فاز الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ميشيغان، الثلاثاء، غير أنه واجه “تحديا ملحوظا” تمثل في ارتفاع نسب تصويت الناخبين “غير الملتزمين”، الذين يحتجون على موقفه من حرب إسرائيل في غزة.
وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن يفوز بايدن والرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، الذي حسم أيضا فوزه بسهولة في الانتخابات التمهيدية لكلا الحزبين، إلا أن التصويت بالولاية حظي بمتابعة حثيثة، بحثا عن مؤشرات على مدى التأرجح في دعم أي منهما.
“غير ملتزم”
وأجريت انتخابات الحزب الديمقراطي في ميشيغان، حيث يعيش عدد كبير من الأميركيين العرب، على وقع حملات واسعة تدعو الناخبين لوضع علامة “غير ملتزم” في بطاقات الاقتراع احتجاجا على سياسة وموقف بايدن من الحرب في غزة.
ويحق للناخبين في اقتراع ميشيغان، التصويت لأحد المرشحين المتنافسين أو ملء خيار “غير ملتزم”، الذي يعني بحسب سلطات الولاية، أن الناخب يمارس تصويتا حزبيا ولكنه غير ملتزم تجاه المرشحين في الاقتراع.
ويتم فرز أصوات “غير الملتزمين”، تماما مثل أصوات باقي المرشحين. وإذا صوت عدد كافٍ من الناخبين على هذا الخيار، فيمكن للحزب إرسال مندوبين “غير ملتزمين” بمرشح معين إلى المؤتمر الحزبي العام.
وأظهرت النتائج الأولية، أن بايدن حصل على أكثر من 375 ألف صوت، أي 80 في المئة من الأصوات، مقابل 62 ألف صوت غير ملتزم، أي نحو 13.4 في المئة من الأصوات، وفقا لبيانات وكالة أسوشيتد برس. وقد تجاوز هذا الرقم بكثير هدف 10 آلاف ناخب “غير ملتزم” الذي كان يأمل منظمو الاحتجاج الوصول إليه.
وأعلن منظمو الحملة أنهم يتوقعون الحصول على أكثر من 15 في المئة من الأصوات، مما سيؤهلهم للحصول على مندوب واحد على الأقل في المؤتمر الحزبي الوطني العام هذا الصيف، والذي يتم في ختام أعماله تقديم المرشح الرئاسي للحزب.
وجدير بالذكر أنه في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين لم تتجاوز نسبة التصويت “غير الملتزم” 2 في المئة، بينما بلغت 11 في المئة، في المرة الأخيرة التي سعى فيها رئيس ديمقراطي في الحكم إلى إعادة انتخابه، حين فاز، باراك أوباما، عام 2012.
من وراء الحملة؟
وطيلة الأسابيع التي سبقت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أطلق ناشطون عرب أميركيون وليبراليون حملة منسقة لدفع الناخبين الديمقراطيين للتصويت بـ”غير ملتزم” كوسيلة لتسجيل احتجاجهم على تعامل بايدن مع الحرب بين إسرائيل وغزة. وخاصة قراره بعدم الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وإثر ذلك، تشكلت حركتان احتجاجيتان رئيسيتان في الولاية خلال الأسابيع الأخيرة، الأولى حملة “أنصت إلى ميشيغان”، والتي حثت أنصارها على التصويت بـ”غير ملتزم” في الانتخابات التمهيدية.
وقالت ليلى العبد، مديرة حملة الحركة، إن الهدف هو الضغط على بايدن لتغيير سياساته، مشيرة إلى أنها منفتحة على دعمه في نوفمبر إذا غير طريقة إدارته للحرب بشكل ملحوظ.
وتسعى حركة ثانية، تسمى “التخلي عن بايدن”، إلى حرمان الرئيس من ولاية ثانية بشكل مباشر، بسبب دعمه للهجوم الإسرائيلي على غزة، وما يصفه مؤيدو الحركة بأنه “عدم تعاطفه مع معاناة الفلسطينيين”.
ودعمت هذه المجموعة أيضا حملة التصويت بـ”غير ملتزم”، لكن أعضاءها لا يخططون للتصويت لصالح بايدن في الانتخابات الرئاسية لنوفمبر، وفقا لواشنطن بوست.
وتقول العبد، إن عشرات الآلاف من الديمقراطيين في ميشيغان، الذين صوت الكثير منهم لصالح بايدن في عام 2020، “غير ملتزمين بإعادة انتخابه بسبب الحرب في غزة”.
وأضافت: “لا نريد أن يكون ترامب رئيسا، لكن بايدن وضع [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين] نتانياهو قبل الديمقراطية الأميركية”.
ولم يقتنع منظمو حملة “استمع إلى ميشيغان” بالخطوات التي اتخذتها الإدارة في تدبيرها للحرب حتى الآن، وحددوا جمع 10 آلاف صوت، كهدف لحملتهم، مشيرين إلى أن هذا الرقم يمثل تقريبا الهامش الذي قاد ترامب للفوز في ولايتهم خلال انتخابات عام 2016.
وقالت النائبة الديمقراطية عن ميشيغان، رشيدة طليب، الفلسطينية الأميركية الوحيدة في الكونغرس “شعرت بالفخر اليوم بسحب بطاقة اقتراع للحزب الديمقراطي والتصويت بـ”غير ملتزمة”.
وأضافت في تسجيل على وسائل التواصل الاجتماعي أن “74 في المئة من الديمقراطيين في ميشيغان يدعمون وقف إطلاق النار، إلا أن الرئيس بايدن لا ينصت إلينا، بهذه الطريقة يمكننا استخدام الديمقراطية للقول استمع إلى ميشيغان”.
ووفقا لصحيفة “بوليتيكو”، فقد نظمت الحركات الداعمة لخيار “التصويت غير الملتزم”، احتجاجات منظمة، وتواصلت مع عشرات الآلاف من الناخبين عبر الهاتف، بعدما لم تحقق حملة مماثلة تدعو إلى وقف إطلاق النار خلال الانتخابات التمهيدية في ولاية نيوهامبشر أي نتيجة، إلا أن الأمر مختلف بميشيغان، حيث يعيش عدد أكبر بكثير من الجاليات العربية والمسلمة.
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فقد اجتذبت حملة “استمع إلى ميشيغان” موجة تأييد رفيعة المستوى قبل الانتخابات التمهيدية، متجاوزة المجتمع العربي الأميركي، لتصل إلى بعض الليبراليين البارزين بالحزب الديمقراطي.
وألقى النائب السابق عن ولاية ميشيغان، آندي ليفين، بثقله وراء حملة التصويت بـ”غير ملتزم”، قائلا إنه يأمل أن يُظهر ذلك لبايدن، أنه بحاجة إلى تغيير المسار للفوز بالولاية في نوفمبر، وفقا للصحيفة.
كما دعم مشرعون ديمقراطيون بارزون آخرون، الحركة، ومن بينهم المنافسة الرئاسية السابقة، بيتو أورورك، والسيناتور السابقة عن ولاية أوهايو، نينا تورنر.
وقال بايدن هذا الأسبوع إنه يأمل أن تتمكن إسرائيل وحماس من الاتفاق بحلول يوم الاثنين المقبل على اتفاق طال انتظاره من شأنه أن يوقف القتال في غزة لعدة أسابيع، وينص أيضا على إطلاق سراح ما تبقى من الرهائن الإسرائيليين ومعتقلين فلسطينيين بسجون إسرائيل.
لكن النشطاء والناخبين الأميركيين العرب والمسلمين، شددوا أن على بايدن، على الأقل، أن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار، قبل أن يتمكنوا من البدء في التفكير فيما إذا كانوا سيصوتون له في نوفمبر.
في هذا الجانب، تقول كارول رينوسو، وهي ديمقراطية من ديربورن، صوتت لصالح بايدن في عام 2020 وأدلت بصوتها، الثلاثاء، لصالح خيار “غير ملتزمة”، في مقابلة: “أعتقد أنها فرصة عظيمة لإيصال رسالة إلى الإدارة مفادها بأن الناس في ميشيغان قلقون بشأن ما يحدث (في غزة)”.
وأشارت إلى أن “كل ما في الأمر أن هناك مجموعة كبيرة من الناس يريدون وقف إطلاق النار”.
أهمية ميشيغان
وتعد ميشيغان ولاية متأرجحة وحرجة بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأميركية، وسيكون طريق بايدن للبقاء بالبيت الأبيض أكثر صعوبة، إن لم يكن مستحيلا، إذا خسرها في نوفمبر، وفقا لواشنطن بوست.
وفاز ترامب بولاية ميشيغان عام 2016 بأغلبية وصلت إلى نحو 11 ألف صوت. وفي عام 2020، فاز بايدن بالولاية بحوالي 154 ألف صوت.
وبالنسبة لبايدن، فإن اختيار عدد كبير من الناخبين خيار “غير ملتزم” قد يعني أنه سيواجه مشكلة كبيرة مع أجزاء من القاعدة الديمقراطية في الولاية، وفقا للصحيفة.
وأظهر استطلاع أجرته شبكة “فوكس نيوز” في فبراير، أنه في المنافسة بين ترامب وبايدن، قال 47 في المئة من الناخبين المسجلين في ميشيغان إنهم سيدعمون ترامب، بينما قال 45 في المئة، إنهم سيدعمون بايدن.
وحتى قبل يوم الثلاثاء، بدأ قادة بالحزب الديمقراطي بالشعور بالقلق بشأن طريق الرئيس نحو الفوز في ميشيغان، بسبب الغضب العميق من دعمه الثابت للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 30 ألف شخص، بحسب وزارة الصحة في غزة.
مسؤولو حملة بايدن
وضمن مساعيهم لكسب تأييد ناخبي الولاية من الغاضبين، أجرى مسؤولون من البيت الأبيض وحملة بايدن زيارات إلى ميشيغان في الأسابيع الأخيرة، للتواصل مع قادة مجتمع الولاية بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس، وتوضيح سياسة بايدن في إدارة هذا الصراع.
وفي تعليق على وصول حملة “أنصت إلى ميشيغان” إلى هدفها بجمع 10 آلاف صوت، قال مسؤولون بحملة بايدن، إن هذا الرقم يبقى منخفضا، حيث سبق أن صوت 20 ألف شخص على خيار “غير ملتزم” في الانتخابات التمهيدية الرئاسية الثلاث الأخيرة للحزب الديمقراطي في ميشيغان، حتى دون أي جهد منظم يحثهم على القيام بذلك.
وأشار حلفاء للرئيس إلى تعليقات ناخبين أكدوا أنهم يخططون للتصويت له في نوفمبر المقبل، رغم تصويتهم بـ”غير ملتزم”، وفقا لواشنطن بوست.
ولفت أحد مسؤولي الحملة أيضا إلى وجود العديد من المندوبين “غير الملتزمين” لباراك أوباما في انتخابات 2012، من نورث كارولينا وماريلاند وألاباما وكنتاكي.
ولم يشر بايدن ولا حاكمة ميشيغان، غريتشن ويتمر، وهي الرئيسة المشاركة لحملة إعادة انتخاب بايدن، إلى موجة التصويت بـ”غير ملتزم” في بيانات، الثلاثاء، لكنهما أشادا بكل من صوتوا.
وقال بايدن في بيان: “أريد أن أشكر كل سكان الولاية الذين جعلوا صوتهم مسموعا اليوم. ممارسة حق التصويت والمشاركة في ديمقراطيتنا هو ما يجعل أميركا عظيمة”.
وأشار إلى أن تحالف ميشيغان ساعد في إرساله إلى البيت الأبيض قبل أربع سنوات، مشيدا بإنجازات إدارته ووضّح، مرة أخرى، مخاطر وصول ترامب إلى الرئاسة.
وكان بايدن كثف انتقاداته لحجم الحملة العسكرية الإسرائيلية، واصفا الرد بأنه “مبالغ فيه”، غير أن واشنطن منعت الأسبوع الماضي إصدار قرار بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعم وقف إطلاق النار في غزة، بينما تواصل إدارته جهودها لحماية المدنيين من أي هجوم إسرائيلي على رفح، التي لجأ إليها أكثر من مليون فلسطيني.
وكان الرئيس الأميركي أعرب، الاثنين، عن أمله “أنه بحلول الاثنين المقبل سيكون هناك وقف لإطلاق النار”، مضيفا أن مستشاريه للأمن القومي يقولون إن تحقيق ذلك قريب.
وبالتزامن مع تصريحات بايدن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، “سنكون سعداء بتحقيق ذلك بحلول نهاية الأسبوع”. وأضاف “نحاول الوصول بهذا الاتفاق إلى خط النهاية، ونعتقد أن ذلك ممكن”.
المصدر: الحرة