تخشى الولايات المتحدة من حدوث حالات انهيارات جديدة بعد إفلاس بنك فيرست ريبابليك واستحواذ “جي بي مورغان”، الشركة المالية الأميركية العملاقة يوم الاثنين عليه، ليتكرر مشهد الإفلاس في القطاع المصري الأميركي للمرة الثالثة منذ مارس/آذار الماضي.
وذكر تقرير نشرته صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية، أنه بعد إفلاس بنك وادي السيليكون، بداية مارس/آذار، ثم إفلاس بنك “سيغنتشر”، جاء الدور على شركة مالية رئيسية ثالثة، فشلت هي الأخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع، وهي بنك “فيرست ريبابليك”.
وتم وضع بنك “فيرست ريبابليك” تحت وصاية “شركة تأمين الودائع الفدرالية”، وهي الهيئة الفدرالية المسؤولة عن ضمان الودائع المصرفية، وتم استلامها فورا من قبل أكبر بنك أميركي، “جي بي مورغان”، حيث ارتفعت أسهم “جي بي مورغان” بنسبة 2.5% على الفور.
وبهذا الوضع ستخسر “شركة تأمين الودائع الفدرالية” في هذه القضية حوالي 13 مليار دولار (11.8 مليار يورو)، ولكن قد تتقلص هذه الخسارة بسبب الاستحواذ من قبل مؤسسة “جي بي مورغان”، التي ستدفع 10.6 مليارات دولار.
وأفاد التقرير بأنه لم يتقدم أحد لشراء البنك المفلس لعدة أسابيع، وهو الأمر الذي أجبر الهيئة الفدرالية على التدخل، ولم يبقَ شيء من حصص مساهمي بنك فيرست ريبابليك، التي كانت تبلغ قرابة 50 مليار يورو في فبراير/شباط الماضي.
وتسارعت الأزمة في نهاية أبريل/نيسان، عندما كشف “فيرست ريبابليك” خلال عرضه للنتائج الفصلية أن عملاءه سحبوا أكثر من 100 مليار دولار من الودائع في مارس/آذار، تاركين 75 مليار دولار فقط في خزائنه، وحينها بدأت مقومات الإفلاس في الظهور، على الرغم من خطة الإنقاذ الأولية التي قادتها البنوك المحلية الكبرى، على رأسها “جي بي مورغان”، بإقراض المؤسسة حوالي 30 مليار دولار اعتبارا من منتصف مارس/آذار.
ويرى تقرير الصحيفة الفرنسية أن الأزمة المصرفية الحالية يمكن تفسيرها بـ3 ظواهر:
أسعار الفائدة الذي قرره الاحتياطي الفدرالي الأميركي، مما أدى إلى زيادة تكلفة القروض قصيرة الأجل من صفر إلى 5% في عام واحد، وهي سياسة أدت إلى انخفاض الأصول لتصل إلى 15% من محافظ سندات البنوك. فعندما ترتفع أسعار الفائدة وتنخفض أسعار السندات لتعديل وتقديم نفس العائد الذي يقدمه السوق مع زيادة في تكاليفها، يطالب المودعون برفع أسعار الفائدة، وهو ما يسبب خسائر فادحة.
ارتفعت هذه الخسائر بسبب أخطاء ارتكبتها البنوك ذات الرقابة الضعيفة، كما كشفت التقارير الأولى الملزمة لإدارة المؤسسات والاحتياطي الفدرالي، حيث وضعوا ودائع عملائهم قصيرة الأجل في سندات طويلة الأجل مما أفقدها قيمتها، واضطروا بعد ذلك لتصفية محافظهم مع خسائر كبيرة عندما سحب العملاء ودائعهم، لأنهم احتاجوها خلال أزمة التمويل في وول ستريت.
تسارعت الأزمة بسحب الودائع التي تضمنها الدولة الفدرالية بحدود 250 ألف دولار فقط، ففي عصر الإنترنت، من الممكن سحب أموالك بنقرتين على هاتفك الذكي، مما يجعل من المستحيل إيقاف تشغيل البنوك، وهذا هو ما تسبب في إفلاس بنك وادي السيليكون، وبدرجة أقل بنك “سيغنتشر”، وأخيرا إفلاس “فيرست ريبابليك”.
يذكر أن بنك “فيرست ريبابليك” تأسس عام 1985 ويعمل به 7200 موظف، وكان عبارة عن مؤسسة متخصصة في إدارة الثروات تشبه وادي السيليكون، وكان من بين عملائه -على سبيل المثال- مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك.
من جهتها، قالت صحيفة وول ستريت جورنال، إنه يبدو من غير المرجح أن يؤدي إفلاس بنك فيرست ريبابليك إلى أزمة ثقة جديدة، حيث خسرت البنوك الإقليمية الودائع بالتساوي خلال الربع الأول لكن الانخفاضات كانت متواضعة مقارنة بـ100 مليار دولار في عمليات السحب من فيرست ريبابليك.
واعتُبرت القضية خطيرة بما يكفي للسماح لـ”جي بي مورغان” بالتدخل، على الرغم من أن القانون يحظر على مؤسسة واحدة الاحتفاظ بأكثر من 10% من الودائع في الولايات المتحدة، فهذا البنك أصبح الآن يمتلك مبلغا ضخما يصل إلى 3.2 تريليونات دولار من الأصول القوية.
وهذا من شأنه أن يسحق السوق الأميركية، يليه 3 بنوك عملاقة أخرى: “بنك أوف أميركا” (أصوله بقيمة 2.42 تريليون دولار)، و”سيتي بنك” (1.77 تريليون دولار)، و”ويلز فارغو” (1.72 تريليون دولار).
وأشار تقرير صحيفة “لوموند” إلى أن الممارسة الأميركية -التي تسترشد بها السلطات- هي أن يقوم دافعو الضرائب أو البنوك بإنقاذ جميع المؤسسات الفاشلة وضمان جميع الودائع، حتى بما يتجاوز السقف النظري البالغ 250 ألف دولار.
لكن في عام 2008، انهار هذا النظام عندما لم يكن أحد -لا في “وول ستريت” ولا من السياسيين- مستعدا لإنقاذ بنك “ليمان براذرز”.
المصدر : لوموند