المصدر: المحمرة
أحمد مظهر سعدو
طالما كان نظام دولة الملالي في جغرافية إيران السياسية يُصمغ آذاننا بشعاراته الخشبية، ومنها بالضرورة شعار وحدة الساحات، الذي كان الحامل الأهم لمايسمى دول محور (المقاومة والممانعة) وكل التنظيمات والمليشيات التي تتبع بالمآلات لتوجيهات دولة الملالي في طهران. لكن مايجري لأهلنا في قطاع غزة، وهذا الدمار والقتل المتواصل وتلك الحرب الإبادية الفاجرة والواقعة فوق رؤوس الناس والبلاد في غزة هاشم. واستمراها لماينوف عن خمسين يومًا دون وجود أية بارقة أمل في الوصول إلى وقف فوري لإطلالق النار، والموقف الإيراني المتفرج على كل هذا الاستهداف الفاشيستي، والاكتفاء بممارسة الألعاب النارية التي تقوم بها بعض أدوات نظام الملالي في كل من لبنان /حزب الله، واليمن / الحوثيين، والمليشيات العراقية في كل من العراق وسورية، ومشاغلة العدو الصهيوني (المفترضة) دون أي تفكير حقيقي بمشاركة جدية وازنة، يمكن أن تؤيد مصداقية شعار (وحدة الساحات) ..كل هذا الموقف الإيراني المخاتل وسياسة التبرؤ من احتمالات دعم (حماس) والتخفي وراء مقولة (لم نعلم بماحصل في طوفان الأقصى، ولا قدرة لنا على لجم المقاومة، يؤكد من جديد على مدى (خلبية) وأوهام كل شعارات إيران، وعدم مصداقيتها، لمن لم يكن قد اقتنع بذلك قبلًا . اليوم ومع حضور العدوان المستمر على غزة وأهلها العرب المسلمين، تنكشف أكثر وأكثر كل ادعاءات نظام الملالي، وتتعرى تباعًا جل أدوات الإيرانيين أتباع مشروعهم الفارسي الطائفي، وتنكشف يومًا إثر يوم، كل حالات التخفي، كما تتبدى للعيان حالات اقتناص الفرص، واستغلال دماء الفلسطينيين المراقة على أرض غزة واستثمارها، والاتكاء عليها، وصولًا إلى حالات تمدد أوسع وأكثر كولونيالية في الواقع والجغرافيا السورية، مع علاقات تشابكية مصلحية براغماتية مع الاتحاد الروسي، الذي يحاول مناكفة الغرب في الساحة السورية، من خلال إفساح المجال لمزيد من الهيمنة والسيطرة على مساحات أكثر في الجغرافيا السورية، عبر سياسة غض النظر، واللعب مع الشريك الأهم للروس في المنطقة، وهم الإيرانيون، ضمن مفاعيل حرب غزة ومايمكن أن تسفر عنه من تغيرات في المنطقة، تحاول روسيا ومعها إيران اقتناصها والاستفادة منها، وليكون آخر همهم وقف الحرب الإبادية ضد شعب غزة المنكوب، والذي يتعرض اليوم لأقسى ظروف القهر والعهر الغربي والصهيوني، وبالضرورة والتساوق في ذلك مع سياسات إيران الشعاراتية، والفرجة الكبرى التي تمارسها دولة الملالي على حساب الدم الفلسطيني، والدمار الهائل للبنية التحتية في غزة، والمشاركة في رسم ملامح (اليوم التالي) مابعد حرب غزة، واحتمالات إعادة التموضع بكليتها وانعكاساتها على مجمل الانزياحات الجارية في المنطقة.
ولايبدو أن دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرًا للمشاركة في مؤتمر القمة الخليجي وهي الأولى من نوعها، بلعيدة عن استطالات وتشوفات ومراقبة الإيرانيين في ظل استبعاد الرئيس الإيراني، عن هكذا قمم، ومدلولات ذلك، وانعكاساته على قضايا المنطقة وتموضعات الإيرانيين وفق ذلك .
من حيث المبدأ فإن انفضاض عقد فكرة وحدة الساحات بالواقع الممارس، عبر الفرجة الإيرانية على مايجري، هو من أهم المنعكسات التي ستكون من نواتح العدوان على غزة، ومن ثم الدعوة الوطنية الفلسطينية إلى مبادرات جديدة تُفضي إلى التخلي عن ادعاءات وجود محور الممانعة الذي لم ينتح أي شيء إيجابي في أحلك الظروف وأصعبها، مما يمر به شعب غزة، وسط تخلي وصمت عالمي غير مسبوق، على جريمة إبادة جماعية تتنافى مع كل منعرجات ومحددات القانون الدولي الإنساني، وانتهاكًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونحن نمر في ذكراه بعد أيام واذي صدر بتاريخ ١٠ كانون أول/ ديسمبر 1948 عن المم المتحدة، حيث تمارس إسرائيل كل أنواع الاستلاب واختراق وانتهاك مواد حقوق الإنسان، ووصول الأخلاق المعولمة في ذلك إلى مأزق خطير، بتخليها عن أي موقف من الممكن أن يؤدي إلى وقف هذا العدوان الإبادي.
ولن تكون بعد الآن من إمكانية لدى نظام الملالي في إيران ومعه النظام السوري المجرم صاحب اللقب العالمي (ملك الكبتاغون) وكل التوابع والحلفاء، في التلطي وراء شعارات وحدة الساحات الوهية، حيث أثبت الواقع للجميع عبثيتها ولا مصداقيتها وقدرتها على التخفي، وترك الشعب الفلسطيني يُلاقي مصيره بنفسه، دون أي وازع من ضمير أو أخلاق أو دين، أو أي انسانية، قبل أن نقول الانتماء المفترض للإسلام ولجمهور المسلمين، حيث يتعرى نظام الملالي الايراني وينكشف، ويتبين للقاصي و الداني أن لاهم له أن يُترك المسلمين في غزة يبادون، لكن الأهم كان دائمًا وأبدًا هو تمتين أواصر بنيانه، في إعادة قيامة امبراطوريته الفارسية البائدة على يد العرب والمسلمين، وكما نعلم فإن انهيار امبراطورية (كسرى أنو شروان) ما انفكت لتكون عملية إعادة إحيائها من جديد مسارًا يريد إعادة انجازه، على حساب الشعوب (العربي الأحوازي) وغيره من الشعوب المحتلة داخل جغرافية إيران السياسية، والشعوب العربية المجاورة، ومعها التركية، فيما لو أتاحت لهم الظروف ذلك، على حساب كل العرب وكل المسلمين في المنطقة، من منطلق أن انتماءهم الأهم هو لفارسيتهم، ومشروعهم الفارسي، وليس للدين الإسلامي الحنيف.