د. باسل معراوي
كما أسّس الأسد الأب حزب العمال الكردستاني التركي في بدايات ثمانينيات القرن الماضي ، لإستعماله كورقة إرهابية أمنية وعسكرية لتهديد أمن تركيا والضغط عليها في ملفات عديدة ، ثم المساهمة بتسليمه لها عندما أدّى أغراضه وأصبح عِبئاً عليه ، كذلك أسهمت مخابرات الأسد الإبن عام 2003 في تأسيس فرع سوري لحزب العمال التركي ، ودعمه لكي يكون القوة الكردية الرئيسية في الساحة الكرية السورية وبالتالي ابقاء تلك الساحة تحت السيطرة…..
وفي عام 2013 ومع سيطرة قوى الثورة السورية على أجزاء شاسعة من الجغرافيا السورية وطرد ميليشيا نظام الأسد منها ، بات النظام بحاجة لتجميع قواته وسحبها من مناطق كثيرة لكي يدافع بها عن مراكز المدن الكبرى ، حيث تَمّ تسليم ميليشيات الbyd مناطق شاسعة من محافظة الحسكة وبعض مناطق أرياف حلب الشمالية والشرقية ( عين العرب وعفرين وغيرهما ) بل حتى أحياء تسكنها غالبية كردية في مدينة حلب نفسها….
وقامت ميليشيات الحزب بدور كبير لاتستطيع ميليشيا الأسد القيام به ، حيث ساهمت بالقضاء على الحراك الثوري للأخوة الأكراد الباكر مع بقية الشعب السوري ، وإرتكبت مجازر بحق الأحرار منهم ، و تم تتويجها باغتيال المناضل مشعل تمو رئيس تيار المستقبل ، وتمّ إجهاض المساهمة الكردية في الثورة السورية وبالتالي السيطرة على القرار الكردي بقوة السلاح اط وإرهاب الميليشيات ودعم نظام الأسد ، وعهد الأسد لتلك الميليشيا بإدارة مناطق واسعة وتمكينها على الأرض ودعمها بما تحناجه من السلاح والمال ….
وكانت خطة نظام الأسد من ذلك الدعم لميليشيا الbyd للحصول على ثلاثة أهداف كبرى من وراء ذلك:
1– إجهاض الحراك الكردي في الثورة السورية ، وإظهار أنّ فئة مُحدّدة من السوريين العرب تثور عليه وبالتالي تثبيت سردية النظام في محاربته للإرهاب العربي السني الطائفي وتثببت سرديته في حماية الأقليات القومية والدينية ، و ذلك لإبعاد الأقلية الكردية عن المشهد العام للثورة ، حتى لايبدو ثورة شعبية على نظام مستبد….
2- العمل على إحداث شرخ في العلاقة الأخوية التاريخية ببن العرب والأكراد ، وتعميق هذا الشرخ للوصول لحرب أهلية ببنهما ، لن يستفيد منها سوى النظام والذي يُقدّم نفسه ضابطاً لكل الصراعات والتناقضات تحت مظلة الإستبداد وجبروته.
وتمكّن الأسد من إيقاع تلك الوقيعة عبر ممارسات حزب الbyd في القتال الى جانب ميليشياته في معارك كثيرة ، والإسهام في حصار أحياء حلب الشرقية ، وممارسة الأفعال العنصرية بحقّ العرب والتركمان وغيرهم عبر ضرورة الحصول على فيزا وكفيل لزبارة مناطق سيطرته ، وترفيق قوافل المسافربن عبر مناطقه وكأنهم أعداء او غرباء ، وفرض جندية إجبارية على من بقي من العرب في مناطق سيطرته ، وأفعال يندى لها الجبين من قبام ميليشيا الحزب الارهابي تحت غطاء جوي روسي والإستفادة من سياسة الأرض المحروقة في بدايات عام 2016 حيث أقدم على احتلال عشرات القرى العربية حول تلرفعت ووصلها بمناطق سيطرته في عفرين ، حيث إرتكب في تلك الحملة التطهير العرقي وتجريف القرى وتغيير أسماء بعضها .
3–خلق مشكلة للدولة التركية مع حزب إرهابي تحاربه منذ أكثر من اربعين عاماً ، بمعنى معاقبة الأسد لتركيا بسبب دعمها للثورة السورية وتوفير الدعم الإستراتيجي لها واحتضان السوريين الفارين من جحيم إرهاب الأسد وتامين مستلزمات العيش الكريم لهم في داخل تركيا ، أو في مناطق الشمال السوري المحاذية لأراضيها، وبالتالي تركيز جهود القيادة التركية في حربها على العدو الإنفصالي الذي يُهدّد صميم أمنها القومي ، وصرف نظرها عن دعم الثورة السورية ، و الوصول لمرحلة مقايضة فيما بعد ببن تخلي كل من النظام عن دعم الbyd مقابل تخلي تركيا عن دعم قوى الثورة السورية..
وتمكنت تركيا وفصائل الثورة السورية من إجهاض مخططات الأسد وداعميه عبر إحباط إنشاء الممر الإرهابي داخل الأراضي السورية وعلى حساب الشعب السوري والذي يُطوّق تركيا من الجنوب ، وتم القبام باربع عمليات عسكرية مشتركة ( لحد الآن ) بدأت بدرع الفرات ثم غصن الزيتون فنبع السلام ودرع الربيع في إدلب قطعت حلم الثعبان الأصفر الأوجلاني في وصل جنوب تركيا وشمال العراق وشمال سوريا وصولاً للبحر الأبيض المتوسط ، بحيث يكون مشروع روج آفا أمراً واقعاً على الأرض ، ويساهم في تقطيع أوصال سوريا لكانتونات متنازعة متحاربة وبالتالي ليس الإجهاز على مشروع الثورة السورية فقط بل على الوطن السوري برمّته.
وجدت الولايات المتحدة ضالتها في تلك الميليشيا العقائدية المنضبطة بقيادة مركزية للتعاون معها في الحرب على الإرهاب ، وبما أنّ تلك الميليشيا مكروهة من الكرد والعرب والترك ، فإنّ من السهولة للولايات المتحدة السيطرة عليها وعدم تمرّدها عليها في المستقبل ورميها في سلة النفايات عند الانتهاء منها…..
بعد تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب من عشرات الدول بقيادة الولايات المتحدة ، كانت ميليشيا الbyd النواة الصلبة لتشكيل ماعُرِفَ لاحقاً بقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) والتي كانت الحليف المحلي للتحالف الدولي على الأرض، ومنذ عشر سنوات وهو عمر التحالف لم تتعامل الولايات المتحدة مع تلك القوات إلا عبر وصفها بميليشيا عسكرية لأغراض محاربة تنظيم الدولة دون أيّ بعد آخر ، كتمثيل المنطقة المُستردّة من داعش والإعتراف بحكم ذاتي شرعي لإدارة تلك المناطق ، بل إدارة شؤون السكان كسلطة أمر واقع…..
وما يسمى (بالإدارة الذاتية ) وهي الذراع الإداري لتلك القوات أو مايُعرف ب (مسد) وهو الأحرف الأولى من كلمات مجلس سوريا الديمقراطية وهو الذراع السياسي لقسد ، لايَحظيان بأيّ اعتراف أمربكي ، ولم تَحرص أو تسعى واشنطن بمحاولة إشراكها بأيّ مرحلة من مراحل الحل السياسي كجولات التفاوض في جنيف أو اللجنة الدستورية ، ولاتحظى مكاتبها في الخارج بأيّ شرعية من الدول التي تضمّ تلك المكاتب …
وبات رغبة ( او حجّة ) واشنطن بالفصل بين قنديل وقسد هي من تَخرّصات الماضي ، حيث تأكد الجميع بما فيهم واشنطن أنّ الفصل بين الأم وجنينها مستحيلاً..
مارست قسد معظم أعمالها القذرة في حكم تلك المناطق ، حيث غَيّرت مناهج التعليم وسرقت الموارد وغيّرت أسماء مدن وقرى ، وجرّفت بعضها ، ومارست كل أشكل التميبز العنصري بحق مكونات المنطقة ، ونال الكرد ( المخالفبن لها وهم الأغلبية ) نصيب وافر من الظلم والإضطهاد، وتم تهجير عشرات ألولوف الشباب الكرد إلى كردستان العراق وتركيا وأوربا ، وعملت في اواخر العام الماضي على البدء بشرعنة نهجها الإنفصالي عبر إصدار( مسخ مشوّه ) من عقد اجتماعي مزعوم لشعوب شمال وشمال شرق سوريا ، ولم ينل ذلك الإعلان إلا الإستنكار والإدانة من السوريين جميعاً…..
وكان من أواخر مراهقاتها السياسية نِيّتها في إجراء إنتخابات بلدية في مناطق سيطرتها لإكساب سلطة الأمر الواقع على الارض شرعية شعبية ، تُمكّنها لاحقاً من طلب إجراء إستفتاء على حق تقرير المصير ، يُتيح لها إقتطاع جزء من الارض السورية وإقامة دويلة قنديلية عليها…
وكان الموعد المقرر لإجراء تلك الإنتخابات هو 11 حزيران الحالي ، وقد إستعدّت له ( الإدارة الذاتية ) بإجراءات ترهيب وتهديد بقطع كل الخدمات التموبنية وعرقلة كل المعاملات لمن لايشارك بمهزلة الإنتخابات المنوي إجراؤها.
بالطبع لاقت تلك الخطوة إنتقادات واحتجاجات من عموم سكان الجزيرة والفرات ، بل ومن ضمن تيارات رئيسية في قسد والادارة الذاتية ، كما لاقت تلك الخطوة إنتقادات لاذعة من الخارجية الأمريكية ، وتهديدات من مختلف المستويات في القيادة التركية والمعارضة حول ضرورة القيام بعملية عسكرية خامسة في الشمال السوري إذا ما تمّ إجراء تلك الإنتخابات ، ويبدو أنّ الرسالة التركية ، إضافةً للعوامل الأخرى هي من فرض على (الإدارة الذاتية) الإعلان عن تأجيل تلك الإنتخابات إلى شهر آب القادم ، وبعد شهر آب سيتمّ تأجيلها إلى إشعار آخر ، مع العلم أنّ نظام الأسد لم يُصدِر أيّ موقف آدانة حول إجراء تلك الإنتخابات وذلك لإزعاج الأتراك أولاٍ والسماح له بإجراء إنتخابات ( مجلس شعبه )في هذا الشهر في تلك المناطق التي تَدّعي قسد بالسيطرة عليها ، بينما تنتشر دوائر حكومية لنظام الأسد ومربعات أمنية وميليشيات وقواعد عسكرية ضمن تلك المناطق.