أسامة آغي
جريمة تفجير سيارة ملغمة في قلب السوق التجاري في مدينة إعزاز هي جريمة بشعة، ويقف خلفها أعداء يريدون تفريغ المنطقة قدر استطاعتهم من سكانها، لتنفيذ مخططات تخدم أجندات سياسية غير وطنية.
جريمة تفجير السيارة الملغمة في إعزاز بُني على ما يبدو على ثغرات أمنية لدى الجهات المسؤولة عن الأمن في هذه المنطقة، وهو ما تمّ التعبير عنه بالقول تتكرّر هكذا تفجيرات في شهر رمضان المبارك.
إن تكرار تلك التفجيرات يعني أن الثغرات التي يتسلل منها الأعداء لبلبلة الأوضاع الأمنية لا تزال دون معالجة، وهذا أمر خطير يتحمّل مسؤولياته من يشرف على الأمن في هذه المناطق.
إن أهم شروط العيش في أي مكان هو العيش بأمان، وهذا الأمر بالمعنى النسبي لا يتوفر بصورة صحيحة، بل يتمّ اختراقه من حينٍ إلى آخر في مناطق الشمال السوري المحرر من قبل أعداء الثورة السورية، مثل “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وميليشيات نظام الأسد والميليشيات الشيعية الحليفة له، كذلك يقف خلف هذا الاختراق عدم صلابة المؤسسة الأمنية، التي تكون هي المسؤولة عن توفير هذا الأمن في هذه المناطق. كما يقف خلف ذلك تضرّر مصالح بعض الفئات المستفيدة من بقاء مناطق الشمال دون استقرار أمني واقتصادي حقيقي وفاعل.
عدم صلابة المؤسسة الأمنية (وزارة الداخلية) لا تتحمله هي، لأن ظروف عملها غير مكتملة، سواء على صعيد انفرادها بموجب القانون بإنفاذ الأمن، أو على صعيد توفير ما يكفي من عناصر ذات خبرات لضبط الوضع الأمني، فلا تزال هناك قوى منافسة في الواقع (أجهزة أمن الفصائل) وهي متعددة وكثيرة، ومتدخلة في بعض شؤون الأمن الداخلي.
هذه الحالة تطرح أسئلةً ملحّةً، أولها، لماذا لا تكون هناك استراتيجية واضحة وبرنامج زمني محدّد لما يُطلق عليه مفهوم “الاستقرار العام”؟ وثانيها، هل تستطيع الحكومة السورية المؤقتة تنفيذ هذه الاستراتيجية بدون وجود دعم مالي ولوجستي واضحين لهذا البرنامج؟
إن القدرات المالية للحكومة المؤقتة لا تفي حاجة هذه الحكومة للقيام بوظيفتها الأمنية أو التعليمية أو الصحية كما ينبغي وبالحد الأدنى، لأن الواردات المالية لهذه الحكومة لا تغطي نفقاتها في حالة فرض الاستقرار، لهذا لا بدّ من إيجاد موارد مالية تخدم تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بتثبيت الاستقرار.
إن وجود استراتيجية وبرنامج محدّد لتثبيت الاستقرار يحتاج بالضرورة إلى خطوات، أول هذه الخطوات، وجود حوكمة سياسية في مناطق الشمال المحرر، صلاحياتها تكون واضحة ومحددة بما يخصّ حشد الحاضنتين الشعبية والثورية، وتحديداً التمسك الثابت بالقرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية (بيان جنيف(1 والقرارين 2118) – 2254)، ومتابعة شؤون هذه القضية مع عواصم القرار الدولي، ومع المنظمة الدولية.
شروط تطبيق الحوكمة السياسية تتوفر عملياً في البنية التنظيمية للائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، من هذه الشروط ضرورة وجود كيان تشريعي يسنّ القوانين الضرورية والأساسية لتوفير الاستقرار المترافق مع العدالة، وهذا يتعلق بعمل الهيئة العامة للائتلاف التي تلعب هذا الدور.
كذلك وجود الهيئة السياسية في الائتلاف يساهم في إدارة الملف السياسي المرتكز على ثوابت جوهر القرارات الدولية الخاصة بسورية وفي مقدمتها القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2254 تاريخ 18 كانون الأول عام 2015.
العمل على تمكين دور الحكومة المؤقتة في إدارة كل الشؤون الخدمية في مناطق مسؤولياتها، وبدعم ومساندة صريحة وواضحة من الحليف التركي. فبدون هذا التمكين لا يمكن توفير أبسط أنواع الاستقرار العام، وخصوصاً الاستقرار الأمني.
بدون هذين الأمرين (الحوكمة السياسية والتمكين الحكومة المؤقتة) مع دعم تركي لتثبيت الاستقرار لن يكون هناك قدرة على ضبط الوضع الأمني في ظل قصور إمكانات وزارة داخلية الحكومة المؤقتة، وستبقى الثغرات الأمنية التي يستطيع الأعداء النفاذ منها موجودة، نتيجة تعدد الجهات التي تمارس دور قوى الأمن، ونقصد دور بعض الفصائل العسكرية في لعب هذا الدور.
إن الجهات المعادية التي تحاول بلبلة الأوضاع الأمنية في الشمال المحرر تستفيد من غياب وحدة القرار الأمني في هذه المناطق، وإن فرض الأمن مع وجود مفهوم مركزية أمنية لكل مناطق المحرر، يحتاج إلى داتا توثّق أماكن السكن ومن يقطنها، كما يحتاج إلى ضبط تام لكل الآليات الموجودة، سواء بما يخصّ أنواعها أو مالكيها أو انتقال ملكيتها بين الأفراد.
كما يتطلب حصر حمل السلاح الفردي بعناصر وزارة الداخلية المكلفين بفرض الأمن وتطبيق القانون، وهذا ينسحب على منع دخول اية قوة مسلحة في المدن والمناطق المدنية، إلا بما تقرره الحكومة وفق حاجات فرض الأمن العام، وعبر غرفة العمليات المركزية للجيش الوطني السوري التابع لوزارة دفاعها.
إن قدرة الحكومة المؤقتة على إدارة الخدمات في مناطق عملها يحتاج إلى مركزة شؤون المال، فوزارة مالية هذه الحكومة هي من يجب أن يسيطر قانونياً على كافة أعمال الجباية المالية، وفرض الرسوم واستيفائها، وبالتالي يجب أن يكون هناك موازنة سنوية أولية ترتكز مواردها على كل ما يتعلق بالنشاطات الاقتصادية والخدمية ودفع الرسوم المختلفة، وإدارة المعابر.
إن الذهاب إلى الاستقرار العام في الشمال السوري يتطلب برنامجاً زمنياً محدداً، يشمل توحيد عمل الفيالق ومكوناتها من خلال غرفة عمليات واحدة تتبع وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، وهذا الأمر بالذات يحتاج دعماً حقيقياً من الحليف التركي، فهل نشهد قريباً بناءً تدريجياً للحوكمة السياسية، وتمكيناً إدارياً لعمل الحكومة المؤقتة؟