تقرير عائشة صبري
تجدّدت المناكفات الإلكترونية بين النخب العربية، عقب تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي في يومي 17 و18 سبتمبر/أيلول الحالي وما تلاها من عمليات استهداف جوي لقادة لحزب الله في الضاحية الجنوبية اللبنانية كانوا مسؤولين عن جرائم إبادة في سوريا.
وأثار إظهار الشماتة بحزب الله من عرب خاصة السوريين، جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقول البعض إنّ الفرح بالعمليات الإسرائيلية التي تستهدف قادة حزب الله يُعد ضد القضية الفلسطينية ومحور المقاومة، بينما يرى آخرون أنّ الشماتة طبيعية ولا تعني بالضرورة أنّهم مع إسرائيل ضد فلسطين.
وقال الصحافي السوري يمان دابقي، لـ”حرية برس” إنّ الجدل الحاصل يعدّ أكبر من قضية شماتة وفرح بمقتل العدو كحق طبيعي للضحايا، فهو عدالة السماء في حرب تدور رحاها اليوم على أعداء السوريين، مشيراً إلى أنّ الذين يتهمون الشامتين بحزب الله بأنّهم متصهينون، يقودون حملة شيطنة ممنهجة على الشعوب العربية بدلًا من مطالبة إيران بالخروج من سوريا ولبنان واليمن والعراق.
وأضاف، أنّهم يتجاهلون حقيقة محور المقاومة بقيادة إيران التي يؤكد رئيسها مسعود بزشكيان أنها لا تريد الدخول في حرب إقليمية، فيما يوجه قائد المقاومة علي خامنئي بوصلة الحرب نحو الجبهة “اليزيدية ضد الحسينية”، في تجييش واضح لكل صنوف الطائفية، وعدم محاربة إسرائيل. وهذا ما أشارت إليه الصحافية اللبنانية مريم مجدولين اللحام.
وبدأت حرب إلكترونية بين المؤثرين العرب يتراشقون التهم خاصة على منصة X منذ بداية معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فالذي يشمت بقتلى إيران على يد إسرائيل يُعتبر “متصهين”، والذي يُمجّد دعم إيران للمقاومة الفلسطينية المتمثلة بـ”حماس” يُعتبر “متأيرن”، ووصل الأمر إلى إصدار وثيقة بأسماء “المتصهينين العرب”.
وعن هذا يوضح الباحث السوري عباس شريفة، أنّ “الثنائية الحدية عند البعض لا تسمح لهم أن يتخيلوا أنه ثمة تيار واسع في العالم العربي والشعب السوري منهم، لا ينتمي لمحور الصهاينة (متصهين) ولا لمحور إيران (متأيرن)، هناك تيار ثالث لا يفصل بينهما لا بالخطورة ولا العداء”، مشيراً إلى 3 مغالطات منطقية يستندون عليها في هذه الثنائية.
حجج المهاجمين للشماتة بحزب الله
رصدت “حرية برس” أبرز الآراء التي تنتقد العرب ومنهم السوريين لإظهارهم الشماتة بحزب الله ويعتبرونهم “متصهينين”، وتتفق هذه الفئة التي ناصرت ثورات الربيع العربي سابقًا، على أنّهم ضد حزب الله في سوريا لكنهم يقفون معه في غزة، داعين إلى تجاوز جرائم الماضي والانشغال بجرائم الحاضر.
وأكد الصحافي الأردني ياسر أبو هلالة ما قاله مطلع العام الحالي عندما وصف الذي يستذكر جرائم إيران بالطائفي، أنّه “ضد حزب الله في سوريا، مع حزب الله في وقفته التاريخية مع غزة”، معتبراً العدو رقم 1 هو الصهيوني.
وفي ذات السياق، كتب الصحافي الفلسطيني جمال ريان في حسابه على منصة X: “من يشمت أو يفرح باستهداف المقاومة في لبنان يصبح من حيث يدري أو لا يدري عدوًا في صف الكيان الصهيوني”. واتخذ ريان وأبو هلالة من صور يتواجد فيها علم الثورة السورية مع علم إسرائيل ذريعة لهما.
كما أشار لذلك الصحافي الجزائري يوسف زغبة، بقوله: “قد نختلف مع حزب الله في كل شيء، أما أن نشمت فيه وهو تحت قصف الاحتلال الإسرائيلي فهذه قمة الحقارة والخيانة”.
وعلى ذات الفكرة لفت الفنان المغربي رشيد غلام، إلى أنه ناصر الثورة السورية، لكنه ينتقد السوريين الذين يعادون إيران ويمتدحون بني أمية، متجاهلاً أنّ ردهم جاء على خامنئي الذي يؤجج الطائفية.
كذلك يؤكد، الأكاديمي الموريتاني محمد المختار الشنقيطي، أنّ “واجب الوقت هو الوقوف ضد المذابح والحرائق الحالية، وهي في غزة وبيروت، لا في دمشق وبغداد، فلكل مقام مقال، ولكل لحظة واجبها المتعين” واصفاً هذه الفئة بـ”الذكاء السياقي”، وتوسع في مقاله على موقع الجزيرة حول هذا الوصف مستشهداً بالدعم الأمريكي للثورة السورية.
وعن ذلك كتبت الصحافية الفلسطينية إسراء الشيخ، “في سياق حرب الإبادة التي نعاني منها لا يصح إطلاقاً أن نقف مع هجوم الاحتلال ضد أي طيف من أطياف أمتنا العربية والإسلامية، ونعم (الشيعة) هم جزء من الأمة مثلهم مثل المسيحي والدرزي والأشوري الذين يعيشون بيننا”. مشيرة إلى أن العدو الصهيوني استطاع أن يشتت الأذهان عما يحدث في غزة.
كذلك وافقتها الإعلامية اللبنانية غادة عويس، إلى أنّ الجدال الحاصل هدفه “حرف الضوء عن القضية الفلسطينية وأخذ الجدل في متاهات الانقسام والطائفية والشعبوية!”، ووصفت التعليقات التي لا تركز على العدو الصهيوني بـ”الهبل”.
ووصل الأمر إلى وصف السوريين بـ”المرضى النفسيين والسفهاء” وما نشروه من حقائق عن جرائم قادة حزب الله هو “تشهير”، حسب الصحافي الأردني معن البياري في مقالته بـ”العربي الجديد” الصحيفة التي يرأس تحريرها، وفي ذات الصحيفة اعتبر الكاتب الفلسطيني أسامة أبو ارشيد أن “الشماتة بحزب الله عار نتشاركه”.
وقال المحامي الكويتي ناصر الدويلة: “نحن لا نلوم الإخوة السوريين ونحترم مأساتهم، وكما لا يمكننا أن نترك الصهاينة يقتلون حزب الله وهو يرفع شعار مناصرة غزة ولو فعلنا ذلك، لكان ذلك منا قلة مروءة وخذلان للمسلم الذي يقاتل الكافر”.
فيما دعت الصحافية اللبنانية ديما الصادق، إلى عدم الشماتة بحزب الله، بقولها: “إذا مشكلتك ثقافية مع الحزب، ما تصير نسخة عنه”.
ردود السوريين على تهمة “الصهينة”
توالت الردود على حسابات صحافيين وسياسيين معارضين للنظام السوري، على حملة شيطنة الثورة السورية بادعاء أنّ كلّ من يشمت بمحور المقاومة هو صهيوني، وجميع الردود تدور حول السبب الرئيسي لشماتتهم بمصائب إيران وحزب الله، وهي التدخل المباشر لإسناد جيش النظام في حربه ضد الشعب السوري الذي طالب بالحرية من حكم الاستبداد في ثورة 2011، وما نتج عنه من قتل وتدمير وتشريد وتعذيب في السجون.
وأشار الأكاديمي السوري عبد الرحمن الحاج إلى أنّ “مشاركة حزب الله في المذبحة العظيمة في سوريا ليست جزءًا من الماضي، فقوات الحزب لا تزال إلى اليوم في سوريا، وهي موجودة من الجنوب في القنيطرة ودرعا وريف دمشق إلى حلب وتخوم إدلب، ومن حمص إلى دير الزور والحسكة، أي أن المعركة مع هذا الحزب مفتوحة”.
بدوره الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري، معاذ الخطيب، تحدث عن 10 نقاط يجب أن يفعلها السوري حتى يكون وطنياً مخلصاً (حسب دعاوى الأوصياء) في إشارة إلى موضوع مهاجمة السوريين الأحرار، وختم كلامه: “ارفع رأسك يا سوري فلا قامة أعز منك”.
ورد الصحافي السوري غسان ياسين، عبر تسجيل مصور، قائلاً: إنّ “وصف الشماتة قليل لما فعله قادة حزب الله من مجازر في سوريا ولبنان والعراق واليمن، فالتمييز بين الضحايا على أساس هوية القاتل هو مثل التمييز بين القتلة على أساس هوية الضحية، فالصهيوني الذي يقتل الإيراني والعكس، لا يجعل من أي مجرم بطلًا، فبوصلة الثورة السورية الأخلاقية واضحة وسليمة”.
كذلك لفت الصحافي قتيبة ياسين إلى أنّ “كل من تورط في سوريا وقع في الفخ، روسيا وإيران وحزب الله كل واحد منهم ظن أنه قوي على شعب أعزل وثوار حملوا البنادق للدفاع عن هذا الشعب”. موضحاً أنّ سبب شماتة السوريين هو “تمجيد حزب الله الإيراني ومحاولة غسل جرائمه، فالمعادلة بسيطة: زيدوا فيزيدون”.
وأشار الصحافي السوري مؤيد اسكيف إلى أخطاء وقع بها عدد من الصحفيين العرب أثناء تأييدهم لحزب الله وهجومهم على السوريين الفرحين بالعدالة الإلهية. بدوره الصحافي السوري فراس ديبة فند مغالطات يتخذها المهاجمون للسوريين بسبب حزب الله والذي لا يمكن التسامح معه تحت أي ظرف، وفق قوله.
وقالت الكاتبة السورية عالية منصور إنّ المشهد بالنسبة لكثير من السوريين يبدو وكأنه “عدالة إلهية”، “لا تعنيهم المحاضرات التي يلقيها البعض عليهم ولا أن قاتل قاتلهم هو العدو الإسرائيلي، ما يعنيهم أنهم يشعرون بعد كل هذه السنين أن شيئًا يسيرًا من العدالة أمر ممكن”.
فتوى جواز الشماتة بمصائب العدو
الكاتب العراقي محمد عياش الكبيسي، دكتوراه في العقيدة الإسلامية، أفتى بجواز الشماتة وإظهار الفرح للسوريين بهلاك من شرّدهم وقتلهم، مثلما يجوز للفلسطينيين في غزة أن يشمتوا بهلاك أي صهيوني لعين ولو كان هلاكه بنيران صديقة أو بحجارة من السماء، مؤكدًا “فهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، فلا تلتفتوا لمن تلوثّت فطرتهم بملوّثات السياسة الباهتة، وأنانية المشاعر المنحرفة”.
وحول مقولة (لا شماتة في الموت) أوضح الكاتب السوري عبد المنعم زين الدين، دكتوراه في الاقتصاد الإسلامي، أنّ الحكم الشرعي الصحيح بالشماتة بمقتل وموت المجرمين الظالمين، جائز، مستدركاً أنّ سبب مهاجمة السوريين الشامتين بقتلى حزب الله يعود إلى الإفلاس من الدفاع عنهم، وأنّ محاولة منع الناس من الحديث عن المجرم بحجة وفاته ومقتله على يد أي جهة كانت، يعد “جريمة أخلاقية، تتسبب بطمس الحقيقة، وتزوير التاريخ لصالح المجرمين”.
بدورها، الدكتورة والكاتبة الفلسطينية ليلى حمدان، نشرت صورة تظهر ضحايا سوريين اقتلعت عيونهم على يد حزب الله، ثم حذرت من “الثنائية المجحفة المضللة اللئيمة” (المتصهين والمتأيرن)، وقالت: إنّ “المشايخ الذين يعترضون على مشاهد الشماتة هم أنفسهم الذي يطالبون السوريين بغض الطرف عن التصريحات المفجعة التي تمجد قاتليهم من الرافضة حين تصدر من قادة المقاومة الفلسطينية. ويبررون ذلك بأنها سياسة واضطرار، والقوم بحاجة لدعم إيران.. فكما أعذرتم المادح للقاتل، اعذروا الشامت من القاتل”.
من جهته، الكاتب محمد خير موسى، عضو المكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين، تحدث عن الجدل الحاصل حول الاستهدافات الإسرائيلية لحزب الله، بأنّه يندرج ضمن الجدل المنهي عنه في الإسلام وإشغالًا للجهود عن القيام بواجبها الرئيس في مواجهة العدو الإسرائيلي، وإحياءً للعصبيات الجاهليّة والانتصار لحدود سايكس بيكو وإذكاء للتنابذ الجاهلي.
فيما قسم الأديب الأردني من أصل سوري، مجاهد ديرانية، موضوع الشماتة بحزب الله إلى 3 معايير، الأول: مصلحة أعلى تقتضي عدم إظهار التعاطف مع حزب الله والثناء عليه، والثاني: سوريا وفلسطين لا يصح أن تكونا المعيار الوحيد الذي نحكم به على الحزب (وسواه من أذرع إيران) فالمعيارُ الصحيح الدقيق هو الأمة المسلمة، والثالث: المشروع الإيراني الفارسي الصفوي مشروع توسعي لا يختلف عن مشروع إسرائيل الصهيوني اليهودي التوسعي إلا بفروق قليلة (لكنها مهمة جداً)”.
إطلاق حملة “سوريا لن تنسى”
مع توالي المنشورات التي تذكّر بجرائم حزب الله في سوريا والتي لا تسقط بالتقادم قانونيًا، أطلق نشطاء سوريون حملة إعلامية للتذكير بجرائم حزب الله في سوريا تحت وسم #سوريا_لن_تنسى، حيث شارك نشطاء وصحفيون العديد من الصور والتسجيلات التي تثبت تلك الجرائم. مع التذكير بأن ذلك لا يعني تخليهم عن القضية الفلسطينية فالكثير من الوقفات الاحتجاجية وحملات التبرع لغزة شهدها الشمال السوري تحت وسم “#إدلب_وغزة_جرح_واحد”.
في ذات الصدد نشر القانونيان اللبنانيان، نبيل الحلبي وطارق شندب، تسجيلات مصورة تظهر جرائم حزب الله في سوريا.
فيما نوه الكاتب الجزائري أنور مالك، أحد أفراد البعثة العربية إلى سوريا أواخر العام 2011، إلى أن سوريا كانت “ساحة جهاد” ضد من يسميهم “التكفيريين”، وفق كلمة نعيم قاسم نائب حسن نصرالله في تأبين قادة فرقة الرضوان.
وتساءل الكاتب اللبناني حازم صاغية: “وماذا يقال للسوريّ الذي لا يقرأ سيرة قائد عسكريّ من الحزب إلاّ ويكتشف أنّه شرب دم أخيه السوريّ؟ وهل يكفي لرأب هذه الصدوع كلّها وقوفنا «في وجه العدوّ الصهيونيّ» كما لو أنّ هذا الشعار طاقة سحريّة تُسلَّط على شعوب مسحورة؟”.
ويرى المستشار المصري وليد شرابي، أن “القتيل لا فارق لديه بين ما إذا كان قاتله يرتدي عمامة أو يرتدي غطاء رأس صغير.. فلا فرق بين دماء حلب والقصير ودماء غزة”.
وذكر الصحافي الفلسطيني ماهر حسن شاويش، أنّ “محور المقاومة صاحب شعار وحدة الساحات الذي تقوده إيران ارتكب الموبقات بحق شعوب أربع دول عربية بحجة أن طريق القدس يمر منها”، مشيرًا إلى أن تواجد صور لعلم الثورة وإسرائيل لا يمثل ملايين الثائرين من الشعب السوري.
وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري، مطيع البطين: إنّ “نظام الملالي الطّائفيّ المحتلُّ لعواصم عربيّة عدّة، والكيان الغاصب المحتلُّ لفلسطين كانا ولا يزالان عدوّين لأمَّتنا، لم ولا ولن تتغّير هذه الحقيقة في نفوس أبناء ثورتنا السورية”. وحذر في تسجيل مصور من أن يخدع الناس مرة ثانية بحزب الله.
وتوالت الدعوات من لبنانيين إلى عدم تداول صور الجرحى في الضاحية الجنوبية وذلك حسب قولهم “حرصًا على سلامتهم وكي لا تكون عرضة للشماتة”، ومنهم الإعلامي المثير للجدل حسين مرتضى الذي حاول سوريون ولبنانيون تذكيره بما فعل من شماتة بالسوريين سابقًا، فأكد على موقفه قائلًا: “اليوم أكثر من أي وقت مضى وصلنا إلى صوابية قرار حزب الله مساندة الجيش السوري والوقوف إلى جانب الشعب السوري في وجه المجموعات الإرهابية”.
ورغم مصائب جنوب لبنان لم يتوقف بعض المواليين لحزب الله عن دعوات خطاب الكراهية ضد محافظة إدلب ومطالبتهم محور المقاومة بأن يستمر بقصفها، ومنهم اليوتيوبر عبد الله عقيل. مع الإشارة إلى وقوع ضحايا مدنيين في ريف إدلب نتيجة قصف النظام السوري وإيران.
المصدر: حرية برس