د. عبدالحكيم بشار
إن ما حصل في أنقرة من عملٍ إرهابيٍّ مدان يوم الأربعاء بتاريخ 23/10/2024 والذي تبناه حزب العمال الكردستاني، يؤكّد بشكلٍ لا لبسَ فيه أن قادة قنديل إما أنهم يعيشون خارج التاريخ والمنطق، أو أنهم أصبحوا مجرّد أدوات رخيصة جداً بأيدي دول إقليمية تدفعهم إلى الواجهة للقيام بالعمليات الإرهابية عوضاً عنها، كما فعل ذات المشغّل من قبل بحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، بينما ما يقدر عليه التنظيم وقادته على المستوى الداخلي أي داخل المجتمع الكردي هو فقط ذلك المجد المبني على الخطف والاغتيال والإرهاب.
إن الأحداث الاقليمية تؤكّد أنه ولى عهد البندقية في تحقيق الأهداف القومية وتطلّعات الشعوب، وإذا كان الهدف من استعمال البندقية والاحتكام إلى منطلق السلاح قبل عقود من الزمن كان الغرض الأبرز منه هو جرّ الخصم إلى طاولة الحوار، فإن أياً من تلك المبرّرات غير متوفرة أو موجودة في تركيا، بما أن الحكومة التركية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان انفتحت على القضية الكردية بخطوات واسعة ومدروسة، وطرحت أكثر من مرة مبادرات للبدء بعملية السلام مع عبد الله اوجلان، إحداها كانت في عام 2015 والتي قام بإجهاضها قادة كهوف قنديل بعدّة عملياتٍ إرهابية.
والآن، بعد تسريباتٍ من مصادر متعدّدة ومتقاطعة أنه كانت هنالك لقاءات سرية بين ممثلين عن الحكومة التركية وأوجلان للوصول إلى التفاهم وطرح مبادرة سلام جديدة، وتوِّجت تلك اللقاءات السرية بالتقارُب وإظهار الليونة من قِبل دولت بهجلي رئيس أحد أكثر الأحزاب القومية التركية تشدُّداً، حيث وصل به الأمر إلى مصافحة قيادات ممثلي حزب “دم بارتي” القريب من حزب العمال الكردستاني في البرلمان التركي، كما طلب بهجلي من أوجلان أن يحضر إلى البرلمان ويُلقي خطابَ سلامٍ يؤكد فيه عن تخلي حزبه عن العنف والسلاح، والبدء بمسار السلام من جديد.
ما يعني أن هذا الطرح لم يأتِ من فراغ، إنما يشير إلى مدى جديِّة الحكومة التركية في إنجاح مبادرة السلام، خاصةً عندما يؤيّد التيار المتشدِّد فيها الطرح ويتبنّى بشكل علني هذه المبادرة، إلاَّ أنه كان لقادة قنديل رأي آخر، وهو تكرار نفس سيناريو عام 2015، والقيام بذلك العمل الإرهابي المدان بهدف إفشال مبادرة السلام.
وهنا يتساءل المرء:
هل يمكن لقادة قنديل بأسلحتهم البسيطة أن يتغلبوا على ثاني أقوى جيش في الناتو وإرغامها على قبول شروط قنديل؟ وما هي شروط قنديل للسلام إن وجدت أصلاً؟ وكيف يمكن أن تفرض قيادة قنديل شروطها بأسلحتها التقليدية البسيطة على دولة بحجم تركيا؟ حقيقةَ الأمرِ لا يمكن لعقل ما يزال يعمل بنصف طاقته أن يقتنع أنه يمكن لقنديل هزيمة الجيش التركي، إذاً لماذا اللجوء إلى استعمال البندقية؟ وما هو غرض العملية الأخيرة إذا كان الهدف هو حل القضية الكردية؟ وما الغاية من إجهاض مبادرات السلام التركية؟
إن التحليل المنطقي يقودنا إلى التصوُّر أنه ليس لقيادة قنديل أيَّة علاقة بالقضية الكردية، وأنهم يعملون من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف التي لا تخدم سوى الجهة التي يعملون بإمرتها، ولم يعودوا أصحاب قضية كما يزعمون، بل ومن خلال العملية الأخيرة ذات التأثيرات السلبية المباشرة على كرد سوريا بيّنوا أنهم مجرد مرتزقة لا يهمّهم غير إرضاء مَن يستخدمهم، وباتت الأهداف التي يعملون عليها هي:
ـ إجهاض القضية الكردية ليس في تركيا فقط، وإنما حتى في العراق وسوريا وإيران.
ـ العمل المستمر على زعزعة الاستقرار في إقليم كوردستان وتركيا.
ـ تهجير الشعب الكردي من مناطقه في سوريا وإفراغ تلك المناطق من أهلها.
باختصار:
أصبحوا الآن مجموعة مسلحة تمارس الإرهاب المنظَّم لتنفيذ أجندات إيران في المنطقة، هذا بالرّغم من أنهم يرون بأعينهم كيف أن التنظيمات الوظيفية التابعة لإيران تتساقط كأوراق الخريف واحدة تلو الأخرى، وفي الجانب الآخر يجب على أوجلان أن يكون صاحب موقف صريح وواضح ومؤثر، ويتفاعل بشكل إيجابي مع مبادرة السلام، ويحضر إلى البرلمان، ويعلن تخلّي حزبه عن العنف والسلاح، والبدء ببرنامج جديد أساسه العمل السياسي الديمقراطي، ونبذ كلّ أشكال العنف والتطرّف والإرهاب.