في السنوات الأخيرة، تدهورت العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ. وعلى خلفية التوترات المرتبطة بضم شبه جزيرة القرم، والغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، والتدخل في العمليات الانتخابية في عدد من الدول الغربية، يعمل الكرملين بنشاط على تطوير استراتيجية النفوذ وتقويض وحدة الاتحاد الأوروبي. ومن بين الجوانب الأكثر وضوحاً في هذه الاستراتيجية استغلال روسيا لنقاط الضعف في البنية السياسية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي لتعزيز مصالحها. وفي هذا السياق، يتم لفت الانتباه بشكل خاص إلى المجر، التي أصبحت بمثابة ثغرة لجواسيس وعملاء الكرملين.
المجر عضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، ومع ذلك، فقد أظهرت مؤخرًا بشكل متزايد سلوكًا يتعارض مع المواقف العامة للكتلة. وقد اتخذ رئيس الوزراء فيكتور أوربان وحزبه فيدس موقفاً متشككاً في أوروبا، ويعملون على بناء علاقات أوثق على نحو متزايد مع روسيا. على الرغم من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، بودابست
تواصل تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية مع موسكو، الأمر الذي يسبب قلقا جديا بين دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وتلعب العلاقات الاقتصادية بين المجر وروسيا أيضًا دورًا مهمًا في هذا السياق. الاستثمارات والمشاريع الروسية في المجر، مثل توسيع محطة باكس للطاقة النووية بمشاركة شركة روساتوم، تخلق منصة إضافية لنشاط التجسس. وباستخدام الهياكل التجارية، تستطيع روسيا تمويل عملائها سراً وإقامة الاتصالات اللازمة لتعزيز مصالحها في الاتحاد الأوروبي.
ومؤخراً، قررت المجر تبسيط قواعد التأشيرة لمواطني روسيا وبيلاروسيا، بحجة أن السلطات ترغب بالتالي في جذب العمالة من هذه البلدان لبناء محطة جديدة للطاقة النووية. وبطبيعة الحال، تسبب هذا في موجة من الانتقادات في أوروبا. وعلى وجه الخصوص، قال رئيس حزب الشعب الأوروبي، مانفريد ويبر، إن مثل هذه الإجراءات تفتح “ثغرات خطيرة لأنشطة التجسس” وتشكل “تهديدًا كبيرًا للأمن القومي” للاتحاد الأوروبي. ودعا ويبر المجلس الأوروبي إلى اتخاذ الإجراءات الأكثر صرامة لحماية منطقة شنغن ومنع مبادرات مماثلة من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي.
وقد وصل الوضع إلى المستوى الذي جعل قمة زعماء الاتحاد الأوروبي تدرس إمكانية تعليق مشاركة المجر في منطقة شنغن. وهذا الإجراء غير مسبوق وسيتم النظر فيه في قمة قادة الاتحاد الأوروبي المقبلة المقرر عقدها في أكتوبر 2024. ويؤيد ويبر بقوة فكرة فرض عقوبات على المجر، بحجة أنها ضرورية لحماية أمن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
يقوم الاتحاد الأوروبي حاليًا بجمع التوقيعات لدعم تعليق اتفاقية شنغن بالنسبة للمجر. وتأتي هذه الخطوة في إطار حملة أوسع لمنع استخدام المجر كقناة للعملاء الروس لدخول الاتحاد الأوروبي. وقد وقع أكثر من 70 عضوًا في البرلمان الأوروبي بالفعل على رسالة تدعو إلى تعليق مشاركة المجر في منطقة شنغن بسبب تخفيف قواعد التأشيرة للروس والبيلاروسيين. ويطالبون بإجراء تحقيق واحتمال استبعاد المجر من منطقة شنغن. لقد أصبحت المجر بمثابة “حصان طروادة” بالنسبة لروسيا في الاتحاد الأوروبي، مما يوفر للعملاء الروس الفرصة للمناورة واختراق الهياكل الأوروبية.
ولنتذكر أنه خلال الفترة من 2022 إلى 2024، قامت دول الاتحاد الأوروبي بطرد عدد كبير من الدبلوماسيين الروس المشتبه في قيامهم بالتجسس. وتم طرد أكثر من 600 مسؤول روسي في عام 2022 وحده، منهم حوالي 400 يعتبرون جواسيس. وقد تم اتخاذ هذه التدابير رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا وتهدف إلى الحد من قدرة الكرملين على القيام بأنشطة استخباراتية في أوروبا. تم تنفيذ الطرد النشط للدبلوماسيين الروس من قبل دول مثل ألمانيا وفرنسا وبولندا وهولندا ودول البلطيق وغيرها. على سبيل المثال، طردت ألمانيا حوالي 30 دبلوماسيًا روسيًا في أبريل 2023 وأغلقت أربعًا من القنصليات الروسية الخمس في البلاد. كما تم اتخاذ تدابير جدية في النرويج ورومانيا وفنلندا ومولدوفا، حيث تم تخفيض عدد الموظفين الدبلوماسيين الروس بشكل كبير.
وكان هذا الطرد الجماعي للدبلوماسيين الروس بمثابة الضربة الأكثر أهمية لأجهزة المخابرات الروسية في أوروبا في السنوات الأخيرة، مما أضعف بشكل كبير قدرات روسيا في هذا الصدد. ونظراً لأن العديد من الدول كانت تعمل بنشاط على طرد الدبلوماسيين والمتخصصين الروس المشتبه في قيامهم بالتجسس في السنوات الأخيرة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا بعد؟ وهل يمكن للمجر، المعروفة بولائها لروسيا، أن تصبح قناة لاستعادة وجود التجسس الروسي في أوروبا؟
وتثير سياسة المجر الرامية إلى التقارب مع روسيا مخاوف جدية بين الدول الأوروبية. إن تبسيط نظام التأشيرات لمواطني روسيا وبيلاروسيا يمكن أن يؤدي إلى مخاطر أمنية كبيرة، لذلك يدرس الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير للحد من عواقب هذه الإجراءات. إن التعليق المحتمل لمشاركة المجر في منطقة شنغن من شأنه أن يشكل خطوة مهمة في حماية وحدة أوروبا وأمنها. إن الأمر يتطلب تحركاً أقوى من جانب الاتحاد الأوروبي لمنع استخدام المجر كنقطة انطلاق لأنشطة التجسس ولتعزيز الأمن الجماعي للكتلة.
مصدر:
eupoliticsreport.com