د.أسامة قاضي
يجري التسويق لمسار آستانا من قبل روسيا ايران وتركيا الذي تكون فيه إيران وروسيا الضامنتين للحل السياسي!، ويقوم الائتلاف السوري بإرسال ممثليه عشرين مرة للاجتماعات ليساهموا في التسويق للمسار على أنه الحل القادم، وبغض النظر عن أداء المعارضة وعلى من يسوق لهذا المسار، يبقى السؤال هل يمكن لنهاية هذا المسار أن يقدم مشروع إعمار لسوريا!
لنتصور أنه تحقق مسار آستانا وتم السير حسب التفسير الروسي والإيراني للقرار 2254 وهو “حكومة وحدة وطنية” تحت حكم الأسد، وتمت تسمية وزيرين من المعارضة “المصنّعة محلياً” حسب تعبير الأسد، وتكون انتهت “اللجنة الدستورية” من تقديم مقترحاتها وتم عرضها حسب الفهم الروسي لمجلس الشعب الحالي بما فيه من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ووافقوا على تغيير بند أو اثنين لايغير من بنية وتركيبة نظام الأسد الأمني العسكري الطائفي، إذاً مالذي سيحدث؟
إذاً في “اليوم التالي” لمسار آستانا سيتم إغلاق الملف السوري بجهود المبعوثين الأمميين المتعاقبين وبفضل “إبداعاتهم” السياسية الخلاّقة، وبفضل أداء “المعارضة” الاستثنائية!.
المتوقع ألاتنسحب القوات الأمريكية من مناطق الشمال الشرقي “نكاية” بروسيا التي تشتبك معها بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، وتم تكريس هذا العداء مع الغرب بمئات قوانين العقوبات ضد روسيا، وستعزز أمريكا وجودها في سوريا من أجل تطبيق “قانون الكبتاغون” وإغلاق الحدود السورية – العراقية والسورية-الأردنية، وحتى معبر نصيب الأردني-السوري على الأغلب سيغلق حتى قبل انتهاء مسار آستانا.
كذلك المتوقع أن تبقى القوات التركية في سوريا، وذلك بموافقة روسية خاصة أن العلاقات الروسية التركية تعيش شهر عسل ولايمكن التخلي عن شريك تركي يوصل الغاز الروسي عبر خط السيل الأحمرلأوربا والعالم، وبسبب وضع روسيا الاقتصادي والاختناق الدولي رغم المكابرة الروسية المكشوفة، ورغم كل حملاتها الإعلامية حول “البريكس” وكأنه المخلص رغم عدم انسجام مكوناتها، وتلبيس حقائق مغلوطة من أن الهند محسوبة على البريكس بينما هي محسوبة على الغرب وأمريكا، وداخلة معه في شراكات كثيرة آخر مشاريعها العظيمة الممر البري الواصل بين الهند وأوربا مروراً بدول الخليج.
إذا سوريا المقسمة لثلاثة مناطق نفوذ روسي، وأمريكي، وتركي، وفيها 830 نقطة عسكرية أجنبية، ومع مسار آستانة سيتم تكريس التواجد الإيراني والروسي والنظام السوري على 63% من مساحة سوريا.
هل ستنجح “حكومة الوحدة الوطنية” برئاسة الأسد إعمار 63% من سوريا؟
قبل كل شيء يجب التأكيد أن تطبيق “إنجازات” مسار آستانا-سوتشي لايضمن وحدة الأراضي السورية رغم إدعاء بيانات آستانا العشرين على “وحدة” و “استقلال” و “سيادة” سوريا، فتطبيق تلك الإنجازات تخص فقط 63% من سوريا، وببقاء 520 نقطة عسكرية ايرانية إضافة للروسية والأمريكية والتركية سيطعن في تلك “السيادة” فضلاً عن إدعاءات غير واقعية من “الاستقلال” و “وحدة الأراضي السورية”.
عادة هناك أربعة أركان أساسية لنجاح عملية إعادة إعمار وهي الأمان، والعدالة والمصالحة، والرفاه الاجتماعي، والحوكمة والمشاركة.
هل تعتقد أن الجيوش الروسية والإيرانية والتركية والأمريكية ستغلق قواعدها العسكرية وتسحب قواتها من سوريا بعد مسارات آستانا؟ إذاكان الجواب بالنفي، كيف يمكن ضمان الأمان ؟ هو سيناريو الأرض المحروقة و تجريب 320 نوع سلاح روسي على الشعب السوري شبيه ماقامت به روسيا 1994 مع الشيشان.
الجدير بالذكر أنه رغم تمكن الجيش الروسي من السيطرة على الشيشان في فبراير 1995، ولكن المقاومة الشيشانية ظلت تقلق الأمن الشياشاني، والبرلمان والشرطة الشيشانية التي يسيطر عليها قديروف الموالي للحكومة الروسية عرضة للهجوم من قبل المقاومة الشيشانية والتي لم يكن آخرها في 4 كانون الأول / ديسمبر 2014 حيث هاجم مسلحون هجومًا على مبنى في غروزني ، مما أسفر عن مقتل 20 شخصًا على الأقل.
ليس هذا فحسب بل إن القلاقل طالت موسكو نفسها بعد حوالي عشر سنين على إخضاع الشيشان، حيث استولى المتمردون الشيشان في تشرين الأول / أكتوبر 2002 على مسرح في موسكو واحتجزوا أكثر من 700 شخص كرهائن واستخدمت القوات الروسية غازًا مجهولًا لإخضاع المسلحين ومات على إثرها المتمردين ال41 ومعهم 129 من الرهائن، وكذلك في يونيو حزيران 2003 قم الشياشانيون بهجوم انتحاري يقتل 16 شخصا في حفل موسيقي في موسكو، وفي فبراير 2004 قتل أربعين وجرح 100 عندما فجر مهاجم انتحاري قنبلة في قطار مترو موسكو والمتهم فيها دائما هم المقاتلون الشيشان، وكذلك طالت القلاقل اغتيال أحمد قديروف رئيس الشيشان في مايو ،2004، فهل ننتظر مستقبل مماثل لسوريا فيما لو تابع الروس الحل الشيشاني في سوريا؟
كيف سيكون هناك أي عامل من عوامل الأمان مع تواجد مخابرات وأمن نظام الأسد، وروسيا وإيران إضافة للميليشيات الطائفية؟
في حال عدم وجود أعلى معدلات الأمان فإن المستثمرين والدول لن تستثمر في دولة غير مستقرة على مساحة 63% من سوريا.
الخزينة السورية بسبب التقسيم الحالي ستكون محرومة من النفط السوري وماتنتجه المناطق الزراعية خارج سيطرة الروس، كذلك بسبب عدم وجود الأمان فإن ملايين الفنيين والمهنيين السوريين فضلاً عن اليد العاملة السورية العادية لن يعود أكثر من 10 بالمائة منها في أحسن الأحوال.
ستبقى سوريا تحت العقوبات الدولية وسينفر هذا المستثمرين الدوليين من دخول منطقة ال63% من سوريا للاستثمار، فضلاً عن أن النظام البنكي مع العالم معطل، ويبقى تعاملها فقط مع روسيا وايران وبعض أشباه الدول وهذا لن يشكل رافعاً للتنمية الاقتصادية السورية.
روسيا قبل الغزو الروسي لأوكرانيا لم تستثمر مالياً في سوريا واكتفت بتوقيع الاتفاقيات الملزمة لنظام الأسد لمنح كل الأصول السيادية السورية كي تكون روسيا بمثابة “الوكيل الحصري” للاقتصاد السوري بانتظار بدء عملية إعادة الإعمار حيث تتحدث تلك الشركات الغربية مع الروسي كونهم وكلاء الاقتصاد السوري، ومن الطبيعي أنه بعد حرب أوكرانيا لن تستثمر وخاصة وهي في أسوأ أوضاعها الاقتصادية حيث هبط مؤخراً سعر الروبل من 62 إلى 103 للدولار الواحد، فضلاً عما خسرته من جراء انسحاب أكثر من ألف شركة من السوق الروسية وحجبها عن نظام السويفت، وحجم سوق الأسهم الروسية المالي لايتجاوز 700 مليار دولار وحجم رأسمال الشركات المتداولة أخفض من سوق أسهم جوهانسبرخ في جنوب أفريقيا (1.1 تريليون دولار)، وتايوان (1.71 تريليون دولار) و هونغ كونغ (4.6 تريليون دولار) و كوريا الجنوبية (1.9 تريليون دولار) وطبعاً لاتقارن بحجم سوق نيويورك (24 تريليون دولار) وناسداك (22 تريليون دولار).
العقبة الكأداء في وجه “حكومة الوحدة الوطنية” العتيدة ستواجه أخطر مشكلة وهي أنه فضلاً عن أنها محرومة من 40 بالمائة مما تنتجه الأرض السورية، فهي مستلبة روسياً وايرانياً، حيث أن الأصول السيادية تقريباً كلها تم منحها للايرانيين والروس/ حيث لم يبق مثلاً أي مرفأ سوري في سوريا كلها تدار روسياً، وتم تكبيل 63 % من سوريا بأكثر من 51 اتفاقية إذعان مع إيران وأكثر من 60 اتفاقية إذعان مع روسيا يصل طول بعضها إلى 74 عاماً/ مثل اتفاقية مرفأ طرطوس التي مدتها مع الروس 49 عاماً تمدد تلقائياً لمدة 25 عاماً! بل إن الاتفاقية تنص على أن للروس الحق “في سطح الحبر وقاع البحر”!
يضاف إلى ماسبق فإن “حكومة الوحدة الوطنية الشيشانية- السورية” ستلتزم بالديون الإيرانية (تدعي إيران أنها 50 مليار دولار) وكذلك الديون الروسية، بمعنى أنه لايكفي الروس والايرانيين مافعلوه من قتل وتهجير 13 مليون سوري بل على عشرة أجيال قادمة دفع الديون والالتزام بالعقود التي وقعها نظام الأسد كي يلزم الأجيال السورية القادمة بها، خاصة أن “المعارضة المبدعة” تقرّ بأن ايران وروسيا “ضامنتين” للحل السياسي لابل إنهم يطالبون بالقرار “2254” حسب الفهم الايراني- الروسي طبعاً.
إن احتمالات إعمار منطقة النفوذ الروسي التي تمثل 63 % من مساحة سوريا، والنهوض بالاقتصاد السوري ورفع السوية المعاشية ل95% من السوريين الواقعين تحت خط الفقر ضعيفة جداً، عبر مسار آستانا-سوتشي وستنتهي بتدمير ماتبقى من اقتصاد سوري وتنفر السوريين وتزيد هجرتهم أرضهم كي تكتمل فرحة النظام الإيراني بالتغيير الديموغرافي وتنفيذ مشروعه في المنطقة.
إن مؤشرات أداء الاقتصاد الروسي السيئة توحي بتنفيذ ماتعرفه الإدارة الروسية في إدارات الدول وستسنسخ صورة أكثر تشويهاً للاقتصاد السوري المنهك، حيث أن فاقد الشيء لايعطيه، حيث احتلت روسيا المرتبة 137 من أصل 180 دولة من حيث الفساد (بحسب منظمة الشفافية الدولية2022)، صنفت روسيا على أنها أسوأ 38 دولة في العالم على مؤشر سيادة القانون وفقًا لمشروع العدالة العالمية 2021، حيث احتلت المرتبة 101 من أصل 139 دولة، ومن حيث القيود على سلطات الحكومة روسيا أسوأ عشر دول في العالم 139/129، وعلى مؤشر غياب الفساد روسيا أسوأ 50 دولة في العالم حيث هي الدولة 88 من أصل 139، وفي الحقوق الأساسية روسيا أسوأ 25 دولة في العالم 114 من 139، ومن حيث العدالة الجنائية روسيا أسوأ 18 دولة في العالم تموضعت على المرتبة 121 من أصل 139…فما هي التجربة الإدارية التي سيطبقها الروس في سوريا؟ وخاصة إذا أضيف لها الفشل الإداري الكهنوتي الإيراني؟ عندها ستصبح سوريا أفشل دولة في العالم لأن من استلم دفتها هو أسوأ الإدارات.
إذاً من كل ماسبق يصعب تصديق تحقق أي بند من ركائز الإعمار الأساسية من الأمان، وكذلك استحالة تحقق العدالة والمصالحة بوجود نظام الأسد وأدواته الأمنية فضلاً عن إيران وروسيا، ولايمكن تحقق الرفاه الاجتماعي بل إن السوريين سيعيشوا أوضاع أكثر كارثية وانخفاض قيمة الليرة السورية التي قد تصل 100 ألف ليرة للدولار كما هو الحاصل في لبنان وايران هي المتسبب نفسه في ذلك الانهيار الاقتصادي في سوريا ولبنان، وأما البعد الرابع في الإعمار وهو الحوكمة والمشاركة ستكون مستحيلة في ظروف احتلال ايراني روسي وتواجد نظام الأسد وانعدام الحريات والقمع المستمر، حتى أن عشرين لقاء آستانا لم تتحدث بياناته عن إخراج المعتقلين ولاعن مصيرهم فضلاً عن عدم تواجد بيئة آمنة حقيقية ليعود اللاجئين السوريين والنازحيين بيوتهم حتى يشاركوا في نهضة سوريا، لذلك فإن مسار آستاذنا-سوتشي سيحول 63% من سوريا لجمهورية الشيشان السورية وتبقى ورقة بيد ايران وروسيا للمساومة على صفقات سياسية خارج الجغرافيا السورية، الأمر الذي سيجعل منها نموذج فشل اقتصادي وإداري يحاكي تجربة فنزويلا التي ألغت سبعة أصفار من عملتها أو تجربة زيمبابوي التي ألغت 12 صفراً من عملتها.