أحمد مظهر سعدو-تلفزيون سوريا
قيل سابقًا (إن الأنظمة المستبدة تُنتج معارضات على شاكلتها) ولعل ما هو مُنتج اليوم في الوضع السوري من معارضات، تندرج في أتون هكذا توصيف وضمن محددات هذه العناوين، حيث أضحت المعارضة السورية بكل تلاوين الطيف السياسي والعسكري تتشابه في المآلات والمؤدى وتتقوقع ضمن سياقات الاستبداد تارة، والمحاصصة والمناكفة تارة أخرى، والبراغماتية السياسية تارات وتارات، وذلك العطب الداخلي المنشغل دائمًا في متاهات اللاجدوى، والهرولة نحو مكاسب ذاتية لا ترتقي أبدًا إلى مستوى الدم السوري المراق على أرض سورية، منذ بدايات ثورة الحرية والكرامة أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ وحتى اللحظة، عبر هدر متواصل للإنسان السوري، وتدمير لا ينقطع للبنية التحتية السورية، وتهجير مستمر لمعظم السوريين نحو المجهول والمستقبل الضائع.
ويبدو أن إعادة إنتاج معارضة سورية جديدة، ترتقي إلى مستوى التضحيات الكبرى، التي قدمها الشعب السوري على مذبح الحرية والكرامة، مازالت بعيدة المنال، وعصية عن الخروج من عنق الزجاجة، ناهيك عن الخراب البنيوي الذي ابتليت به معظم تكوينات المعارضة السورية وهي تراوح في المكان، دون القدرة على صياغة العقد الوطني الاجتماعي الجامع الذي يطمح إليه السوريون جميعًا.
هو العقد الجامع للجميع بكل إثنيات الشعب السوري، وبكل طوائفه، وعلى مسارات الحل الوطني السوري الصرف، دون التدخلات الخارجية، وبعيدًا عن بعض تلك النماذج المنتجة مؤخرًا شمال شرقي سوريا، وهو عقد غير جامع، وأشبه بالفئوية، وليس الذي يجمع ولا يفرق كما كان يريد الشعب السوري.
المحاولات الأخرى خارج أطر المعارضة الرسمية، قد باءت بالفشل هي الأخرى، وحال بينها وبين خروجها إلى النور كثير من المعوقات والعثرات
وإذا كانت نماذج المعارضة السورية اليوم مثل الائتلاف الوطني، أو هيئة التنسيق، أو ما يشبه ذلك، مما يسمى المعارضة الرسمية، قد أصبحت في حال مُفوَّت آنيًا أو مستقبليًا، ولم تعد قادرة على تمثيل السوريين أو التعبير عنهم، ولا هي متمكنة جديًا من ملامسة البعد الوطني السوري الجامع، بهوية وطنية سورية، تجمع الكل بلا استثناء، فإن المحاولات الأخرى خارج أطر المعارضة الرسمية، قد باءت بالفشل هي الأخرى، وحال بينها وبين خروجها إلى النور كثير من المعوقات والعثرات، التي ما برحت تحاول ضمن تجارب إعادة إنتاج نفسها وصياغة محددات قوية ومتماسكة، تحول دون العودة إلى المربع الأول الذي يفترض أن مبرر وجودها أساسًا كان في سياق الاشتغال على إمكانية الخروج منه، وتجاوز حالة العثار الكبير، الذي تعيشه، بل تغرق فيه جل المعارضة الرسمية منذ ما يزيد عن اثني عشر عامًا ونيف.
المحاولات الكثيرة التي تتمظهر بين الفينة والأخرى وتطفو على السطح لبقايا معارضات سابقة أو تشكيلات في المعارضة السورية الجديدة والمتجددة، لم تتمكن حتى الآن من إنتاج حالة جدية واعية ومتحركة، أو تمتلك دينامية في الوصول إلى تشكيل البديل المفترض، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على مدى تكاثر الإشكالات وحجمها الكبير، التي تمنع أو تحد من احتمالات الخروج من عنق الزجاجة، لأنها (أي هذه التشكيلات الجديدة) لم تدرك بعد كنه الخلل الحقيقي الذي أوصل المعارضة الرسمية السورية إلى ما وصلت إليه، ولم تستطع اجتراح الحلول التي تمكنها من إعادة البناء الجديد، أو إشاعة (البيروسترويكا) الجديدة، إن صح القول، ضمن مفاعيل دولية وإقليمية غاية في الصعوبة، وفي سياق حالة تخلي معولم، من القريب والبعيد، عن الوقوف إلى جانب الثورة السورية ومنتجاتها، ومنها بالضرورة تشكيلات المعارضة وحالة الاستعصاء والاستنقاع التي وصلت إليها المسألة السورية برمتها.
لا ضير أن الطريق مازال طويلًا، والعثرات كبيرة وكثيرة، والعمل الدؤوب على إطلاق المنتج المعارض الجديد الموازي والمتجاوز للعثرات ضمن المحيط الإقليمي والدولي الصعب، ليس مسألة سهلة، ولا يجد حتى الآن ما يفضي إليه، أو يشجع باتجاهه، لذلك فإن المعوقات مازالت هي نفسها، وأهمية تجاوزها ما برحت أكثر إلحاحية وضرورة.
ضمن هذا الوضع وعبر منعرجاته ومنحنياته ومتاهاته كان لا بد من التفكير جديًا على هدي فعلٍ حقيقي يُمسك بدفة المسير والمسار ويعيد إنتاج القضية والمسألة السورية على أسس جديدة وفاعلة، مطابقة للواقع المنشود وآمال السوريين بالوصول إلى المبتغى الذي خرجت على أساسه الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة.
وفي سياق الحديث عن رؤية مشتركة يمكن أن تجمع السوريين، وفي إطار الاشتغال الجدي على موضوع الشراكة الوطنية السورية، لا بد أن يكون من الضرورة بمكان إشاعة الأجواء الحوارية السورية بمسؤولية عالية، تتسم بإمكانية الاتكاء على الهم الوطني الواحد والمصير المشترك كذلك، وضمن هذه التوجهات أيضًا. وإذا ما أردنا المضي قدمًا نحو إعادة إنتاج حالة وطنية سورية منجدلة مع رؤية وطنية عامة، وبعد ما يقرب من ثلاث عشرة سنة مما يعدون، فإنه لابد من تحديد الأولويات على هذا الطريق ونذكر منها بالضرورة والحيثية:
– الخروج كلية من حالات التمترس والتقوقع الإيديولوجي، والعمل من أجل رؤية وطنية جامعة، تمنع نهائيًا أي صاحب إيديولوجيا متشنجة وشوفينية من إعاقة المسار، فالمرحلة باتت مرحلة مهام وطنية ديمقراطية سورية أولًا، لإنجاز تلك العمارة الوطنية السورية التي يبتغيها كل سوري.
– العمل على إشاعة الجو الحواري الهادئ طويل الأمد والعقلاني، وضمن بعد جدي، ونفس عقلاني واع وخالي من كل الارتدادات الفرعية ما قبل الوطنية.
– العودة إلى الناس جموع الناس، الذين حملوا راية الحرية والكرامة أولاً ومازالوا يعانون من أجلها، والابتعاد ما أمكن عن كل الذين مازالوا يعتقدون أنه لا جدوى من عمل لا يرتبط بالخارج، فالخارج كان وما يزال يشتغل على مصالحه (وهذا من حقه) لكن لم يكن من أولوياته مصلحة السوريين قبل مصالحه الوطنية.
– إعادة التفكير مجددًا بآليات عصرية وحديثة للعمل الوطني السوري تتجاوز كل أخطاء المعارضة الرسمية السورية، التي لم تنجز ما هو مأمول منها، بل لم ترتق أبدًا إلى مستوى الدم السوري المراق على طول الجغرافيا السورية وعرضها.
– التفكير جديًا وعبر المتابعة الحثيثة بكيفية الوصول إلى العقد الاجتماعي السوري، الذي يجمع الجميع ولا يستثني أحدًا، بل يلامس كل المحددات الهُوياتية السورية، وينجز مالم ينجز بعد، وما حلم به السوريون في دولة المواطنة الحقة وسيادة القانون.