أسامة آغي
الديمقراطية مطلب حقٍّ لجميع فئات الشعب السوري، هذا المطلب، ينبغي أن تكون هناك ضوابط قانونية لممارسته، وشروط موضوعية لتحقيقها، أما أن تكون الديمقراطية قناعاً لتهديم أي جهد وطني ثوري حقيقي، لخلق الاستقرار في الشمال السوري المحرّر، فهذا أمر مرفوض، سيما وأنه وبحجة التعبير عن الرأي يقوم بعض المتضررين من جعل الشمال المحرّر منطقة استقرار بأعمالٍ لا تمّتّ للديمقراطية وحشد الرأي حيال أي قضية.
هذه الفوضى لا تخدم السوريين الذين يعيشون في هذه المناطق، وهي تبعث برسائل رديئة للمجتمع الدولي، على أن هذه المناطق لا تقبل بوجود حالة استقرار حقيقية فيها، بسبب مصالح ضيّقة لجماعاتٍ، وجدت في هذه الحال بيئةً مناسبةً لفرض نفوذها في مناطقها الصغيرة.
إن الإجراء الوحيد اللازم والضروري لوقف هذه الفوضى في الشمال السوري المحرّر هو الدفع باتجاه حوكمة سياسية رشيدة، أي حوكمة تقوم على إعادة تنظيم السلطات المؤقتة، وهذا لا يمكن تحقيقه بدون قيادة سياسية معترفٍ بها دولياً، هذه القيادة تمثلها مؤسسة قوى الثورة والمعارضة السورية (الائتلاف الوطني السوري).
إن الحديث عن حوكمة سياسية مؤقتة للشمال السوري سيكون حديثاً عن تسوية داخلية في هذه المناطق، بحيث تضمحل كل سلطات الأمر الواقع في الحياة المدنية، والاجتماعية، والخدمية، والاقتصادية، لصالح تمكين الحكومة المؤقتة للنهوض بدورها في إدارة شؤون المحرر، هذه الحكومة، يُشرف على عملها سياسياً وتشريعياً الائتلاف الوطني السوري، حيث هي منبثقة عنه.
الحوكمة السياسية المطلوبة في الشمال السوري المحرر مطلوب منها وضع برنامج عمل علني وملموس ومدعوم من الضامن التركي، بحيث يمكنها إعادة هيكلة لقطاع القضاء والأمن الداخلي، وإعادة تأهيل الجيش الوطني السوري التابع لوزارة دفاع الحكومة المؤقتة ليصبح جيشاً احترافياً مهمته الرئيسية حماية مناطق الشمال في انتظار الانتقال السياسي التام في سورية القادمة.
حين ندعو إلى قيادة سياسية للمحرر، فنحن عملياً نهيّأ الظروف لاستقرار شامل في هذه المناطق، فلا يمكن بناء الاستقرار في ظل ضعف حوكمي حقيقي، وكذلك لنكن واقعيين، لا يمكن القيام بعملية انتخابات ديمقراطية في ظلّ فوضى لا تزال سلطات الأمر الواقع ذات نفوذ فيها، وأن تراجع واضمحلال هذا النفوذ مرتبط جدلياً بقوة حضور حوكمة سياسية، تقوم بالحفاظ على مبادئ الثورة وفي مقدمتها تأطير قوى الثورة وتنظيم فعالياتها لتستطيع دفع عربة الضغط السياسي والشعبي للعملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة على قاعدة قرارتها ذات الصلة بالصراع السوري.
إذاً، المسألة ليست رغبة ذاتية بتشكيل حوكمة رشيدة، بل هي حاجة موضوعية تحتاجها بشدّة مناطق الشمال المحرر، لتحقيق الاستقرار العام، والبدء بالنهوض الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي في هذه المناطق.
الحوكمة السياسية ليست مصطلحاً فانتازياً، بل إعادة الحياة لجزء من مناطق سورية الهامة في ظلّ تأخر الحل السياسي الشامل، الذي ينقل البلاد من حالة تمزقها الحالية إلى حالة انتقال سياسي حقيقي، يسمح ببناء دولة المواطنة والمؤسسات القانونية.
وجود إطارٍ حوكمي في الشمال السوري المحرّر يسمح بوضع برنامج عمل تنفيذي لتعزيز تمكين الحكومة المؤقتة من أجل النهوض بمسؤولياتها الإدارية والخدمية، تحت مراقبة الهيئة العامة للائتلاف الوطني باعتبارها جهة تشريعية تضع القوانين في ظل تأخر الانتقال السياسي الشامل.
الحوكمة السياسية في الشمال السوري، والتي يجب أن يتولى شؤونها الائتلاف الوطني، باعتباره المرجعية السياسية لقوى الثورة والمعارضة أمام المجتمع الدولي، يجب أن تبني عملية إصلاحٍ للحوكمة الحالية القائمة، والتي لا تزال غير قادرة على خلق التوافقات بين جميع القوى الفاعلة في تلك المناطق.
الحوكمة السياسية التي سيقودها الائتلاف الوطني، مطالبة بوضع سياسة إصلاح لقطاع القضاء في الشمال، وتمكينه من الإشراف على السلطتين المؤقتتين التنفيذية والتشريعية، وهذا لن يحدث بدون نص قانوني صريح على استقلالية هذا القطاع.
كذلك الحوكمة السياسية التي سيقودها الائتلاف الوطني السوري مطالبة بوضع خطة إصلاح لجهاز الأمن التابع لوزارة داخلية الحكومة المؤقتة، إذ يجب أن يؤدي هذا الإصلاح إلى تمكين مبادئ حقوق الإنسان واحترامها وعدم انتهاكها من قبل جهاز الأمن الداخلي في الشمال المحرّر.
تمكين جهاز الأمن الداخلي باعتباره سلطة أمنية وحيدة في مناطق الشمال يحتاج إلى تعزيزه دوره كجهة وحيدة تمتلك حق حمل السلاح الفردي واحتكار استخدامه وفق القوانين المعمول بها في هذه المناطق.
إن وزارة داخلية الحكومة المؤقتة، أو وزارة دفاعها هما وزارتان تخضعان للسلطة المدنية التي يقود حوكتها الائتلاف الوطني في هذه المرحلة بانتظار الانتقال السياسي في سورية.
وكي لا يقع جهلٌ بالحوكمة، فإن قيادة قوى الثورة والمعارضة (الائتلاف الوطني) معنية بوضع رؤى الحوكمة قيد المناقشة المستمرة بين جميع فئات الشعب السوري في الشمال المحرّر.
عدم وجود حوكمة يعني ببساطة الموافقة على استمرار حالة الفوضى، وهذا ما يقلق السوريين الطامحين إلى خلق قاعدة استقرارهم، فهم يدركون أنه بدون استقرار وتنظيم الحياة لن يستطيعوا الضغط والتأثير على مواقف المجتمع الدولي لصالح تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وفي مقدمتها القرار 2254 لعام 2015.