كشف مصدر رفيع في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ «الجريدة»، أن وفداً أمنياً أميركياً سافر إلى إيران بوساطة عمانية لنقل رسالة «تهدئة وتحذير» إلى قادة طهران، لتفادي حرب كبرى يخطط لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم من اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة. وقال المصدر إن الوفد الأميركي زار الجمهورية الإسلامية بطائرة خاصة، انطلقت من تركيا، وحطّت في مطار بيام بمدينة كرج غرب العاصمة الإيرانية الخميس الماضي، مؤكداً عقد لقاء استمر ساعتين بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين، في المطار الخاضع لإشراف الحرس الثوري، قبل أن يعود الضيوف إلى أنقرة.
وأضاف أن الوفد الأمني الأميركي أكد للإيرانيين مجدداً أن الولايات المتحدة لم تكن على علم بعملية اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، وأن الرئيس جو بايدن مستاء جداً من التصرف المنفرد لنتنياهو، وأن الأميركيين وصلوا إلى خلاصة مفادها أن وجود الأخير بسدة الحكم لا يخدم الأمن والسلام العالميين، بعد أن بات خارج السيطرة. وأوضح أن الوفد ذكر أن إدارة بايدن ترغب في إجراء تغييرات أساسية، وترسيم معادلات إقليمية جديدة تستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، قبل انتهاء ولايتها، ولفت إلى أن نتنياهو «يحاول الهروب إلى الأمام، وافتعال التصعيد بهدف جر المنطقة كلها إلى معركة شاملة».
وأوضح أن الوفد أكد للإيرانيين أن نتنياهو كشف عن خطته لعدد من كبار مسؤولي اللوبيات الصهيونية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، إذ أطلعهم على اعتقاده بأنه آن الأوان لحرب كبرى، وهو لا يعني فقط إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران وحلفائها بل كل دول المنطقة، ومن بينها الدول العربية والخليجية وتركيا ودول إفريقية. وزعم نتنياهو أن اندلاع تلك المحرقة الكبرى سيجبر الجميع على الجلوس على طاولة واحدة، للقبول بتسوية شاملة تتضمن «حق إسرائيل في الوجود والاعتراف بها من الجميع مقابل سلام شامل لكل الأطراف». وذكر أن الأميركيين سرّبوا أجزاء من خطة نتنياهو التي استعرضها مع قادة اللوبيات الصهيونية، إذ أخبرهم أنه يمكن خلال تلك الحرب تدمير كل البنى التحتية لدول المنطقة قبل الوصول إلى تسوية شاملة يعقبها استفادة الشركات الأميركية من عملية إعادة الإعمار الكبيرة، بالإضافة إلى إمكانية إجبار إيران على الخضوع للإرادة الأميركية أو «يتم مسحها من الوجود».
وبين المصدر أن الوفد أخبر الإيرانيين أن نتنياهو لم يسمع ما يعجبه في واشنطن، إذ أصر البيت الأبيض على أنه يريد وقف حرب غزة بشكل سريع وتهدئة شاملة بالمنطقة، لكنه قام باغتيال هنية بهدف تفجير مفاوضات تبادل الأسرى والهدنة. وقال إن الوفد أشار إلى أن الحكومة الأميركية ستكون مضطرة للدفاع مجدداً عن الدولة العبرية إذا هاجمتها إيران للثأر، ما سيمثل فرصة جديدة لنتنياهو للإفلات من الضغوط، وعليه فإن الولايات المتحدة تأمل ألا تقع طهران في فخ رئيس الوزراء الإسرائيلي. وتابع أن الجانب الأميركي جدد التأكيد أن واشنطن لا تريد حرباً مع طهران، وتسعى لحل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية، وتنتظر الرد بشأن مقترح العودة إلى الاتفاق النووي. وأوضح أن الوفد رأى أنه في حال قبلت طهران العودة إلى الاتفاق النووي فإن ذلك سيمثل «ضربة موجعة» أكثر للائتلاف اليميني المتشدد في إسرائيل، بشأن توجيه ضربة عسكرية، خصوصاً أن المرشحة الرئاسية الديموقراطية نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس تتقدم على منافسها الجمهوري دونالد ترامب المعروف بمواقفه الأكثر تشدداً تجاه إيران. وأوضح أن الأميركيين أكدوا استعدادهم لتعليق حزمة من العقوبات الاقتصادية إذا قبلت إيران عدم مهاجمة تل أبيب، وإذا ما كان يمكن حصر القضية في حفظ ماء الوجه فإن الجانبين يمكن أن يتفقا على عملية منسقة تنزع فتيل الأزمة التي تهدد بتفجير المنطقة.
وزعم أن الوفد قدم لائحة تضمن «أسماء 10 عملاء للموساد» داخل إيران يعتقد الأميركيون أنهم متورطون في عملية الاغتيال بشكل مباشر أو غير مباشر كمبادرة حسن نية، ورداً على قيام الدولة العبرية بالضربة الصاعقة دون تنسيق مع واشنطن. في المقابل، رفض الجانب الإيراني إطلاع الأميركيين على أي خطط للرد الانتقامي الواسع والمرتقب، وقال إنه سيرفع رسالتهم إلى القيادات العليا لدراستها قبل الرد عليها. واختتم المصدر تصريحه بالإشارة إلى أن أجهزة التحقيقات اعتقلت نحو 30 من بينهم شخصيات أمنية رفيعة، بالإضافة إلى نحو 50 أجنبياً، أغلبهم من الأفغانيين الذين دخلوا البلاد بشكل غير رسمي بشبهة التورط في العملية.
وسط إصرار إيران وحلفائها على الثأر من إسرائيل لاغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران والقيادي البارز في «حزب الله» فؤاد شكر، في ضاحية بيروت، لا تزال الرسائل الدبلوماسية والمؤشرات التي يتلقاها لبنان تميل إلى السلبية حيال تطورات الوضع في المنطقة. وما تشهده بيروت من إجراءات للسفارات، ومن تدريبات تجريها على تنفيذ خطط لإجلاء الرعايا والموظفين كلها تؤشر إلى معطيات تنطوي على مخاطر كبيرة يعززها نقل السفارة السويدية لطاقم عملها كله إلى قبرص، وما جرى التداول به نقلاً عن مسؤولين غربيين بأنه لا يمكن لأي طرف في العالم أن يتوقع وقفاً لإطلاق النار، لأن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو لا يريد ذلك، وسيواصل الحرب إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. وأمام هذه الوقائع، تجرى اتصالات سياسية لاحتواء الوضع، وعدم إعطاء أي فرصة لنتنياهو لاستدراج الجميع لحرب إقليمية، وتكشف مصادر عن تفعيل الأميركيين لدبلوماسيتهم لمنع التصعيد، وخصوصاً عدم اتخاذ نتنياهو الردّ الإيراني ذريعة لإشعال الجبهات أكثر. وفي حال نجحوا، فإن هذا لا يعني وقف الحرب، بل استمرارها بهذه الوتيرة فترة طويلة. ويقول الأميركيون، إنهم سيدافعون عن إسرائيل في التصدي للصواريخ الإيرانية، ووفق المعطيات، فإنهم يتوقعون رداً متوسطاً لا يكون بحجم هائل ولا ردّ شكلي، ويتوقع الأميركيون سقوط قتلى إسرائيليين، مع تشديد عدم إسقاط مدنيين، وبعدها في حال قررت إسرائيل الردّ، فإن واشنطن لن تكون معنيّة بمشاركتها فيه، بل فقط بالدفاع عنها.
في المقابل، يتم الحديث في بعض الكواليس عن وضع خطوط حمر بين الأميركيين والإيرانيين، تتضمن أولاً عدم سقوط عدد من الضحايا المدنيين، ثانياً، عدم استهداف منشآت مدنية، ثالثاً أن تكون الأهداف عسكرية، رابعاً ألا تكون الضربة مستمرة ومتوالية، بل ضربة واحدة، أما خامساً فألا تكون الهجمة الإقليمية على إسرائيل، بهدف تدمير كبير فيها، بل تكون المشاركة الإقليمية مشابهة لرمزية الضربة الواحدة، لا أن تكون هجمة إقليمية تحاكي اندلاع حرب من جبهات متعددة ضد إسرائيل، لأنه في حال حصل ذلك، فإن أميركا ستجد نفسها مضطرة للردّ والدفاع في التصدي والهجوم بعدها، لذلك يشدد الأميركيون على أن تكون الضربة واحدة، وتتوقف كي لا تضطر إلى الانجرار للضربات والضربات المضادة. وفي حال رست هذه النقاط أو تم اللعب ضمن هذه الخطوط، فسيكون أمام إيران تحدّ أساسي، وهو أنه في حال لم يكن ردّها جدياً ورادعاً، فقد يستمر نتنياهو في مواصلة عمليات الاغتيال ويواصل استفزازاته بالعمليات الأمنية والعسكرية، لتحقيق نوع من كسر التوازن الأمني والمعنوي، وبالتالي لا يمكن لإيران الرضا بذلك، مما يحتّم البحث عن توجيه ضربة جدية قادرة على ردعه، ولكن في المقابل، أيضاً هناك حسابات إيرانية أخرى تشير إلى أنه في حال قرر الإسرائيليون الردّ على هذه الضربات بضربات عنيفة، ولجأ نتنياهو إلى تنفيذ عمليات مشابهة لاستهداف ميناء الحُديدة، وضرب أهداف مشابهة في إيران، أي استهداف مرافق عامة، وموانئ، فإن ذلك ستكون له آثار صعبة جداً على طهران، وهناك من يقرأ في ضرب الإسرائيليين لميناء الحُديدة نموذجاً يمكن تطبيقه في أماكن مختلفة، ورسالة مباشرة للإيرانيين، وهذا جانب من التفاوض الذي يناور عليه الأميركيون
ومع استعداد المنطقة للانتقام من إسرائيل، أجرى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أكبر حركة للقوات الأميركية منذ الأيام الأولى لحرب غزة، وأمر بإرسال مجموعة حاملة الطائرات الهجومية «لينكولن» ومجموعتها الضاربة إلى الشرق الأوسط، مع سرب مقاتلات وطرّادات ومدمّرات إضافية لتخفيف احتمالات تصعيد إقليمي من جانب إيران وحلفائها، وعدم توسيع نطاق القتال. وبعد أيام من نشرها 12 سفينة بارجة وفرق هجوم برمائي وأكثر من 4 آلاف من مشاة البحرية والبحارة، أوضحت «البنتاغون» أن أوستن «أمر بإدخال تعديلات على الموقف العسكري بهدف تحسين حماية القوات الأميركية، وزيادة الدعم للدفاع عن إسرائيل، وضمان الاستعداد للرد على شتى الحالات الطارئة». وبعد تلقيه مكالمة عاصفة من الرئيس الأميركي جو بايدن، حذّره فيها من الاعتماد عليه في حال واصل تصعيد الصراع، أرسل نتنياهو، الذي يواجه تمرداً داخلياً، وفداً أمنياً يضم رئيسي «الشاباك» و«الموساد» إلى القاهرة لاستئناف المحادثات حول 3 ملفات مهمة، هي التهدئة بغزة والوضع في محور فيلادلفيا ومعبر رفح الحدودي. ولاحقاً، أفادت «يديعوت أحرونوت» بأن الوفد الإسرائيلي عاد من القاهرة بسبب خلافات مع نتنياهو. وذكرت هيئة البث العبرية أن نتنياهو يخطط لإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيسَي الأركان هرتسي هاليفي، و«الشاباك» رونين بار، لكن عمليات الاغتيال عرقلت الأمر، موضحة أن هدفه «تشكيل مستوى عسكري وأمني ينفّذ أوامره» بعد نقاشاتهم الحادة التي وصلت إلى حد الصراخ لتمرير صفقة تحرير الرهائن ووقف حرب غزة.