أسامة آغي
أعلنت منظمة غلوبال جستس – المبادرة السورية الأمريكية أنها توجّه دعوات إلى المنظمات المستقلة والتيارات السورية العاملة في كل من الولايات المتحدة وأوربا والداخل السوري ودول الجوار، لتشكيل فريق عمل مشترك يكون بمثابة لجنة طوارئ لمواجهة تداعيات التطبيع العربي والإقليمي مع نظام الأسد على القضية السورية.
في البدء التطبيع العربي والإقليمي يعتبر قطعاً مع القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بتاريخ الثامن عشر من شهر كانون الأول عام 2015.
القطع مع القرار المذكور يعني القفز فوق ما نصّ عليه، وتحديداً ما يتعلق بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية من طرفي الصراع، تنتقل إليها صلاحيات الرئاسة والحكومة والبرلمان، وتكون مدتها محددة، يتم خلالها إعداد مشروع دستور جديد يتمّ التصويت عليه أولاً وبموجبه تجري انتخابات شفافة تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة.
التطبيع العربي والإقليمي يعني القفز فوق مسؤولية نظام الأسد عن كلّ الجرائم التي ارتكبها من تدمير للمدن والبلدات والقرى، وجرائم القتل وهي جرائم موثقة عبر “صور قيصر” وتقارير اللجان الأممية المختصة بالكشف عن جرائم النظام، الذي استخدم أسلحة كيماوية ضد المدنيين العزّل.
التطبيع العربي والإقليمي مع نظام أسد يعني ترسيخ مبدأ عدم المحاسبة وفق القانون الدولي على الجهات التي ترتكب جرائم تنتهك حقوق الإنسان، أو جرائم ترقى إلى مستوى جرائم إبادة.
إن دعوة فريق العمل المشترك لا تستقيم بدون طرح قاعدة لهذا العمل، تنهض على موضوعة ضرورة استقلال القرار السوري، هذا القرار، لا يزال يتوزع على قوىً دولية وإقليمية، أي أنه لا يزال رهينة لدى القوى المنخرطة في الصراع السوري.
استقلال القرار السوري لقوى الثورة والمعارضة سيمنع بالضرورة التفريط بجوهر كفاح السوريين من أجل انتقال البلاد من نظام حكم استبدادي إلى نظام دولة المواطنة والمؤسسات القانونية والديمقراطية، ولهذا لا يمكن إيقاف تداعيات التطبيع العربي والإقليمي وحتى الدولي بدون انتزاع استقلالية القرار السوري.
لقد أوضح إعلان إنشاء تحالف استقلال سورية، بأن الحل الوحيد لاستعادة استقلالية القرار السوري لن تتحقق سوى بالعمل الحر على تطبيق القرارات الدولية ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، لبناء دولة مدنية ديمقراطية ذات مؤسسات حقيقية تؤمن بالعيش المشترك وحسن الجوار والتنمية والمساواة كخيارات نهائية للشعب السوري.
وفق هذه الرؤية، لن تكون هناك استقلالية للقرار السوري إلا بإعادة النظر بالكيفية التي يتمكن فيها السوريون من امتلاك زمام المبادرة السياسية دون ضغوط وتدخلات إقليمية أو دولية.
وإن من مصلحة الدول الإقليمية بالمعنى الاستراتيجي، ليس إيجاد الحلول الصغيرة والمرحلية المؤقتة للمشاكل التي يسببها بقاء نظام الأسد في السلطة، فهذه السياسة، تساهم بدرجة ما في منح النظام الظروف والشروط المادية والمالية لإعادة إنتاج نفسه، دون أي تغيير في بنيته، هذه البنية، محورها الرئيس استمرار نظام غير شرعي، ارتكب جرائم عظمى بحق الشعب السوري وشعوب المنطقة، هذا النظام، لا يهمه سوى استمرار هيمنته على القرار السياسي السوري بكل جوانبه، بما يخدم مصالحه الضيّقة.
إن الرهان على تغيير سياسة النظام من خلال القفز فوق واقع كارثي خلقه، هو رهان واهمٌ، لأنه يتجاهل بنية هذا النظام الحقيقية، وطريقة عمله وفق هذه البنية، التي تتشكل من أنساق ممارسة الإرهاب والقتل والتدمير وصناعة وترويج المخدرات وتشكيل العصابات الداخلية والخارجية لتنفيذ استراتيجيته المرعبة.
رهان الدول الإقليمية ومنها الدول العربية كان ينبغي أن يتمّ على إنجاز الانتقال السياسي في سورية بموجب القرارات الدولية، فالانتقال المذكور ينسف كل استراتيجية عمل عليها نظام الأسد سابقاً، سواء بتدخلاته الإقليمية، أو باصطفافه سابقاً ولاحقاً مع أعداء الشعب السوري والشعوب العربية.
إن رسم استراتيجية جديدة من أجل تغيير مواقف الدول التي عملت على تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد يتوقف على أساسٍ رئيسٍ، هو إنجاز استقلالية القرار السوري، هذه الاستقلالية تعتمد على إيجاد مربع عمل وطني حقيقي مؤطّر، يضمّ كل القوى الثورية والمعارضة لنظام الاستبداد، تضع في اعتبارها أن برنامجها غايته مصلحة الشعب السوري الثائر في إنجاز مهام ثورته في حدّها الأدنى وهو الانتقال السياسي إلى دولة المواطنة والحريات.
تأطير العمل الوطني الحقيقي يتمّ من خلال عقد مؤتمر سوري جامع لكل أطياف الشعب السوري السياسية، هذا المؤتمر لن يكون ذا قيمة فعلية بدون ارتكازه على قاعدة الوطنية السورية، فلا يمكن له أن ينجح إذا تشكّل على قاعدة طائفية أو دينية أو اثنية.
الوطنية السورية هي مربعٌ تلتقي فيه كل القوى الوطنية المؤمنة بالديمقراطية والتعددية السياسية، وغير القوى ذات النهج الإيديولوجي الشمولي، سواء الديني منها، أو غير الديني، وبدون توفير هذه الركائز، وبدون منع تقديم الخاص الضيّق على الوطني الشامل، لن نتمكن من تحقيق استقلالية قرارنا السوري، والذي سيكون مكسباً ليس للسوريين فحسب، بل مكسباً لكل دول جوار سورية ودول الإقليم، لأنه يرسّخ علاقات حسن جوار وتبادل منافع ملموسة مع شعوب ودول المنطقة دون عنفٍ أو إرهاب.
فهل تعمد المنظمات الموقعة على إعلان مبادرة استقلالية القرار السوري إلى الذهاب نحو هذه الأهداف؟ السوريون ينتظرون خطوات عمل ملموسة وليس بيانات أو إعلانات سياسية.