أسامة آغي
لا يخفى على أحد من المراقبين للصراع في سورية وعليها أن هذا الصراع لم يعد صراعاً بين نظام استبدادي دمّر الحجر والبشر، بل تحوّل إلى صراعات بين أجندات إقليمية ودولية على أرض سورية، وخير دليل على ذلك وجود جيوش عسكرية لدول عديدة في هذه البلاد.
لهذا، ووفق هذه الحقيقة التي يتنفسها السوريون المغلوبون على أمرهم في مختلف مناطقهم أو مناطق نزوحهم ولجوئهم، يمكن القول عن الرؤية الحقيقية للحل السياسي الشامل في سورية، بأنها رؤية لا يمكن أن تكون فاعلة ومفيدة عبر تنفيذ ما يخدم توافقات جزئية بين دولٍ منخرطة في الصراع السوري، لأن هذه التوافقات وببساطة تُغمض العينين عن جوهر هذا الصراع ونتائجه المرعبة، فتتجاوز بغير حقٍ جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبها النظام الأسدي ولا يزال يرتكبها بعد انقضاء أكثر من ثلاثة عشر عاماً على انفجار الثورة السورية عام 2011، أي تجاوز “العدالة الانتقالية”.
إن فتح المعابر بين مناطق سيطرة نظام أسد ومناطق خارجة عن سيطرته تخضع لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة المنبثقة عن الائتلاف الوطني لا يخدم في الحقيقة سوى النظام الأسدي، لأن فتحها يؤدي إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية عليه، وهذا يتعارض عميقاً مع الهدف الرئيس من فرض هذه العقوبات، والتي تستهدف إجبار النظام الأسدي على الانخراط في العملية السياسية على قاعدة قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
فتح المعابر هو إرادة روسية الغاية منها منح نظام الأسد صفةً شرعية، في وقتٍ عرقل الروس فيه أكثر من ثلاثة عشر مشروع قرار دولي يدين نظام الأسد، وهذا يعني محاولة روسية صريحة للالتفاف على القرار الدولي وعلى العقوبات المطبقة عليه منذ سنوات.
فتح المعابر يقود أيضاً إلى فتح منافذ جديدة لتهريب الكبتاغون نحو تركيا المجاورة ومنها نحو بلدان القارة الأوربية، هذا التهريب هو من يرفد نظام الأسد بالأموال اللازمة لاستمراره في رفض الحل السياسي المستدام وفق القرارات الدولية ذات الصلة.
يأتي موقف الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة وفق هذا الاتجاه، حيث عبّر رئيس الائتلاف الوطني المهندس هادي البحرة عن رؤية الائتلاف عبر منشورٍ على صفحته في منصّة X.
يقول البحرة في منشوره:
“الحل القابل للاستدامة في سوريا لا يكمن بالوصول لتفاهمات بين الدول والنظام لحماية مصالحها وأمنها، وإنما بإقناع السوريين داخل سوريا، والنازحين، واللاجئين، والمهجرين، والمهاجرين بأنه قد بات لديهم دولة فيها دستور ينفّذ ويُحترم، وقوانين تضمن أمنهم الخاص وأمن المجتمع، وتضمن حقوقهم، وتكفل حرياتهم، وتؤمن لهم فرص الحياة الحرة، والكريمة، والآمنة، والمستقرة، دولة يمكنهم البقاء فيها أو العودة إليها”.
هذه رؤية لطبيعة أهداف الثورة السورية، وبالتالي فالائتلاف الوطني السوري وعبر منشور رئيسه يؤكد على ثبات مواقف الائتلاف الوطني كمؤسسة قيادية معترف بها من المجتمع الدولي، وهذا الموقف يوضح ببساطة شديدة أن فتح المعابر بين مناطق يسيطر عليها نظام أسد وميليشياته، ومناطق قدرت قوى الثورة من تحريرها لن يخدم سوى النظام ومصالح إقليمية ذات طابع سياسي مؤقت.
إن الذهاب باتجاه خطوة فتح معبر أبو الزندين في منطقة الباب السورية شرقي حلب، ربما يعتقد من يسعى إلى ذلك أنه يُبدي حُسن نية حيال إعادة العلاقات مع النظام الأسدي، مترافقاً ذلك مع تصورٍ أن فتح المعبر المذكور أو معابر أخرى يمكن أن يخلق قاعدة لتوافق بينه وبين نظام أسد لمحاربة إرهاب PYD/PKK.
هذا السعي لا يقرأ حقيقة أن النظام الأسدي في عهدي الأب والابن هو من ساهم بوجود واستمرار هذه الميليشيات الإرهابية التي تشنّ حرب عصابات على تركيا، ولها مشروعها الخاص بها العابر للحدود الوطنية السورية أو التركية، فعلاقة هذه الميليشيات عضوية مع نظام أسد، ويستخدم ذلك حين تتطلب مصلحة بقائه.
إن فتح معبر أبو الزندين أو فتح الطريقين (الطريق M4 والطريق M5) أمام حركة النشاط الاقتصادي يخدم النظام الأسدي ولا يخدم قوى الثورة أو تركيا، لأنهى ببساطة سيفتح درباً لتهريب الكبتاغون وطريقاً لتسلّل الإرهابين.
إضافة إلى ذلك، إن فتح معبر أبو الزندين يبدو وكأنه مكافأة لنظام الأسد لكي يتخفّف من ضغط العقوبات التي تحاصر نظامه، سيما وأنه يوماً بعد يوم يتعرّض إلى مزيد من خطوات سياسية دولية تطالب بمحاكمته على ارتكابه جرائم كبرى مثل استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين في الغوطتين وفي أكثر من مكان آخر.
إن الثورة التي تفجّرت في شهر آذار عام 2011 هي ثورة سورية سلمية وإن الحل السياسي الوحيد والحقيقي هو الحل المرتكز على تنفيذ القرار 2254 دون تسويف. وإن منع فتح معبر أبو الزندين هو قرار يعود لقوى الثورة والمعارضة وفي مقدمتها الائتلاف الوطني السوري، وبالتالي، فإن مسؤولية الحكومة السورية المؤقتة المنبثقة من الائتلاف الوطني تتلخص بالتأكيد على موقف قيادتها السياسية، ونقصد الائتلاف الوطني.
كذلك لرفض هذه الخطوات ينبغي العمل على مزيد من استنهاض الحاضنتين الشعبية والثورية بما يساهم في الالتفاف حول موقف الائتلاف الوطني، من خلال المظاهرات السلمية والاعتصامات ومنع عبور الشاحنات.