حاوره: أسامة آغي
لعب السيد جورج صبرة “وهو العضو البارز في حزب الشعب الديمقراطي السوري” دوراً هاماً في معارضة سياسة نظام أسد منذ سنوات بعيدة، فهذا الرجل الذي انتخب رئيساً للمجلس الوطني السوري في التاسع من نوفمبر / تشرين الثاني عام 2012، لا تزال معتقلات النظام تحتفظ برائحة مواقفة المنتصرة للثورة السورية والتغيير الديمقراطي، ولا يزال يكافح من أجل خلاص سورية من نظامها الاستبدادي.
موقع غلوبال جستس سيريا نيوز التقى بالسيد جورج صبرة عبر الشبكة العنكبوتية، فكان هذا الحوار.
السؤال الأول:
عربة الحل السياسي للصراع السوري لا تزال دون أي تقدمٍ يُذكر، والسبب فضفاضية القرار 2254، وكأن هذا القرار تمّت صياغته لعدم الوصول إلى حلٍ سياسي.
كيف يمكن إنتاج حل سياسي سوري في ظل صراعات دولية بين المعسكرين (الروسي الصيني من جهة والأوربي والأمريكي من الجهة الثانية)؟ وهل تعتقدون بإمكانية فصل الصراعات بين هذه الأطراف؟ وكيف؟
• يقول السيد جورج صبرة في إجابته على سؤالنا الأول:
ليست فضفاضية القرار 2254 – رغم وجودها – السبب في تعثر الحل السياسي للقضية السورية وعدم تقدمه . فالقرار المذكور يستند نصاً وروحاً إلى بيان جنيف1 لعام 2012، الذي أسس للعملية السياسية بوضوح ، وقرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013 ، الذي ثنى على البيان ، وأكد على تبني رؤيته للعملية السياسية . غير أن انعدام الإرادة الدولية في تنفيذ القرارات الأممية المعتمدة هو الذي حال حتى اليوم دون مباشرة الحل السياسي، الذي أنتج عبر الأمم المتحدة وجهودها وبموافقة القوى الدولية الفاعلة.
ويضيف صبرة:ومن دون شك، فالتوافق الدولي بين القوى الكبرى شرط أساس لتحويل القرارات الأممية من نصوص على الورق إلى حقيقة وإجراءات ملموسة على الأرض. واستعار الصراعات الدولية بين التكتلات والمعسكرات – كما يشهد العالم اليوم – يزيد من الاستقطاب، وينسف إمكانية الحلول السياسية لقضايا الصراع الكبرى كالقضية السورية، ويضعها على رف القضايا المؤجلة، وموضع متاجرة واستثمار سياسي . ومع تفجّر الحرب في أوكرانيا والاستقطاب الدولي الحاد الذي استدعته، أصبح من الصعب جداً الحديث عن فصل الصراعات وإنتاج التوافقات الدولية هنا أو هناك. ليبقى الأمر رهناً بالمقايضات المحتملة بين الأطراف، والتي يمكن أن تحصل لتبادل المصالح بين المتنازعين الكبار منعاً لصراع عنيف غير مرغوب فيه ولا جدوى منه، لا يريده الطرفان.
السؤال الثاني:
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي تفجّر عشية اقتحام كتائب عز الدين القسّام لمستعمرات غلاف غزّة لا يبدو أنه محدود.
هل تعتقدون أن حماس شنّت هجومها على قاعدة وعود إيرانية لم تحدث؟ وهل ترون إن إيران قاتلت وتريد قتال إسرائيل بأذرع ودماء فلسطينية لتحصد لاحقاً نتائج دعمها العسكري والمالي عبر هذه الأذرع؟
• يرى السيد جورج صبرا أن: “معظم الأطراف المعنية تنفي حتى معرفة إيران بخطة حماس وقرارها بعملية ” طوفان الأقصى”. لكن هذا لا يمنع أن يكون استناد حماس إلى نوعية العلاقة التاريخية والاستراتيجية مع إيران من عوامل اطمئنانها للدعم فيما فعلت. وأن تفترض عدم تخلي ” محور المقاومة ” عن مسؤولياته ووعوده. لكنني أعتقد أن خيار الفلسطينيين الصعب، ومعاناتهم الطويلة والمضنية في قطاع غزة كسجنٍ أبدي مفتوح على كل الانتهاكات الإسرائيلية أكثر من كافية لصنع قرار فلسطيني مستقل.
ويضيف صبرة:
بغض النظر عن حجم الحضور الإيراني وراء القرار، فهي تعمل على تثمير دعمها لحماس ، كما فعلت وتفعل في توظيف دعمها لقوى وتيارات وأحزاب في المحيط العربي ، لتعزّز وجودها في هذه الدول ودورها في المنطقة العربية، وهو ما تفعله منذ عقود على اختراقها وتأسيس مراكز قوة فيها . ووجدت في الصراع العربي / الإسرائيلي مدخلاً لذلك. فهي تتدخل وتقاتل بأيدٍ عراقية ويمنية ولبنانية وسورية في كل هذه البلدان. وأحياناً تستخدم هذه الاستطالات الأمنية والعسكرية كقوات تدخل وتدمير وتخريب لتنفيذ مخططاتها في بلدان أخرى. كما فعل حزب الله والمليشيات العراقية في سورية.
السؤال الثالث:
من الواضح أن ميزان القوى في الصراع بين إسرائيل وحماس يميل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً لمصلحة الكيان العبري، وأن قادة إسرائيل لا يهمهم حماس والجهاد الإسلامي، إنما الهدف الرئيسي من ذلك هو تنفيذ قناة بن غوريون بي خليج العقبة وشاطئ غزة على المتوسط، فإسرائيل لا يمكنها تنفيذ مشروعها بدون إفراغ غزة سكانها، وهذه الحرب العدوانية ضدّ غزة هي لتحقيق هدفين، سحق تيارات الإسلام السياسي الفلسطيني، وقضم غزة على قاعدة بناء إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.
هل تتفقون مع هذه الرؤية؟ أم لديك رؤية أخرى؟
• يجيب رئيس المجلس الوطني السوري سابقاً الأستاذ جورج صبرة على سؤالنا الثالث:
أعتقد أن غزة بما تمثله من موقع وجغرافية مكانية وبشرية ، وطاقة مقاومة مشهودة ومجربة ، تشكل خنجراً دائماً بخاصرة إسرائيل ومصدر قلق متعدد الوجوه لها . فكيف بعد مجريات عملية ” طوفان الأقصى ” ودلالاتها ومراميها؟ فالشعب الفلسطيني – لأنه الخزان الدائم للمقاومة – هو المستهدف الأكبر اليوم في غزة، وليس تيارات الإسلام السياسي وحدها. لكن المعركة العسكرية معها، لأنها في الواجهة.
ويتابع صبرة إجابته قائلاً:
لذلك يرى العالم اليوم هذا الحجم من التدمير الممنهج والإجرام الموصوف والتوحش المنفلت من عقاله بمواجهة المدنيين من نساء وأطفال على شكل مذبحة مفتوحة . غير أن أعمال التهجير جنوباً، التي باشرت بها قوة التدمير والاحتلال الإسرائيلي ، كشفت مشروعها لإفراغ القطاع لأهداف أمنية قائمة، ومشاريع استراتيجية واقتصادية قادمة، تؤهل لتوطين المشاريع الدولية الكبرى . والتي صار الحديث عنها علنياً ومباحاً. وبظل اليمين الصهيوني المتطرف، الذي يدير السلطة في إسرائيل اليوم ، لا بدّ من استدعاء المشاريع التوراتية والأحلام التوسعية العنصرية.
السؤال الرابع:
كثير من السوريين يبحثون عن جواب لأوضاعهم البائسة في مخيمات ومناطق النزوح ودول اللجوء.
هل ترون الأفق مفتوحاً لاحتمال الوصول إلى حلٍ سياسي للقضية السورية؟ وما الشروط التي يجب توفرها لطي صفحة الصراع السوري؟ وما دور مؤسسات قوى الثورة والمعارضة في هذا الحل فعلياً؟
• يجيب السيد جورج صبرة على سؤالنا الأخير فيقول:
للأسف منذ زمن رفعت القضية السورية عن طاولة البحث والتداول للحل. ورغم تصريح المجتمع الدولي بشكل واضح بعدم وجود ” حل عسكري للصراع “، لكن لم تتوفر بعد الإرادة الدولية والظروف المؤهلة لمباشرة الحل السياسي، بعد إغلاق مسار جنيف الجدي للمفاوضات . علماً أن القرارات الدولية اللازمة متوفرة، والإجماع على اعتمادها كمسار للحل موجود سورياً وإقليمياً ودولياً. وجاءت الأزمة الأوكرانية والحرب في غزة لتزيد من سمك غلالة الإهمال للوضع السوري، واستمرار الاكتفاء بإدارة الأزمة دون المباشرة بحلها.
ويضيف صبرة:
كانت ” الهيئة العليا للمفاوضات ” قد اجتهدت في هذا الأمر، وهي التي أسندت إليها مهمة التفاوض على الحل السياسي باسم قوى الثورة والمعارضة خلال عامي 2016 – 2017. فأجرت سبع جولات من المفاوضات في جنيف. لكنها لم تحرز أي تقدم يذكر على الصعيد السياسي، رغم أنها تقدمت بثلاثين وثيقة للجانب الأممي تعبيراً عن مسؤوليتها وجديتها في الوصول إلى نتائج . وبقي الأمر دون جدوى سياسية مقتصراً على بعض القضايا الإنسانية.
ويرى صبرة أنه: ما زالت ” هيئة التفاوض ” التي أنتجها مؤتمر الرياض 2 عام 2017 دون عمل . ولا يبدو أي تغير في هذا المشهد بالمدى المنظور. خاصة بعد الحالة التي وصلت إليها المؤسسات التمثيلية الرسمية لقوى الثورة والمعارضة من وضع تبدد وانقسام، أدى إلى خسارتها التأييد الشعبي أولاً، وأورثها ضعف الاهتمام الدولي تالياً. وبدا أن الغائب الأكبر اليوم، والذي يفتقده السوريون ، ويجتهدون في محاولات عديدة من أجل إنجازه ، هو جسم سياسي يعمل وفق رؤية وطنية جامعة . يتمسك بأهداف الثورة دون تهاون، ويحمي خطها الديمقراطي التحرري، ويحافظ على القرار الوطني المستقل. لتحقيق الانتقال السياسي وتوفير الحرية والكرامة لجميع السوريين.