تتابع إسرائيل استهداف مواقع إيرانية، وتموضعات متعددة لميليشيات تابعة لحكومة إيران ضمن الجغرافية السورية، وتقوم إسرائيل باستئصال العديد من القيادات العسكرية والأمنية في (الحرس الثوري الإيراني) الموجودة في غير مكان من الأرض السورية، منذ ما يزيد عن اثني عشر سنة خلت، حيث تحاول إسرائيل (تنظيف) المناطق المحيطة بها، من كل منتجات الميليشيا العسكرية الإيرانية وتوابعها من أمثال ميليشيا حزب الله اللبناني، وبعض الميليشيات العراقية للحشد الشعبي، كما يطول هذه الاستهداف في كثير من الأحيان بعض المواقع المهمة لجيش النظام السوري وفرقته الرابعة خاصة، وبنيتها التحتية.
وإذا كان الاستهداف الإسرائيلي سابقًا قد طال المواقع العسكرية على امتداد الجغرافية السورية، إلا أنه قد تركز مؤخرًا وبات يستهدف أماكن وجود واختباء الضباط والعناصر الإيرانية وتوابعها من الميليشيات داخل المدن الرئيسية السورية وأولها العاصمة دمشق، بل بالضبط وسط دمشق ومربعاتها الأمنية والأحياء المهمة التي تتمركز فيها منازل ومكاتب هذه الميليشيات، وسط صمت مطبق من نظام بشار الأسد، والاكتفاء بالتنديد والوعيد، والانتظار ليتم اختيار الزمان والمكان حسب قول الخارجية السورية في بياناتها.
وكانت آخر هذه الاستهدافات القصف الذي جرى في حي (كفر سوسة) وأدى إلى مقتل ضباط إيرانيين في (الحرس الثوري الإيراني)، وآخرين كانوا موجودين في البناء نفسه والمكان نفسه. وإذا كانت الحرب العدوانية الإسرائيلية التي تستمر فصولًا على شعب غزة قد ساهمت في هذا التصعيد لاستئصال قادة وضباط إيرانيين، في إطار لعبة صراع المصالح بين المشروعين الصهيوني والإيراني/ الطائفي، إلا أن الكثافة والتكثيف في ذلك مؤخرًا، واستمرار الاستهداف، ومن ثم قرب المسافة الزمنية بين هذه الاستهدافات بات يشير إلى مسائل عدة لعل أبرزها:
إن هذا الصراع ذي السمة النفعية المصلحية بين المشروعين مازال يؤكد أن الصراع ليس عداءً، ولن يرتقي إلى مستوى حالة العداء، بقدر ما هو تصارع ثيران على النفوذ، واقتسام التركة، والهيمنة على المكان والجغرافيا، في ظل متابعة ومراقبة حثيثة من الأميركان الذين ساهموا مؤخرًا ببعض هذه الاستهدافات ضد الميليشيات الإيرانية، ليس دعمًا لإسرائيل فقط، بل ذودًا عن مصالحهم هم أيضًا، بعد تلك الاستهدافات الكثيرة لقواعدهم من لدن ميليشيات تتبع بالضرورة لإيران/ الملالي.
يضاف إلى ذلك أن كل هذه الصراعات كانت وماتزال مضبوطة أميركيًا، ضمن تفاهمات مهمة وأكيدة، مع سلطات الحكم في إيران، ولا يمكن أن تفلت من عقالها، أو أن تتحول هذه المناكفات إلى حرب مفتوحة وأخرى مباشرة بين الطرفين، من منطلق أن إيران ووجودها بات ضرورة للمشروع الصهيوني وأيضًا للاستراتيجيات الأميركية لا فكاك عنه ولا مناص منه، في سياق الاستراتيجيات الأميركية الكبرى، ومنها (الفوضى الخلاقة) التي تنتهجها اليوم الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط والمنطقة برمتها.
كما أن تفاهمات قواعد الاشتباك بدورها الوظيفي ما تزال في مساراتها وضمن اشتغالاتها البينية، ولم يتم تجاوز ذلك ولا يبدو أنه سوف يجري تجاوز تلك الخطوط، وقواعد الاشتباك التي باتت واضحة للعيان بعد أكثر من أربع أشهر من الحرب الضروس الهمجية الإسرائيلية على أهل غزة.
علاوة على ذلك فإن سياسة (الصبر الاستراتيجي) المنتهجة والمتبعة إيرانيًا ما انفكت قائمة وقابلة للاستمرار والديمومة، وهي استراتيجية إيرانية بكل ما للكلمة من معنى، وليست تكتيكًا مؤقتًا، طالما عملت عليها سياسات الإيرانيين منذ انتصار ما يسمى (الثورة الإسلامية الإيرانية) أواخر سبعينيات القرن الفائت، عبر سياسة تصدير ثورتها إلى الجوار العربي والإسلامي، والقدرة على مزيد من تجرع كؤوس السم، التي بدأها (آية الله الخميني) يوم قبل بوقف الحرب مع العراق عام 1988 من أجل مصلحة عليا وفضلى وهي انتصار المشروع الكبير لدولة الملالي الإيرانية، وصولًا إلى إعادة إحياء وترميم البناء المنهار للإمبراطورية الإيرانية الفارسية في المنطقة على حساب العرب والمحيط الإقليمي العربي والإسلامي.
كما أن شعار وحدة الساحات الساقط فعليًا على صخرة حرب غزة، مازال شعارًا قابلًا للمتاجرة به ورفعه في مواجهة النظم العربية، التي ما يزال يعتقد بعضها أنه بإمكانها جر نظام بشار الأسد وسحبه كليًا إلى طرفها، وفق معطيات ما بعد مؤتمر القمة العربي الذي شارك فيه بشار الأسد في شهر أيار/ مايو الماضي العام الفائت.
إن استمرار الاستهداف الإسرائيلي لضباط وقادة إيرانيين وكذلك لبنية تحتية ولوجستية للمحتل الإيراني في الأراضي السورية، سوف يستمر، وقد يتعاظم ويمتد أكثر وأكثر حتى تصل الأمور إلى خواتيمها عبر توقيع الاتفاق النووي المزمع والمتعثر قليلًا مع إيران، وكبح جماح إيران في المنطقة، ليس من أجل عيون دول الخليج العربي، بل خوفًا وتخوفًا من عدم انضباطه وتهديده لأمن إسرائيل، حتى تبقى إيران الكيان والدولة عبر دورها الوظيفي كما النظام السوري، المنضبط جدًا والملتزم باتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل منذ عام 1974 وحتى الآن، ولتبقى إيران/ الملالي مجرد أداة من أدوات المشروع الأميركي والصهيوني، وغير مسموح لها بأن تتجاوز الخطوط الحمر، ولعل أهمها هو الاعتداء على أمن إسرائيل بشكله المباشر .
ضمن هذه السياقات وعلى هذا الأساس من متابعة الاستهداف لا يبدو أن صراع المصالح بينهما سينتهي قريبًا، ولا يمكن أن يصل إلى خواتيمه قبل أن تأمن إسرائيل على وجودها، وتضمن ذلك عبر اتفاقات إيرانية أميركية وغربية نووية لا مناص من الوصول إليها عاجلًا أم آجلا ضمن حالة الفرجة العربية، وترقب الوضع العربي بكليته لمجمل ما يجري دون القدرة على الحركة أو الفعل في حيثيات ومسارات ذلك، وهو ما نشهده عبر احتمالات الوصول إلى اتفاقات وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين وإسرائيل.
أحمد مظهر سعدو – تلفزيون سوريا