إبراهيم الجبين
للوهلة الأولى، قد يبدو المشهد في الولايات المتحدة اليوم كما كان عليه بالأمس في دول جوار سورية؛ ملامح احتكار تمثيلي واختطاف للقرار والإنجاز، وممارسات في الوقت الضائع من أصحاب الذهنيات المنغلقة بحقّ الآخر لمنعه من الاقتراب من النقطة التي يسلّط عليها الضوء، خشية أن ينافسهم على حصتهم من النفوذ أو غيره، فهل انطوى حقاً ذلك العهد الذي عشناه قبل سنوات على أيدي بعض الجهات السياسية خدمة لمصالحها الحزبية، لا عملاً من أجل القضية السورية؟
كان عمل المنظمات السورية الأميركية قبل العام 2016 مقتصراً على البعد الإنساني والخيري وفي أقصى درجاته كان يصل إلى الخروج في مظاهرات أو تنظيم حملات دعائية، قبل أن يكتشف السوريون أنهم ربما يتمكنون من بالتأثير على صنّاع القرار، وعلى جريان ذلك القرار في المؤسسات، في بلاد لا تزال تعدّ القطب الأعظم وصاحبة النفوذ الأوسع في العالم.
ردود الفعل التي رصدناها بعد نشر الجزء الأول من سلسلة المقالات هذه، حول الطريقة العلمية التي اتّبعت لدعم قانون مناهضة التطبيع ومن قبله “الكبتاغون” و”قيصر”، عكست الكثير من عدم دراية البعض بالمفاهيم الأولية، والافتقار إلى “ألف باء” هذا النوع من العمل السياسي المحترف.
فالمقال لم يتهم أحداً بانعدام النزاهة، أو سوء السلوك، ولكنه أشار إلى الكيفية العلمية لنشوء اللوبي، ووضعها مقابل “العراضات الشعبية” والظواهر الصوتية، ورصد المرحلة الهامة والحساسة التي أدّت إلى نجاح السوريين في الفوز بهذه القوانين، عبر مسار جالية كبيرة ومؤثرة في القضية السورية، مثل الجالية السورية في الولايات المتحدة.
ولأن ما يحصل في الولايات المتحدة هو الأهم حالياً ويتأثر به كل السوريين، حاضراً ومستقبلاً، فإنه من الواجب على السوريين في كل مكان، تحليل كل تمظهراته وتسليط الضوء عليها، ونقد السلبي منها إن تطلب الأمر، بموازاة الإشادة بالإيجابي.
مرّت عملية “الضغط” أو “اللوبينغ” بتطور تاريخي متسارع خلال القرنين الماضيين، وذلك عبر اللعب النزيه والذكي على تناقضات القوانين والمؤسسات المترامية الأطراف والاتجاهات.
ومنذ أن كان الرئيس الأميركي السابق يوليسيس غرانت الذي حكم بين عامي (1869-1877) يتناول طعام الإفطار في “لوبي فندق ولارد” قريباً من البيت الأبيض، حيث كان النشطاء يتقاطرون إليه ويقدّمون العرائض والطلبات والشكاوى، والناسُ تبحث عن أنجع الأساليب للضغط والتأثير والتدخل في سياسات الإدارات الأميركية المختلفة. على أن هذه الممارسة ليست عادة أميركية تمامآً، فقد بدأها البريطانيون قبل 100 عام من ذلك التاريخ في أروقة مسارح لندن، حين كانوا يبحثون عن السياسيين المولعين بحضور المسرحيات، لإقناعهم بهذا القانون أو ذاك. وهذا كلّه، كما يتضح من مناخه المرافق، يتطلّب تقاليد رفيعة لا يحققها الضجيج والادعاء وتوزيع الصور.
وفي هذا الجزء، والأجزاء التالية، سننشر شهادات لرؤساء منظمات وشخصيات فاعلة في المشهد السوري الأميركي، لتدعيم الرأي بالوثيقة ولكشف الواقع بغرض الانتقال إلى ما هو أفضل للجميع.
نقطة التحوّل
كُتب الكثير عن مراحل إعداد قانون قيصر والمسار الذي خاضه حتى رأى النور، ولا أهدف هنا إلى سرد القصة من جديد، لكن ما يهمني هو التركيز على تلك اللحظات التي أعتبرها فارقة في التحوّل، لدى السوريين الأميركيين من العمل التقليدي (الخيري) إلى (المناصرة) واللوبينغ.
عن ذلك يقول الدكتور بكر غبيس المدير التنفيذي الحالي لمنظمة C4SSA في تصريحات خاصة بموقع غلوبال جستس سيريا نيوز: “بعد أن قدّم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، النائب إليوت أنجل، مشروع قانون قيصر عام 2016، استمر في دوائر الكونغرس لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، ولم يستطع العمل التقليدي للجالية السورية الأميركية والذي تتبعه بعض المنظمات حتى الآن، إحراز أي تقدّم ليتم تبنيه في الخطوات البيروقراطية الطبيعية ليصبح قانوناً”.
ويضيف الدكتور غبيس: “منظمة C4SSA تم إنشاؤها في العام 2018، لتنسيق الجهود عن طريق محترفين، وشركات لوبينغ محترفة، ونسقت في عملها مع منظمة كيلا باك، ونشأ تحالف وثيق لتنظيم جهود الطرفين، وتم تفعيل آليات العمل، فعقد مؤسسو المجموعتين العديد من اللقاءات مع أعضاء الكونغرس لشرح القضية السورية، وكثير منهم كانوا من المؤثرين، من أمثال ميتش ماكونيل وتشاك شومر، وجيم ريتش، والسيناتور جين شاهين، وهذه العلاقات واللقاءات رتبتها المنظمتان، إلى أن تم العثور على حلول قانونية وتشريعية لإنقاذ القانون، في ذلك الوقت، حاولت بعض المنظمات التي تسمي نفسها حالياً (تحالفاً) اتباع الأسلوب التقليدي، دون أي جدوى، ولم تتمكن من تمرير القانون، وكما ذكرتم في مقالكم السابق فإن الفضل الأول في إعداد قانون قيصر والدفع به كان لمنظمة SETF، ولكن طريقة تمريره في المراحل اللاحقة في مجلس النواب والشيوخ واعتماده في نهاية المطاف كان العامل الحاسم فيه لمنظمة C4SSA وكيلا باك، وكانتا في ذلك الوقت تحت قيادة الدكتورة ريم البزم والدكتور طارق كتيلة”.
عرقلة متعمدة ولثلاث مرات، عدا عما جرى في الخلفية، تعرّض لها “قانون قيصر” الذي تم تحضيره بعناية، وتجهيز شاهده الملك وملفاته كاملة بالتعاون مع فريق واسع من السوريين في قارات العالم، كما أوردنا في الجزء الأول من هذا المقال. قبل ذلك الوقت كان السوريون الأميركيون واقعين تحت تأثير نموذج عمل المنظمة الأقدم والأكثر حضوراً حينها، أي المجلس السوري الأميركي (SAC) الذي كان لا يزال يعتقد، كما هي حال غالبية فروع التيارات الإسلامية السياسة، أن الدعم الحقيقي يمكن أن يأتي من الحزب الديموقراطي، عبر الاصطفاف خلف المرشحة هيلاري كلينتون في سباقها الانتخابي ضد المرشح الجمهوري دونالد ترامب آنذاك. وهذه النظرة (الحزبية) قادت إلى تبديد جهود الجالية السورية الأميركية، عبر دعم حملة كلينتون التي كانت تتمنّع قبل الموافقة على مقابلة الجالية السورية الأميركية، بأكثر من مليون دولار، في الوقت الذي كان فيه موظفو حملة ترامب يتواصلون بأنفسهم مع المنظمات السورية الأميركية لتشجيعهم على دعم ترامب بما هو أقل بكثير من ذلك (حتى 50 ألف دولار).
بقي قانون قيصر عالقاً في مجلس الشيوخ، بسبب معارضة السيناتور الجمهوري، ممثل ولاية كينتاكي، راند بول، لتمريره، وهو الذي قال خلال جلسة استماع ذات يوم إن “هذا القانون سيطيل من الصراع السوري ومعه المعاناة الإنسانية والنزوح الذي شهدناه في المنطقة”. ويشرح الدكتور غبيس “إن العمل التقليدي الذي يقوم على افتتاح مكتب في واشنطن، وتعيين موظف أو اثنين فيه وتكليفهم بأن يتواصلوا مع موظفي مكاتب أعضاء الكونغرس، لم ولن يحقّق أي شيء. وهو لم ينجح في قانون قيصر ولا في قانون الكبتاغون ولا في قانون مناهضة التطبيع، ومن حقق النتائج هو التواصل الكبير جداً مع أعضاء الكونغرس في مدنهم وولاياتهم، وللأمانة فقد حاول المجلس السوري الأميركي اتباع نفس آلياتنا، لكنه لم يوفّق لأن عملهم لم يتجاوز مهمّات موظفيهم، وحسب تقديري فإن مجرّد التواصل مع الموظفين في مكاتب الكونغرس للحصول على معلومات، لا يجلب دعماً حقيقياً من أعضاء الكونغرس”.
ضمت مجموعتان تدعيان كيلا باك و C4SSA أسستا في توقيت ذكي، لتفتتحا مسار العمل على دعم “قانون قيصر” عبر اللوبينغ، ضمن من ضمتهم د. سعود الأتاسي ود. وائل النص ود. ريم البزم و د. طارق كتيلة ورجل الأعمال أسعد جبارة ود. هيثم البزم وآخرين، وضغطت باتجاه العمل الجدّي لدعم قانون قيصر بطرق أكثر عملية والتعاون من أجل تمريره.
يقول الدكتور وائل النص في تصريحات خاصة لموقع غلوبال جستس سيريا نيوز “منذ العام 2016 كان للدور الهام الذي لعبه طارق كتيلة، والذي كان موهوباً بالفعل في مجال التنظيم، ومعه ريم البزم، الأثر الكبير في تشجيع الجالية السورية على الضغط السياسي واللوبينغ، فزاد عدد السوريين المنخرطين بالأدوفاكسي. وقبل ذلك كان هناك كثيرون يعملون بلا نتائج”.
وعند سؤاله عن التحوّل الذي عرفه السوريون الأميركيون ذهنياً، حين أخذوا يميّزون أكثر بين العمل الخيري والضغط السياسي واللوبينغ، أجاب الدكتور النص “في ذلك الوقت شعرنا بحماس كبير، وكنا نعمل ضمن C4SSA وكيلا باك، بينما كان البعض يلومنا باستمرار قائلا: لماذا تقدّمون تبرعاتكم إلى السياسيين، وشعبنا أحق؟ وكان جوابنا أن العمل الخيري لا حدود له، وأن الدولار الذي تصرفه لإسقاط الأسد يعادل عشرة آلاف دولار للعمل الخيري. والسبيل الوحيد لتحسين أوضاع الشعب السوري هو إسقاط النظام. ولم يكن هناك أي دور للجمعيات المعروفة أو للمجلس السوري الأمريكي في ذلك الوقت، مع أن هذا المجلس كان موجوداً من قبل، لكنه كان واقعاً تحت تأثير مختلف، ولم يكن فيه دينامكية، ولا ديموقراطية”.
كان الدكتور زيد كيالي، وهو أحد أبرز الناشطين في الجالية السورية الأميركية، قد بدأ بتشكيل مجموعة الضغط الأولى بالاجتماع مع عضو الكونغرس الجمهوري ليندسي غراهام في منزله للمساعدة على تمرير القانون، وقدم الدعوة لممثلين عن جميع المنظمات السورية الأميركية. وكذلك الدكتور عمار مسالخي، من مجموعة كيلا باك، الذي كان قد استضاف السيناتور بول في منزله بحضور وفد من أبناء الجالية من مختلف الطوائف والأعراق، في محاولة لإقناعه وتوضيح حقيقة الأوضاع في سورية. وتم أخيرا التوصل لقرار مشترك بالتواصل مع زعيم الجمهوريين ميتش ماكونيل، وجرت دعوته عدة مرات ودعم حملته.
ماكونيل رأى أن الطريقة الأفضل هي وضع قانون قيصر في ميزانية الدفاع، وبهذه الطريقة لن يتمكن أحدٌ من معارضته، وضغط على الديموقراطيين عبر نانسي بيلوسي، إلى درجة أن بيلوسي كانت تتندّر على إلحاحه، وتشكو إلى ضيوفها قائلة “كنت كلما التقيت ميتش ماكونيل أسمع منه كلمة واحدة يكررها باستمرار (قيصر.. قيصر.. قيصر!)”.
هذا الاتجاه عزّزه أيضاً عضو مجلس الشيوخ السيناتور جيمس ريش، وواصل كتيلة تشجيع السوريين الأميركيين في المجموعتين، على التواصل مع ممثليهم في الكونغرس في ولاياتهم، لحشد الدعم للقانون، وتدفقت تبرعات الجالية السورية الأميركية لدعم اللوبينغ، بعد أن كانت موجّهة في السابق للعمل الإنساني وحده.
يقول الدكتور غبيس “لم تثمر العقلية التقليدية والمتّبعة من جانب البعض من أمثال المجلس السوري الأميركي شيئاً، وفي الواقع، وقناعتنا أنه لا يمكنك تحقيق المناصرة والضغط عبر إرسال إيميل أو مجرد نقل أنباء عما يجري داخل الكونغرس، كما يفعل موظفو المجلس السوري الأميركي طيلة الوقت، صحيح أن هذه الأخبار والصور والتغريدات عن تصريحات النواب ترفع المعنويات، لكنها ليست عملاً حقيقياً يؤدي إلى نتائج”.
من العمل الخيري إلى اللوبينغ
وصف أحد الرؤساء السابقين لمنظمة محورية كان لها دورٌ بارزٌ في دعم قانون قيصر، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريحات خاصة غلوبال جستس سيريا نيوز كيف أن “المنظمات التقليدية الأميركية كانت تحت وقع الصدمة، بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز ترامب، إثر انخراطهم الأعمى في دعم حملة كلينتون”.
وأضاف الرجل الذي كان من بين من بذلوا جهوداً شاقة من أجل توحيد كلمة وعمل المنظمات السورية الأميركية “كان العمل الحقيقي في التحشيد والمناصرة، يقع على عاتق مجموعتي كيلا باك C4SSA وفريق محترف من بينه ليديا بورلاند ورندة فهمي، وكنتُ أنا على تواصل دائم مع عضو الكونغرس تيد دويتش من لجنة العلاقات الخارجية، وكنا نتبرع لحملاته ونعتمد عليه. وبينما كان زملائي الآخرون كلٌّ يعمل في اتجاه بشكل حثيث لتحقيق إنجاز، كان أعضاء المجلس السوري الأميركي لا يزالون يطالبون المتبرعين من أبناء الجالية السورية الأميركية بتقديم التبرعات لهم وحدهم في الفعاليات والمظاهرات، وليس لدعم اللوبينغ، ما أريد قوله هو أنه من المنطقي أن يتغيّر تفكير القائمين على هذا المجلس، وأن يتخلوا عن هذه العقلية الإقصائية التي لا تثق بالآخرين، وتصر دوماً على أن تعمل من خلف ظهورهم بدلاً من الشراكة معهم”.
وشرح الرجل كيف عمل مع زملائه على وضع اللبنة الحقيقية لعمل اللوبي المحترف وكيف أن “أول نواة لما كان يمكن أن يُسمّى بتحالف المنظمات، كانت على أيدينا نحن. فقد كان هناك العديد من الاتجاهات والآراء المتناقضة، وأردنا أن نجمع كلمة المنظمات، وأمضينا ثلاثة أسابيع في محاولة إنجاح لقاء مشترك يضم الجميع، وكانت المناسبة تخصّ عمل منظمة الأسلحة الكيميائية، وبالفعل عقدنا أول اجتماع جاد آنذاك، غير أن انفراد البعض بالأسلوب ذاته، وإصراره على مواصلة العمل بنفس العقلية عاد وأفشل محاولاتنا”.
وصدّقت أخيراً، في سبتمبر عام 2018، لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على نسخة جديدة من مشروع قانون قيصر بعد تعديلات أدخلت عليه على أيدي سوريين وأميركيين الذين كان من بين أبرزهم النائب إليوت إنجل، بعد ضمّه إلى حزمة مشاريع قوانين أخرى، عُرفت بـ (S1)، ليحال إلى مجلس الشيوخ للنظر فيه. وفي الـ 17 من ديسمبر عام 2019، أقر مجلس الشيوخ الأميركي موازنة الدفاع للعام 2020 والتي تتضمن مشروع قانون قيصر.
وقّع الرئيس ترامب في 20 ديسمبر عام 2019 على موازنة الدفاع بما فيها قانون قيصر، في قاعدة آندروز الجوية العسكرية، وتمت دعوة ريم البزم وطارق كتيلة لحضور هذه المناسبة كممثلين عن الجالية السورية الأميركية، وتقديراً لدورهما في إنجاح وتمرير القانون، وكممثلين أيضاً لمنظمتي C4SSA وكيلا باك. ونشرت كيلا باك على الموقع الرسمي لها، بياناً تشكر فيه الجالية السورية الأميركية على دعم العمل من أجل استصدار قانون قيصر.
نشوء اللوبي السوري الأميركي
أردتُ من خلال تناول الجهد الحقيقي والجاد الذي تم بذله لإنقاذ “قانون قيصر”، القول إن تلك الورشة الكبيرة التي أسسها السوريون الأميركيون افتتحتْ ولأول مرة عمل اللوبينغ والضغط بشكله الأقرب إلى عمل المحترفين لا الهواة، وبتتبع تلك الخطوات يمكن البناء على ما يلزم للمستقبل لأن الطريق لا تزال طويلة أمام هذا العمل، وخير ما يمكن أن يفعله السوريون هو الاطلاع على تفاصيل تنفعهم أكثر من استعراضات تطربهم.
استعانت منظمتا C4SSA وكايلا باك بفريق من المسؤولين السابقين والخبراء (a lobbying firm)، مثل برايان بالارد، بنصيحة من المحامية المصرية الاميركية رندة فهمي. وبالارد كان هو من نظّم مشاركتهم في طاولة مستديرة للرئيس ترامب، فاختاروا ريم البزم لتكون ممثلتهم في تلك المناسبة، والتي قيل إنها لفتت أنظار ترامب إلى الملف السوري مجدداً، وجنّبت إدلب ضربة عسكرية كان نظام الأسد ينوي شنّها ضدها.
وكتبت صحيفة “واشنطن بوست” حينها، إن إحدى الناشطات السوريات الأميركيات، تمكنت من مقابلة ترامب بعد أن دفعت مئات آلاف الدولارات في حفل جمع تبرعات للحزب الجمهوري، بهدف إقناعه بتغيير سياسة الولايات المتحدة في سورية. وأضاف كاتب المقال، جوش روغين، إن البزم قامت بدفع مبلغ 100 ألف دولار للقاء ترامب لفترة وجيزة، يصفها التقرير بأنها كانت فعالة فعلاً، حيث صرح ترامب علانية أنه لم يكن يعرف أي شيء عن إدلب، ولم يكن ليقوم بأي شيء لوقف الأزمة الإنسانية التي كانت تلوح بالأفق. وجادل روغين آنذاك، بأنه إذا كان بمقدور 100 ألف دولار، شراء الوقت، بهدف إقناع ترامب باتخاذ خطوات إيجابية، فإنه من الممكن أن تُستخدم أيضاً للدفع بالسياسات السيئة.
البزم قالت خلال لقاء معها أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” إنها جمعت الأموال مع نشطاء آخرين، وحاولت التأثير على ترامب عبر عدة طرق منها شراء إعلانات على شبكة “فوكس نيوز” وتوظيف برايان بالارد المعروف بأنه أقوى عضو في مجموعة ضغط تعمل في واشنطن حالياً، ولم يمض كثير من الوقت حتى حاولت “قسد” توظيف بالارد، ومن بعدها فعل سامر فوز المقرّب من بشار الأسد الأمر ذاته لسحب بالارد من بين أيدي المنظمات السورية الأميركية.
ويوضح أيمن عبدالنور أن “الذين عملوا بشكل احترافي على تمرير قانون قيصر هم كتيلة والبزم واسطيفو، وقد تم توثيق ذلك في كتاب مفصل لكتيلة، يتضمن اللقاءات والأسماء والتواريخ والصور، إضافة إلى دور معاذ مصطفى ودور منظمة SETF بجلب قيصر وشهاداته المتعددة”. ويضيف “كان لمنظمة (سوريون مسيحيون) دور هام أيضاً، حينها، حيث عقدت لقاءات كثيرة جدا، على مدار سنوات، وكان لها أهمية خاصة لأن الكونغرس جمهوري ويضم كان مسيحيين محافظين جداً، وفي وقت من الأوقات اضطررنا لتشكيل وفد يضم ثلاثة مسيحيين للاجتماع مع عضو الكونغرس بول لإقناعه بالقانون، وحينها لم يكن لدى المجلس السوري الأميركي (SAC) أي دور في تلك الجهود، فموظفوهم مصنّفون رسمياً كمناصرين صغار، ولا يمكنهم التواصل أو الاجتماع مع أعضاء الكونغرس وفقاً للقانون، في تلك المرحلة”.
فوارق جوهرية
“مرّ قانون قيصر أخيراً، بجهود الشخصيات التي ذكرتها، وبدعم كبير من أموال الجالية السورية الأميركية” كما يقول الدكتور غبيس. حينها اكتشفت المنظمات الأميركية السورية ومن بينها المجلس السوري الأميركي SAC أنه بالإمكان الاعتماد على الجالية السورية الأميركية في ما يتعلق بالضغط و”اللوبينغ”، بدلاً عن تقديم التبرعات لمشاريع غير موجودة، لأن ذلك كان يتزامن أيضاً مع حالة موازية يعيشها هذا المجلس وهي عدم وجود أية مشاريع خيرية تخصّه على أرض الواقع، كونه منظمة مرخصة تحت التصنيف (3) – (c) – 501.
الفارق ما بين المنظمات السورية الأميركية والمجلس السوري الأميركي، هي أن تلك المنظمات لم يكن سبب تأسيسها أيدولوجياً ولا حزبياً، وإنما تأسست لتحقيق أهداف إنسانية بالتوازي مع تأييدها لثورة الشعب السوري. ويحسن أن نذكّر السوريين، أن جميع المنظمات الإنسانية السورية التي نشأت في تركيا وغيرها منذ العام 2011، اعتمدت على دعم الدول والمتبرعين المقتدرين، ما عدا قلّة من المنظمات السورية الأميركية اختارت أن تركّز على مجال الضغط واللوبينغ وحصلت على ترخيص (4) – (c) – 501 وهذه المنظمات قامت على ما يقدّمه مؤسسوها من الأطباء ورجال الأعمال، وكثيرٌ منهم لا يزال يقوم بذلك تحت أسماء مستعارة، لعدم رغبته في الظهور، وكي لا يُتّهم بأن لديه نوايا للعب أدوار تصبُّ في مصلحته الشخصية.
البروز الساطع لأدوار جديدة متطورة واحترافية أمام أعين الجالية السورية الأميركية، وضع المجلس السوري الأميركي في حرج، فقد رأت الجالية كيف أن هؤلاء الذين أسّسوا اللوبي السوري الأميركي بهدف الضغط والمناصرة والتأثير في المشرّعين، وبأساليب رفيعة، حققوا ما لم يستطع المجلس ولا من يعملون على طريقته تحقيقه في السابق منذ بدء الثورة السورية في العام 2011 وحتى العام 2016.
يتهم عبدالنور المجلس السوري الأمريكي بأن طرحه إنشاء تحالف للمنظمات السورية الأميركية هو في الواقع جاء لإنقاذ المجلس السوري الأميركي نفسه، الذي لم يعد لديه أي دور يقوم به، ولم يكن هذا التحالف إلا تجمّعاً شكلياً يعيد قصة الهيمنة على قرار السوريين، ويضلل الجالية السورية، وينسب أي جهد لنفسه، لا إلى أصحاب الإنجازات الحقيقيين. فهو “مكوّن حالياً من المجلس السوري الأميركي ومن منظمات صغيرة أنشأها أعضاء في المجلس نفسه، وأصحاب لهم، تعداد أعضائها لا يتجاوز العضو والعضوين، وليس لديها أي إنجاز ولا تاريخ سياسي”، كما يقول عبدالنور.
خلاصة القول؛ على الرأي العام السوري أن يعرف كم يمكن الاستفادة من الأرقام والنسب والإحصاءات لفهم المشهد وتعزيزه وتقويمه، فما بدأه فريق الطوارئ السوري SETF عبر التحضير لقانون قيصر، وما قدّمه السوريون الأميركيون ممن ورد ذكر أدوارهم أعلاه، كان عملاً كبيراً جداً مرّ من بين صعاب كثيرة، ويكفي أن نعلم أن من بين القوانين التي يتم الدفع بها عبر اللوبينغ في الولايات المتحدة، لمناقشتها، ينجح منها فقط ما نسبته 3 بالمئة، وهذا يعني أن إنقاذ قانون قيصر والقوانين التي تلته لم يحصل بالضجيج، وإنما عبر العمل المضني المتقن والواعي لما يدور حولنا، وليس خدمة لأي إيديولوجيا حزبية أو جماعة مغلقة تدعم نائباً في الكونغرس أحيل إلى التحقيق بتهمة تلقي الرشوة من ديكتاتور عربي تارة، أو تعقد اجتماعات وتحالفات مع “قسد” وحزب العمال الكردستاني PKK تارة، وتلتقط الصور مع برت ماكغورغ تارة ثالثة، أو تفبرك اجتماعات مع رؤساء دول، كما فعل المخرج السوري الأميركي “الشهير” محمد أبا زيد في الـ “Buzz” التاريخي الذي فبرك فيه بطولاته ومحاولة اغتياله الكاذبة قبل سنوات، وهي ذات المدرسة التي تستغبي الناس وتتشاطر عليهم.
في الجزء القادم…. قانون “الكبتاغون” وحوارات خاصة مع عضو الكونغرس الأميركي فرنش هيل وآخرين.