عمّار ديّوب
حسن نصر الله زعيماً في حزبه وفي محور المقاومة، ولم يعد كذلك عربيّاً، بعد مشاركة حزبه في حرب النظام السوري ضد أغلبية السوريين. هذا الكلام، لأنَّ، حسنٌ، ورغم خطورة اللحظة الراهنة واحتمالات تطوّر الحرب الجارية في غزة وجنوب لبنان إلى حربٍ موسعةٍ في المنطقة، وربّما ستتركّز في دمارٍ كبير في لبنان بالتحديد، أبدى مواقف واستنتاجات خاطئة بما يخص النظام السوري وبعض المُعارضة العلمانية السورية.
حسنٌ، وبدلاً من أن يبحث عن رؤية جديدة لعلاقته بالسوريين، يؤكد أن نظام دمشق ما يزال يواجه “المشروع الآخر” أي ينفي أن النظام وحزب الله وإيران ولاحقاً روسيا واجهوا الشعب السوري بكل أشكال العنف والدمار والتهجير والقتل والاعتقال، وأن كل ما جرى في سورية هو تدخلٌ أمريكيٌّ وصهيونيٌّ وغربي وحلفائهم من العرب ومن أجل إسقاط النظام، ووضع نظام جديد عميل لدولة الاحتلال، وبالتالي، إن دخول حزب الله، وحلفائه، كان منعاً لذلك، ومحاربة لتحقّق تلك الإمكانية، وليس لمواجهة ثورة شعبية، وسوريون طامحون من أجل تأسيس نظام ديموقراطي.
بكل الأحوال، حسنٌ يُعيق ذلك في لبنان، ويمنع استقلال القضاء والتحقيق في جريمة المرفأ مثلاً، وحزبه، وبدعمٍ إيرانيٍّ، يمنعون انتخاب رئيسٍ جديدٍ؛ المفارقة، أن إيران لم تتأخر لحظة عن انتخاب رئيسٍ لها، ودعمت نظام دمشق، ولتأكيد شرعيته، لعدم التأخر في عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية في مواعيدها ومنذ 2011. حسن لا يتحسس أهمية ذلك في بلده لبنان، وبالتالي، يصبح كلامه “خطيراً”، في خطابه بمناسبة أسبوع على اغتيال فؤاد شكر، على أن على اللبنانيين ألّا يشعروا بالخطر من قوّة المقاومة أو انتصارها، وأن يشعروا به إن انتصرت دولة الاحتلال. هذا الكلام، وبظلِّ تعطيل مؤسسات الدولة اللبنانية، وتبعية حزب الله لسياسات إيران لا يُقنع أحدٌ في لبنان والمنطقة بل وربما لا يقتنع به قسم من جمهور حزب الله ذاته.
يتهكم حسن بأن بعض المعارضة العلمانية السورية تحالفت مع دولة الكيان، وأنّها ستكون بأفضل العلاقات مع هذا الكيان لو انتصرت الثورة في 2011 أو انتصر الكيان في معركته الحالية، ويبرأ الإسلاميون السوريون منذ ذلك، ولا ينسى هنا أن يرفض المبادرة العربية للسلام في 2003، ومواقف كل الدول المطبعة مع دولة الاحتلال، وأن مشروع مقاومته هو الوصول إلى فلسطين بأكملها من البحر إلى النهر، وهذا بخلاف التوافقات الفلسطينية ذاتها، وضمنها حماس، بأن الموقف الفلسطيني الآن هو من أجل تشكيل دولة في أراضي ال67. حجته في ذلك أن الكنيست، مؤخراً، أقرَّ الرفض الكامل لتشكيل دولة فلسطينية في أيِّ مكانٍ على أرض فلسطين. حجته الأخيرة، هامة في تبرير القول بدولة من البحر إلى النهر، ولكن دول المحور والميليشيات التابعة له والوضع الفلسطيني والعربي والإقليمي والعالمي لا يسمح بالكلام عن هذه الدولة، رغم وجاهة القول بها، ويمكن القول بها كمشروعٍ مستقبليٍّ، بينما حالياً، يجب التركيز على دولة في أراضي ال67 ورفض قرار الكنسيت وملاحقة دولة الكيان دولياً للعودة عن ذلك القرار، وأيضاً، يشكل تمسك الفلسطينيين بدولة على أراضي ال67 حجة قوية دولياً ضد دولة الاحتلال، التي تواجه نبذاً وعزلة دولية.
لم يخطئ حسن نصرالله بانتقاده بعض المعارضة تلك، وهناك انتقادات شديدة لها من السوريين، أي أنّ أيّة علاقة مع دولة الاحتلال من قبل المعارضة السورية أمر خاطئ كلية وقلة فهم كبيرة، ولا تفيد لا المعارضة ولا الانتقال الديموقراطي بشيء، وعدا ذلك هي دولة احتلال كولونيالي، ويجب تفكيكها، لصالح تأسيس دولة فلسطينية، حالياً على أراضي ال67 ولاحقاً من البحر إلى النهر. ما لم يتطرق إليه حسن، وهو مخطئ أشد الخطأ فيه، هي طبيعة النظام السوري، الشمولية، والفاسدة، وهي تتناقض كليّة مع دفاعه، النظام، المزعوم عن قضايا قومية أو وطنية أو فلسطين، وبالتالي، هذه الطبيعة، والرفض الكامل لأيّة مبادرات للانتقال السياسي ومنذ عام 2000، هو ما أسس لمواقف خاطئة ومدانة لذلك البعض المعارضة بإقامة علاقات مع إسرائيل، وهنا من المفيد التذكير بإيران غيت، والحاجة الماسة لإيران للسلاح والتي دفعتها لإقامة صفقة مع دولة الاحتلال وأمريكا، وانتقال السلاح من هذه الدولة ومن سواها، وإلى إيران. المقصد هنا، كان على حسن أن يتحسّس جيّداً، أسباب قيام ذلك البعض من المعارضة، القليل للغاية، للعلاقة مع دولة الكيان، أمّا القول بإن انتصار الثورة السورية سيؤدي إلى علاقات طبيعية ومناهضة للمقاومة مع الدولة السابقة الذكر فكلامٌ في الهواء.
حسن لا يتحسّس حقوق السوريين أو اللبنانيين أو حتى الإيرانيين وسواهم في الانتقال الديموقراطي والعدالة الاجتماعية، وأنّها الجذر لتشكيل مقاومة حقيقية للمشروع الكولونيالي في فلسطين، وبدون ذلك، هناك عقبات شديدة وحادة، وما يجري الآن في غزة وفي جنوب لبنان، وعدم وجود دعم عربي واسع له، يشير لحجم التعقيدات الهائلة أمام القضية الفلسطينية. إن شكل وجود إيران في المنطقة العربية، والمُؤسَس على مليشيات طائفية أو أنظمة مناهضة لشعوبها، وإضافة لطبيعة الأنظمة العربية الشمولية والرافضة بأغلبيتها لدعم القضية الفلسطينية؛ نقول، هي عوامل عديدة، تُوضِح ضرورة أن يُغيّر حسن رؤيته، ولنقل توضح هذه العوامل هشاشة رؤيته المرتبطة بدعمٍ إيرانيٍّ وبابتعادٍ كبير عن كل ما يخص هموم العرب، وأن ذلك لن يساهم في حلِّ القضية الفلسطينية، ولا في تعزيز الانتقال الديمقراطي، وهو بالتأكيد ليس بصالح الداخل الإيراني، المأزوم للغاية.
حثَّ وبرّرَ نصرالله لكل من إيران والنظام السوري عدم المشاركة في الردِّ على تصعيد دولة الاحتلال والاغتيالات؛ وأنّه يكفي دورهم المساند والداعم لحزب الله أو حماس أو الحوثيين والفصائل في العراق. والسؤال إلى ماذا يشير ذلك، ألّا يشير إلى أزمات كبرى يعيشها النظامان في إيران وسورية، ثم ألّا يشير إلى أن غزة ولبنان واليمن ستتحمل مسؤولية توّسع الحرب، وربما حصرها في هذه الدول؛ فكيف لا يرى الضعف الشديد الذي عليه إيران وسورية والدول المذكورة إذاً.
منذ 8 أكتوبر 2023، خضع نصر الله للشروط الإيرانية، بالمشاركة الاسنادية وعدم توسعة الحرب؛ والآن لم تتغير معادلات الاسناد بعد الرد المحدود للغاية على اغتيال شكر؛ كلمة نصرالله بعد الرد توضح أنّه لم يكن نوعياً، وأنّه ضمن خانة الاسناد ورفع العتب تجاه غزّة.
هذه عقلانية كبيرة من حسن تجاه الموقف من دولة الاحتلال، وتجاه الأنظمة في إيران وسورية، ولكن هناك عدم عقلانية كاملة تجاهل الموقف من الشعب السوري، وأوضحناه، وشعوب كل من لبنان واليمن والعراق والفلسطينيين؛ إن حزب الله يعزل نفسه، ويتهجم على دول وشعوب المنطقة، في الوقت الذي تجري المعركة ضد دولة الاحتلال وتحتاج فعلياً لهذه الشعوب وللأنظمة، وأمّا الدعم الإيراني فمشروط بمصالح هذه الدولة والتفاوض مع الإدارة الامريكية؛ تفسير الأفكار في خطابه، أعلاه، هو أن حزبه أداة بيد الحرس الثوري الإيراني، ويتحرك في المنطقة انطلاقاً من ذلك، ولهذا يخطئ كثيراً، ويتهجم كثيراً؛ إن مواجهة دولة الاحتلال بحاجة إلى مقاربة مختلفةٍ كليّة عمّا يتحدث به نصرالله ومنذ تأسيس حزبه في لبنان.