محمود الحمزة
مرت مسيرة شعبنا الثورية ضد عصابة الأسد، خلال اكثر من عقد، بمراحل نوعية مختلفة. كانت بدايتها عفوية سلمية ووطنية، ثم ابتليت بالأسلمة والعسكرة التي شارك فيها كل قوى الثورة المضادة في داخل سوريا وخارجها، ولكن جذوة الثورة السورية العظيمة لم تنطفئ بل استمرت، وها هي تشتعل من جديد في قلب السويداء – جبل العرب الاشم، وهو نفس المكان الذي انطلقت فيه قبل مائة عام الثورة السورية الكبرى التي وحدت السوريين وجابهت الاحتلال. واليوم احفاد المجاهد الوطني سلطان باشا الأطرش يسطرون صفحة ذهبية في تاريخ سوريا المعاصر، لأنهم حملوا الراية الوطنية التحررية من جديد في ظروف هي بأمس الحاجة لهكذا انتفاضة.
قبل سنوات قليلة فرح المجرم الأسد واعتبر نفسه منتصرا على شعبه وفرح معه حماته في موسكو وطهران لأن كل منهما تبجح بأنه هو من حافظ على نظام الأسد، ولكن الأسد مجرم وفاسد وتاجر مخدرات، ويمتلك المليارات هو وعائلته وحاشيته من الشبيحة، بينما السوريون يتضورون جوعا وبردا وخوفا.
حاول العرب انقاذ نظام الأسد ظنا منهم أنهم ينقذون سوريا والسوريين، ولكنه اثبت لهم بأنه غير قابل للإصلاح فهو مجرم وفاسد ومعتوه، ويبقى السؤال مفتوحا: ماذا سيفعل حماته ورعاته ومن تواطئ معه؟ فهم لا يستطيعون تحمل عبئه الاقتصادي والمادي، ولا العرب الذي خاب أملهم فيه، علما ان السوريين حذروا اخوتهم العرب بأن المجرم الأسد غير قابل للإصلاح. والازمة السورية تحتاج لحل سياسي جذري عادل جوهره تغيير النظام وإتاحة الفرصة لكل السوريين في بناء سورية الجديدة الديمقراطية، دولة القانون والحرية والكرامة، فالأسد وعائلته المجرمة لم يعد لها مكانا في مستقبل سوريا.
عندما خرج السوريون أول مرة في 2011، ادعت الشبيحة بثينة شعبان بأن النظام سيحسن الأوضاع المعاشية للناس، لكن المحتجين الاحرار ردوا عليها : “يا بثينة يا شعبان، الشعب السوري مش جوعان”.
واليوم الشعب السوري جائع ونقولها بحرقة وألم. ومع ذلك خرج أهلنا في السويداء ليعلنوا للعالم بأنهم لم يخرجوا من اجل الخبز مع أهميته، ولكنهم يطالبون بحل جذري لمشكلة الشعب والبلاد وهي التغيير السياسي الوطني وان تكون سوريا لكل السوريين وليست لحفنة من الشبيحة. وجددوا مطلب الثورة السورية بضرورة رحيل الأسد الجبان.
لقد تعلم ثوار الجبل بأنه يجب الحفاظ على سلمية الثورة، وعلى توجهها الوطني اللاديني واللاقومي، وانها ثورة وطنية شعبية ترفع راية سورية الموحدة شعبا وارضا.
هنا السويداء، هنا سوريا، هنا درعا، رددها المتظاهرون. الذين اظهروا بأنهم جديرون بحمل راية الوطنية السورية رافضين تهمة الرغبة بالانفصال أو بالتوجه الطائفي، فهذا غريب على اهل الجبل الكرام.
وأظهر احرار سوريا في السويداء بأنهم على مستوى عال من الوعي السياسي والواقعية، فلم يطرحوا شعارات عامة دعائية وإنما طالبوا العالم والأمم المتحدة بتطبيق القرار 2254 الذي اقره مجلس الأمن في 2015.
وقدم ثوار السويداء مثلا ونموذجا جميلا للتظاهر حيث تشارك النساء والشباب والرجال ويرفعون الشعارات العقلانية وينشدون الأغاني الوطنية ويقدمون المناسف ويطعمون حتى افراد الشرطة الذين في خدمة النظام. هناك وعي شعبي ووطني عالي لدى منظمي التظاهرات والمشرفين على الأوضاع في السويداء فهم يمارسون سلوكا حضاريا ويحافظون على ممتلكات الأشخاص والدولة، لأنها ملك السوريين، ويسود الأمن والأمان. وبصراحة يفتقد الشمال السوري الذي يسمونه “المحرر” لهذه الميزات. فالفصائل المسلحة هناك وشبيحة المعارضة بمختلف اشكالهم يمارسون تجارة المخدرات والسلاح والتسلط والاعتداء على حرية المواطنين.
ومن أهم ميزات الانتفاضة الشعبية في السويداء هو الموقف الموحد لكافة الشرائح الاجتماعية والسياسية والدينية. وبهذه المناسبة نتوجه إلى شيوخ العقل الاكارم في السويداء بتحية اجلال وتقدير على تضامنهم مع المحتجين في السويداء، وعلى موقفهم الوطني الصادق، وبذلك فوتوا الفرصة على المترددين وعلى أزلام النظام الذين كانوا وما زالوا يحلمون بشق الصف الوطني او توجيه تهم زائفة بأن المتظاهرين لا يمثلون كل ابناء المحافظة. فشلت كل تلك المزاعم والخطط الخبيثة وأثبتت ثورة السوريين في السويداء بأنها سورية وشعبية وتمثل كافة شرائح المجتمع.
وقد شكلت انتفاضة السويداء السورية ضربة لعصابة الأسد وابواقه الإعلامية فكل الاعيبهم وتهمهم الجاهزة للمتظاهرين في المحافظات السورية بوصفهم بالإرهاب لن تمشي في السويداء، خاصة وانه تاجر بمقولة بحماية الأقليات. ولذلك ينظر الأسد بحسرة ولا يستطيع استخدام القوة والجيش ضد المواطنين بل ينتظر عامل الزمن.
ومع ذلك يجب ان نكون حذرين من عصابة الأسد وحلفائه مثل حزب الله الطائفي والحرس الثوري الإيراني الذين لا يهمهم إن تفجرت الأوضاع فهم على ارض ليست ارضهم ويقاتلون بمرتزقة من كل اصقاع الأرض.
ونتمنى ان يصدق المجتمع الدولي ولو مرة ويمنع أي تدخل او استخدام القوة ضد المحتجين السلميين.
ويبقى السؤال الأهم!
أين ثوار سوريا وأين الشعب السوري في المناطق الأخرى لماذا لا يهبون دفاعا عن الثورة وتضامنا مع أهلنا في السويداء. فأحرار السويداء هم بأمس الحاجة للدعم المعنوي والمادي للاستمرار في الصمود وهم يمثلون الخط الامامي للثورة السورية.
ادعو كافة الجاليات السورية في العالم للتظاهر على الأقل كل أسبوع للتضامن ودعم الثورة السورية في السويداء.
لا تتركوا احرار السويداء لوحدهم فهم الذين بعثوا فينا الامل بانتصار الثورة، وخاصة ان عصابة الأسد في أسوأ ايامها.
تحية اجلال وتقدير لثوار سوريا في السويداء
وعاشت سورية الحرة الديمقراطية.