فايز سارة
يصعب على من أراد حصر وتعداد مشاكل بشار الأسد القيام بهذه المهمة، وينطبق الأمر على العارفين والمتابعين المختصين بالملف السوري، نتيجة طبيعة تلك المشاكل وعلاقاتها بما حدث في سوريا ومركز السلطة فيها في العهد الأسدي الطويل ولا سيما في العقدين الأخيرين.
تزايدت مشاكل الأسد وتنوّعت، وأبرزها ما يتعلق بجوهر وطبيعة النظام الذي يتولى إدارته، وبجانبها مشاكل تتصل بما ورثه عن المرحلة السابقة من النظام الأسدي الذي أسسه والده حافظ الأسد وأداره في فترة رئاسته ما بين 1970 و2000، ومشاكل ولدت وتعمقت بعد توليه السلطة بالوراثة عام 2000، وتراكمت في فترة تقترب اليوم من إتمام ربع قرن من السنوات، شهدت أحداثًا وتطورات غير مسبوقة في تاريخ سوريا، ولا مثيل لها في تاريخ معروف لواحد من بلدان العالم.
الحال المعقد للنظام ورأسه بشار الأسد ومشاكله محصلة طبيعية نتيجة طبيعته وموقعه في إدارة نظام مغلق، ديكتاتوري أقلوي فاسد واجرامي، وكلها تضيف صعوبات أخرى في حصر مشاكله وتعدادها، بل وتناولها، مما يجعل أي حديث عنها في مقال أو دراسة مجرد إشارات، تتعلق ببعض صفاتها وتأثيراتها على الواقع السوري في البعدين الراهن والمستقبلي.
بين أهم وأبرز مشاكل الأسد اليوم محدودية وهشاشة سيطرته على سوريا وإدارتها. والجوهري في المشكلة أنه يسيطر على مساحة تزيد قليلًا عن نصف مساحة البلاد، التي كان يديرها عام 2011 وبعدد من السكان يقارب ثلث ما كانوا عليه، وهذا القسم من سوريا، يُمثّل واحدًا من ثلاثة كيانات الأمر الواقع حيث إلى جانبه في الشمال الشرقي الإدارة الذاتية، التي يديرها مجلس سوريا الديمقراطية وقوات “قسد” بدعم من الولايات المتحدة، وفي الشمال الغربي منطقة السيطرة التركية، التي تديرها حكومتان تتبع الأولى الائتلاف الوطني المعارض، وتتبع الثانية “هيئة تحرير الشام” أبرز جماعات التطرّف في سوريا.
الأهم في كيان الأمر الواقع الذي يديره الأسد، أنّ إدارة الأخير شكلية، لا تتعدى أنها واجهة لاحتلال إيراني – روسي مقنّع مملوء بالتناقضات والصراعات البينية، التي يجهد الشركاء الثلاثة على إخفائها للحفاظ على المصالح المشتركة، التي تقتصر حصة الأسد فيها على البقاء في السلطة، والمراهنة على إعادة تأهيله للعودة إلى ما كان عليه في مستقبل قريب.
المشكلة الثانية في مشاكل الأسد تتمثّل في افتقاده الأفق السياسي، حيث لا هَمّ له سوى الحفاظ على النظام، والبقاء على رأسه، وكلها منعت مجرد التفكير في أي حل يمس جوهر النظام، أو يتصل بوجوده ودوره، والإصرار على المضي في مسار واحد، وهو إخضاع السوريين بالقوة عبر الحل العسكري – الأمني المتواصل، وإعادتهم بأي شكل إلى ما كانوا عليه بداية العام 2011.
وإذ أثبتت وقائع الصراع في سوريا مرات عديدة، أنّ إعادة السوريين إلى ما كانوا عليه واعادة سوريا إلى ما كنت عليه، أمران مستحيلان سواء باستخدام مختلف أساليب القتل والدمار والتهجير، التي مورست ضدهم من النظام وحلفائهم ونتيجة تخلي الجانب الإقليمي والدولي عن مسؤولياته في الدفاع عن السوريين وحمايتهم، وبفعل أخطاء وخطايا الذين تصدوا المشهد في قيادة تنظيمات الثورة والمعارضة، وقد صارت صعوبات إعادة سيطرة النظام على سوريا والسوريين اليوم أشد بفعل الدور الخارجي في القضية السورية والذي تتقدم الفاعلين فيه الولايات المتحدة وروسيا إضافة إلى تركيا وإيران، ومعهم الدول الأوروبية وإسرائيل، فضلًا عن الدور المستجد والنشط الذي بدأته المجموعة العربية، وكلها صاحبة تأثير وازن في الحل السوري بدرجة وأخرى.
المشكلة الثالثة في قائمة مشكلات الأسد، هي مشكلة الكبتاغون، التي تحوّلت من أحد نشاطات أركان النظام الخفية في العشرية الأولى من عهد بشار إلى نشاط رئيس مرتبط بالرئيس وحلقته الضيقة في السنوات الأخيرة، حيث اعتمد تصنيع الكبتاغون وتجارته المحلية والدولية مصدرًا رئيسيًا من مصادر تمويل النظام الذي أخذ يواجه تحديات كبرى نتيجة تراجع تمويل الحليفين الإيراني والروسي من القروض والمساعدات، التي لا يتبين لهما أفق لاستعادتها أو إمكانية انطلاق ما حصلا عليه من استثمارات ومزايا تحتاج إلى سلام واستقرار، والعامل الثاني ضعف المصادر المحلية نتيجة تعميم الفقر إلى أكثر من 90 بالمائة من السوريين، وعجز أغلبهم عن تأدية الضرائب والخاوات، وخراب أوضاع أصحاب المال والأعمال ومغادرتهم البلاد نتيجة تردي الأوضاع العامة ومصادرة أموالهم وفرض الخاوات عليهم.
ثمة كثير من مشاكل تواجه الأسد وأكثرها مشاكل معقدة، لكن الأبرز فيها مشاكل صعبة الحل، بل تكاد تكون مستحيلة الحل، لأنّ شخصية الأسد وتجربته تتصادمان مع أي حل ممكن لهذه المشاكل، وحلها إذا تم لن يكون إلا بغيابه.
المصدر: “عروبة 22”