قبل عامين، وبعد تحرير المناطق الشمالية المحتلة من أوكرانيا، تجلت أمام العالم كله عواقب الجرائم الرهيبة التي ارتكبتها القوات الروسية ضد السكان المدنيين. ومع ذلك، ما زالت ترتكب القوات الروسية جرائم في جميع الأراضي المحتلة الأخرى.
ومن بين جرائمها المرتكبة التي تثير الاشمئزاز العنف الجنسي. يمارس العدو العنف الجنسي المرتبط بالنزاع كسلاح لإضعاف معنويات المدنيين في المناطق المحتلة وقمع إرادتهم، وذلك لزيادة الخوف والسيطرة عليهم وإلحاق إصابات جسدية ونفسية طويلة الأمد. ويفيد تقرير صدر عن مكتب المدعي العام الأوكراني بأنه اعتبارًا من أبريل/ نيسان 2024 وقعت 287 حالة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع ومن بينها الاغتصاب والتشويه والعنف ضد الأعضاء التناسلية، والإجبار على خلع الملابس والتهديدات والإجبار على مشاهدة الاعتداء الجنسي على أحبائهم. ومن بين الضحايا 102 رجلين و185 امرأة و15 قاصراً من بينهم 14 فتاة وصبي واحد تتراوح أعمارهم من 4 إلى 82 سنة. وفي كثير من الأحيان، كان بعض الأفراد من نفس الأسرة يضطرون إلى سمع أصوات التعذيب الممارس على أفراد أسرتهم الآخرين وهم في الغرفة المجاورة.
يذكر مكتب المدعي العام الأوكراني قصة امرأة من خيرسون تعرضت للعنف، حيث تروي: “كانت امرأة، وهي أم لثلاثة أطفال، تركب دراجة عبر نقطة تفتيش حيث كان هناك جندي روسي. فهاجمها وبدأ في اغتصابها. وبعد أن أدركت أنها لن تفلت من بين يديه اندفعت إلى حقل الألغام غير مهتمة بما قد يحدث لها وإما تموت إما تنجو. كانت محظوظة ونجت بالفعل دون أن ينفجر فيها لغم”.
يختلف العنف الجنسي بشكل كبير عن جرائم الحرب الأخرى لأن الموضوع حساس للغاية ويترك وصمة عار على الضحية في الوقت نفسه، ولهذا السبب يفضل معظم الضحايا التزام الصمت. بالإضافة إلى ذلك، من المستحيل الإحصاء الدقيق لعدد حالات الجرائم المرتكبة في الأراضي الأوكرانية المحتلة مؤقتًا، ولا سيما في مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك. رغم ذلك، هناك شاهدات السجناء الذين سجنوا بشكل غير قانوني في غرفة التعذيب “المنفردة” في دونيتسك.
وفي هذا الصدد لا بد من ذكر جرائم خطف الأطفال الذين يتراوح عددهم بين 19.5 ألف وفق التقارير الرسمية إلى 700 ألف وفق مروجي الدعاية الروسية. وللأسف الشديد، لا يزال مصيرهم في روسيا مجهولًا. وفي الوقت عينه لا يستبعد أن الأطفال المختطفين، ولا سيما الفتيات المراهقات، يتعرضون للعنف الجنسي هناك. ولذلك، فإن عدد حالات جرائم العنف الجنسي قد يكون أعلى من ذلك بكثير.
إن تصرفات قوات الاحتلال الروسية تحمل طابع الإبادة الجماعية بحق سكان أوكرانيا جيث يرغب الروس في إبادة أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين جسديًا ومعنويًا، سواء على مستوى قيادة الدولة المعتدية أو على مستوى السكان، كما يتضح من اعتراض اتصالات المحتلين لعائلاتهم التي تحثهم على “اغتصاب النساء الأوكرانيات”.
وتستخدم قوات الاحتلال العنف الجنسي كسلاح نفسي لإهانة ضحاياهم مما يحرمهم من السلامة الجسدية والعاطفية. استنادًا إلى البند (د) من المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها الذي ينص على أن فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة يعد إبادة جماعية، يمكن إدراج ممارسات الروس للعنف الجنسي ضد المدنيين تحت هذا البند.
إن أساليب العصور الوسطى في قتال القوات الروسية ضد السكان في أوكرانيا غير مقبولة في عصرنا هذا، في حين يسعى العالم المتحضر برمته إلى تحقيق المساواة بين المرأة والرجل. ولذا، يجب ألا تفلت روسيا باعتبارها دولة معتدية ومواطنوها المتورطون في جرائم تتعلق بالعنف الجنسي من العقاب.