خاص – أسامة آغي
حقيقة الواقع
هل تريد تغيير الواقع في الشمال السوري المحرّر (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام)؟
هذا ممكن في حالة عرفت حقيقة هذا الواقع بصورة ملموسة، ولديك القدرة على امتلاك شروط التغيير، ووضعت خطّة عملية ممكنة متدرجة لتنفيذه.
إن معرفة الواقع تحتاج معرفة مكوناته الفاعلة فيه، وآليات عمله، والشروط الممكن توفرها لتغييره، وهذا ما ينبغي وضعه على طاولة العمل بهذا الاتجاه.
الحديث عن استقرار الشمال السوري المحرّر حديث ليس للاستهلاك السياسي، فالاستقرار في هذه المناطق يحتاج إلى توفر ظروف تساعد على بنائه بصورة حقيقية، ولعل الحديث عن وحدة الأداة السياسية /الحكومية، التي يهمها انتقال هذه المناطق إلى الاستقرار العام (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) هو بالطبع حجر أساس يرتكز عليه التغيير.
إن الدفع باتجاه عملية استقرار ملموسة في الشمال السوري المحرر يحتاج بالضرورة إلى تظافر القوى الفاعلة بالمشهد العام، الحالي، إذ لا تزال الأوضاع الداخلية في هذه المناطق اقل من المطلوب لإطلاق صفة استقرار شاملٍ عليها.
الاستقرار الشامل، هو استقرار على صعيد الحياة اليومية المعاشية والأمنية والقانونية، بحيث تتوفر قاعدتا هذا الاستقرار دون لبس أو غموض في النصوص، التي تكون مرجعية لكل المؤسسات الحاكمة ولكل الأفراد، الذين يعيشون على تراب هذه المناطق. ولعلّ أهمّ مرتكزات الاستقرار العام تتمثّل بتوفر الأمن الداخلي على كامل مساحة المحرّر، من خلال وزارة مسؤولة عنه تعمل بموجب قوانين لا تنتهك حقوق الإنسان، هذه هي وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة.
والسؤال المشروع حول بنية مكونات الوزارة من الكوادر والعاملين في هذا المجال، هل يتوفر لدى هذه الوزارة كوادر وعناصر مدربة على فرض القانون ضمن حدوده الإنسانية، وبما يتوافق مع خبرات إدارية تمتلكها؟
وهل القوانين التي تعمل وزارة الداخلية في ضوئها تحقق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع على قاعدة المواطنة المتساوية؟
والعامل الثاني الهام في تحقيق الاستقرار هو وجود العدالة، والتي لا يمكن تحقيقها في ظل عدم استقلالية القضاء، فقضاء يمكن الضغط فيه على قضاته لأسباب متعددة ومختلفة، هو قضاء لا يمكن القول عنه أنه مستقل، فالقاضي يجب ألا يخضع لضغوط الحياة المعاشية، وألا يقبل بتدخل أية قوى فاعلة في المشهد العام، فإذا توفر ذلك يمكن القول أن القضاء مستقل ويحقق العدالة بصورة مقبولة.
إن وجود الأمن الداخلي ذا المرجعية الواحدة “وزارة الداخلية” ووجود قضاء مستقل “سلطة قضائية حقيقية” لا يمكن تحقيقهما بغير تمكين الحكومة المؤقتة، ونقصد بالتمكين، أن تقوم الحكومة بمهامها في إدارة شؤون المحرّر على مستويات مهامها وفي إطار التزامها بالأطر المرجعية الضابطة لعملها، والمرتكزة على شروط تشكّلها كحكومة مكلّفة، ونالت شرعيتها من حوزها على ثقة الائتلاف وفق أصول وقواعد عمل النظام الديمقراطي وهو الجسم السياسي الذي اعترفت ورحبت بتشكيله الأمم المتحدة باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري الذي يتطلع نحو الحرية والعدالة والديمقراطية”.
تمكين الحكومة المؤقتة أكثر من ضرورة بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في المناطق المحررة، هذا التمكين وبكل وضوح لا يمكن تحقيقه بغير برنامج عمل يتمّ تبنيه من قوى الثورة والمعارضة بالاتفاق مع الحليف التركي الموجود على أرض هذه المناطق كضامن لها.
تمكين الحكومة المؤقتة ضمن شروط الواقع يحتاج أولاً وأخيراً أن تمتلك هذه الحكومة سلطة إدارية يتمّ من خلالها تنفيذ المشاريع والقوانين، وأن يكون ذلك خارج الحسابات السياسية والشخصية للأشخاص الذين قد يتولون إدارة هذه المشاريع أو الوزارات.
تمكين الحكومة المؤقتة هو تمكين للاستقرار بمعناه الشامل، وبالتالي لا تكون هناك ازدواجية سلطة في أي مستوى من مستويات إدارة شؤون المحرر. فلا يمكن قبول مفهوم أن يكون المجلس المحلي في أي مدينة من مدن الشمال المحرر مستقلاً في قراراته خارج مرجعيته وزارة الإدارة المحلية التي يتبعها، وكذلك خارج مرجعية تشكيله واختيار أعضائه، والتي ينبغي أن تكون عبر انتخابات محلية شفافة وتحت الرقابة، ليختار الناس ممثليهم دون ضغط أو إكراه.
تمكين الحكومة المؤقتة لتصبح السلطة الإدارية الوحيدة التي تنهض بشؤون المحرر، هو الباب الرئيسي لفرض القانون على كامل هذه المناطق، وهو المدخل لاستقطاب أي استثمارات اقتصادية بأي فرع من فروع الاقتصاد.
وحين نتحدث عن الاستثمارات فنحن نتحدث عن المتوسط والكبير فيها، أي أننا نتحدث عن صناعات تستقطب الأيادي العاملة الكبيرة، سواء كانت هذه الصناعات لمنتجات غذائية تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي، أو صناعات أخرى مختلفة. وكذلك الأمر في تطوير بنى الزراعة من حيّز الإنتاج الصغير والحيازات المحدودة، إلى مستوى الإنتاج الكبير عبر الشركات الزراعية الاستثمارية.
هذا الأمر ينسحب على استثمارات القطاع الخدمي المختلفة، المعنية بتقديم الخدمات المطلوبة بصورة متقدمة تراكم من الدخل المحلي لهذه المناطق.
تمكين الحكومة المؤقتة يعني تمكين فرض الأمن بصورة احترافية عبر الأجهزة المختصة، وهذا ينعكس على الاستقرار الأمني الداخلي وعلى استقرار الحدود السورية التركية، وبالتالي ينعكس إيجاباً على أمن الحليف التركي.
إن الاستثمار ابن شرعي للاستقرار، فإذا لم يتحقق الاستقرار بصورة ملموسة سيكون هناك خشية من عدم إقدام رؤوس الأموال للاستثمار في الشمال السوري المحرر، وهذا أمر يجب معالجته على كل الأصعدة الداخلية والسياسية ومع الحليف التركي، والذي هو القوة الأكبر للمساعدة في فرض هذا الاستقرار دون أوهام ودون شعارات لا مرتكز لها في الواقع.
الاستقرار والاستثمار هما على علاقة جدلية، أي كل منهما يؤثر سلباً أو إيجاباً على الآخر، فإذا كان هناك استقرار حقيقي فهو سيلعب دور الجاذب للاستثمارات، أما غيابه فهذا سيجعل الاستثمار يهرب بحثاً عن مواقع آمنة يتنفس فيها. فالاستقرار الحقيقي يشجّع رؤوس الأموال على الاستثمار، فالكل يعرف أن رؤوس الأموال تبحث عن فرص استثمارية آمنة، ولهذا فهي لا تغامر، وقالوا في ذلك أن راس المال جبانٌ.
فهل لدى الجهات التي تحمل مشروع الاستقرار الشامل والاستثمار في الشمال السوري خطة متدرجة لفرض الاستقرار ثم جلب الاستثمار وتهيئة البيئة السكانية لذلك؟ هل تتوفر الخبرات التقنية لدى الباحثين عن فرص عمل في القطاعات الاقتصادية؟
السوريون ينتظرون خططاً ملموسة لبناء الاستقرار الشامل الجاذب للاستثمار، فلندفع جميعاً بعربة الواقع في هذا الاتجاه.