، وحتى اللحظة الحالية التي فتح فيها الإنترنت الباب كي يغني من يريد. سوف ترى هذا الصراع الذي لا ينتهي في عالمنا العربي ضد كل جديد، والهجوم عليه من دهاقنة المجتمع الذين يمسكون دائماً موازير الفضيلة والالتزام ضد خوارج الغناء في كل عصر.
بدورها تؤكد الروائية هالة البدري، الحائزة على جائزة الدولة التقديرية، أنها لا تلتزم بقراءة الكتب الجديدة فقط، “برنامجي يمشي بالتوازي بين المراجع التي تخصّ روايتي الجديدة، والكتب الحديثة، والكتب التي يهمني متابعتها ومراجعة بعض الأعمال التي قرأتها من قبل، وخصوصاً أن صالوني يناقش كتاباً شهرياً، إضافة إلى ندوة حوارية أقدّمها في المجلس الأعلى للثقافة، وتضمّ كاتبين أحدهما شاباً، والآخر مخضرم”.
من أهم الكتب الفكرية التي قرأتها البدري، “عشر خرافات عن إسرائيل” بالإنجليزية لآلان بابيه، “الحرب التي يمكن تجنبها بين أميركا والصين” لكيفين رود، و”أميركا وثورة 19″ لمحمد أبو الغار، و”الديكتاتورية الجديدة نفق مغلق وأفق مسدود” لأنور الهواري، و”مصر القديمة في عيون الإيرانيين”، مذكرات هدى شعراوي، و”شذور الذهب” للكاتبة سيزا قاسم، و”حياتي” لروز اليوسف، و”قبطي في عصر مسيحي” لزبيدة عطا، و”تقنيات الرواية” للكاتب علي عفيفي.
“اسمعي يا إسرائيل”
الكاتب والمترجم سمير جريس، أحد الجسور بين الثقافتين العربية والألمانية، يقول عن الإصدارات التي استمتع بها، “أعادتني الحرب في غزة إلى القراءات حول تاريخ إسرائيل، وإلى أشعار النمساوي إريش فريد، الذي كان من أشدّ منتقدي سياسات إسرائيل، على الرغم من أنه يهودي. وكان الشاعر كتب قصيدة طويلة بعد حرب 1967 عنوانها “اسمعي يا إسرائيل”، والهجوم الكاسح الذي تعرّض له على أثر ذلك”.
تابع: “أنا حالياً بصدد ترجمة كتابه العذب “وكنا نضحك أحياناً”، الذي يتضمّن ذكريات طفولته في فيينا قبل أن يدخلها النازيون، والهجرة إلى لندن. ومن الكتب التي قرأتها أخيراً “التطهير العرقي في فلسطين” للمؤرّخ الإسرائيلي إيلان بابه، وهو كتاب أنصح به كل مهتم بالقضية الفلسطينية. وأقرأ حالياً كتاباً ثانياً له بعنوان “فكرة إسرائيل” يفضح الأساطير الصهيونية.
وبعيداً عمّا يتعلق بالأحداث في فلسطين، يرشّح جريس الكتب التالية: “وأنت السبب يابا” لنوّارة نجم، تتناول فيه علاقتها بوالدها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، وآخر ما كتب الصحفي الشاب الراحل محمد أبو الغيط “أنا قادم أيها الضوء”، و”من الخوف إلى الحرية” سيرة عفاف محفوظ.
“الأدب والغرابة”
الكاتب العراقي زهير كريم، توقّف طويلاً عند مؤلفات عبد الفتاح كيليطو ومنها: “الأدب والغرابة”، و”العين والإبرة”، “الحكاية والتأويل”. “الأدب والارتياب”. “أبو العلاء المعري، متاهات القول”. وقال “إنها كتب مهمّة، لأنها تنطوي على المتعة الخالصة والمعرفة العميقة، والأسئلة المثيرة والأدب العالي”.
فيما يبدو أن مشروعاً قادماً دفع الروائي والمترجم البارز عن الإسبانية أحمد عبد اللطيف، إلى العودة إلى كتب التأريخ المصري، مثل كتب المقريزي وابن إياس والجبرتي، خصوصاً تاريخ القاهرة الإسلامي.
كما يتّفق عبد اللطيف مع وحيد الطويلة، في أهمية كتابَي “كل دا كان ليه”، و”الطاهي يقتل والكاتب ينتحر”، مشيداً بظهور كتاب مغاير للروايات والقصص، تنطوي على فكرة لامعة وتأمّل وبحث.
أما الشاعرة السودانية دينا الشيخ، فتؤكد فكرة هالة البدري، حول عدم الالتزام بقراءة الجديد بالضرورة، وتقول “أنوّع اختياراتي بين جديد وقديم، وقد أعود لقراءة كتاب قرأته لشغف ما يشدّني إليه. كما أحب القراءة عن الأسماء التي نجحت في إيجاد عالم يعكس طاقتها العالية وقدرتها الإنسانية، مثل كتاب “الحياة، دروس وقواعد للنجاح”، عن حياة أوبرا وينفري، ورحلتها في الإعلام، وقصّتها مع العنف المنزلي، وعلاقاتها الرومانسية الفاشلة، وصولاً إلى تأثيرها على المشهد السياسي في أميركا.
“الدبلوماسية الثقافية”
بدورها تختار الروائية وعضو مجلس الشعب المصري ضحى عاصي، مجموعة كتب فكرية وثقافية منها، “الدبلوماسية الثقافية” لجيهان زكي، الذي يغطي مسار هذا المفهوم منذ الحضارة المصرية القديمة، “القاهرة وعمرانها” للكاتب نزار الصياد، و”قارئ الجثث” لمصطفى عبيد، و”300 ألف عام من الخوف” لجمال رشدي.
بينما تفضّل الكاتبة والشاعرة التونسية فاطمة بن محمود، البحث عن مصادر موازية للكتب، وهي تعتقد أن اﻷفلام الناجحة ملهمة، وتساعدني بشكل ما على توظيف بعض تقنياتها في أعمالي الأدبية، ومن أهم الممثلين الذين أحب اختياراتهم السينمائية، دنزل واشنطن وليوناردو دي كابريو.
فكرة “المكتبة”
يميل الشاعر عزمي عبد الوهاب إلى التأريخ الثقافي وتتبّع الأفكار والمشروعات، وليس إصدارات العام بالضرورة، ويقول عن ذلك، “شغلتني في الفترة الأخيرة فكرة المكتبة، فتابعت الكتب التي عالجت ذلك، لأكتشف عدداً كبيراً من الروايات المترجمة بخلاف كتب مانغويل، ومنها “أمينة المكتبة”، و”مكتبة الاستعارة”، و”مكتبة ساحة الأعشاب”، و”مكتبة شكسبير الباريسية”، و”المكتبة المظلمة”، و”مكتبة باريس”..
يضيف: “وسط هذا الكم من الكتب النوعية، استغرقني كتاب محمد آيت حنا “مكتباتهم”. إذ يرى حنا أن الكتب تجتاح العالم، وهذا ينطوي على مسألة أخطر، وهي تَضَاعف عدد الكُتّاب، وتضاؤل نسبة القرّاء، وكأن الجميع قرّروا أن يصيروا كُتّاباً. علماً أنه لا يمكن التعويل على الكُتّاب في الاضطلاع بدور القرّاء، هم في الأغلب قرّاء سيئون، وغالباً لا يقرؤون، وحاجتهم إلى القرّاء تفوق حاجة القرّاء إليهم”.
بهذا المعنى فإن “مكتباتهم”، هو كتاب يعمل على مكتبات فلاسفة وكُتّاب كبار مثل فالتر بنيامين، وشوبنهاور وفتجنشتاين، مشيراً إلى وجود كتاب آخر، “على قدر كبير من الأهمية، هو “المكتبة الجهنمية” لدانيال كالدر، الذي يتناول مصائر ما كتبه لينين وستالين وموسوليني وهتلر وماو، وغيرهم”.
يضيف عبد الوهاب: “المكتبة الجهنمية” يتوقّف أيضاً عند كتابات كيم إيل سونج، والقذافي، وصدام حسين، وهذا يطرح تساؤلاً عمّا وجده هؤلاء في الكتابة؟ فالقذافي كان يطرح نفسه كمفكر صاحب نظرية عالمية، تصلح بديلاً عن الشيوعية والرأسمالية، وأقيمت المراكز العلمية لإنجاز ما أطلق عليه “شروح الكتاب الأخضر”. وهناك من وقّعوا كتبهم بأسماء مستعارة، فما الذي أغرى صدام حسين مثلا بأن يكتب ويوقّع باسم “رواية لكاتبها”؟
قوائم الروايات
حول الروايات التي لفتت نظرها قالت ضحى عاصي، إنها اهتمت بالرواية العربية إلى جانب المصرية، ومن أهم ما قرأت: “لأني أسود” للكاتبة الكويتية سعداء الدعاس، و”الحرب” للروائي العُماني محمد اليحيائي، ومن الكُتّاب المصريين، “عهد دميانة” لأسامة الشاذلي، “مقهى باراديسو” لشريف العصفوري، “السرعة القصوى صفر” لأشرف العشماوي، و”جزيرة الورد” لإبراهيم فرغلي.
بينما قال وحيد الطويلة، “تحضرني رواية محمد صفوت “صور معلّقة على السور”، وكتاب أمنية صلاح “كف المسيح”، وهي كتابة واعدة ولغة سلسة آسرة. وفي لحظة الحرب يجب ان أستعيد رواية محمد الفخراني “غداء في بيت الطبّاخة”، التي جعلت الحرب تنطق عن اللحظة البشعة التي نعيشها الآن”..
من جانبه يضيف المترجم سمير جريس روايات أخرى: “هناك حيث ينتهي النهر” لمريم عبد العزيز، “ميثاق النساء” للكاتبة اللبنانية حنين الصايغ، “بنات آوى والحروف المفقودة” للمؤرّخ هيثم الورداني.
أخيراً، رواية “أقفاص فارغة” لفاطمة قنديل، وهو العمل الفائز بجائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة، إذ يرى كريم” أنه عمل سردي رائع، تراجيديا عائلية لها حمولات رمزية، مرتبطة بالتحوّلات التي شهدها المجتمع المصري خلال خمسة عقود، ونصّ مليء بالإشارات التي تقدّم لنا الذات الإنسانية بين الهزائم المرّة، والانتصارات الصغيرة، رواية عن المقاومة، وبحث دائم عن المخارج في متاهة اسمها الحياة.
مجاميع قصصية
اختار زهير كريم “حانة العادات” للكاتب الفرنسي فرانز بارتل، لأنها مجموعة مدهشة تستحقّ القراءة مرات عدّة. بينما يرشّح محمد عبد النبي مجاميع: “تنويعات الانزعاج” ليديا دافيس، “نادي الغانيات المسنّات” داتو جورجيلادزه، “كناري” أحمد الخميسي، “الحصرم” زكريا تامر، “مثل واحد آخر” سيد الوكيل، “مساحة للمناورة” أحمد فؤاد الدين، “هذه ليست غرفتك” كريم محسن، “ترددات” مينا ناجي، “تمشية قصيرة مع لولو” محمد خير.
ويضيف سمير جريس مجموعة “شيء ما أصابه الخلل” لمحمد فرج. فيما عادت هالة البدري لقراءة مجموعة يوسف إدريس “بيت من لحم”.
الشعر.. حظه القليل
يبدو الشعر أقل حظاً في القراءة لدى المبدعين عام 2023، فسمير جريس اكتفى بترشيح “ندبة أوليس” للشاعر المغربي حسن نجمي، أما محمد عبد النبي، فقال “إن أهم وأجمل ما قرأت من شعر هذا العام ديوان “زراوند” للشاعر الفلسطيني زكريا محمد، الذي رحل في يوليو الماضي، وأتمنى أن تكون هناك مؤسسة ثقافية أو جائزة أدبية تحمل اسمه، فضلاً عن شارع أو ميدان في فلسطين باسمه أيضاً.