خاص – نعيم مصطفى
لا يمكن لأحد من الناس بعامتهم وخاصتهم أن ينكر المأساة التي مني بها الشعب الفلسطيني منذ سبعة عقود ونصف على يد الكيان الإسرائيلي الغاصب الذي يجهل تماماً قيم الرحمة والعاطفة، والشفقة ولا يشبه البشر في إجرامه، وضربه بعرض الحائط لكل المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية، ومازال هذا الجرح الغائر في جسم الأمة الإسلامية والعربية ينزف و يمضّ الشعوب، وقد كانت القضية الفلسطينية تحوز على قصب السبق عند تلك الشعوب لسنيين عديدة، إلى أن لاحت في الأفق ثورات الربيع العربي التي حاولت زلزلة عروش الحكام الطغاة والتخلص من ظلمهم وآثامهم، إلا أن محاولة الشعوب باءت بالفشل في معظم الدول وذلك بسبب البطش والسفح والسفك للدماء الذي مورس من قبل الحكام بمباركة الدول الكبرى والعظمى التي تتشدق وتتباهى بحملها للواء الديمقراطية، وكانت فاتورة الشعوب التي دفعتها باهظة جداً وقد بزت ضحايا الشعب الفلسطيني بأضعاف مضاعفة، مما حول بوصلة عواطف الشعوب ومؤازرتهم إلى ضفة أخرى وهي ضفة الشعب السوري الذي تجرع كل أنواع وألوان وفنون القتل والتعذيب والتهجير…
الذي حصل إثر تلك الثورات ولا سيما الثورة السورية غير المناخات والأجواء السياسية المختلفة، فقد اصطفّ محور إيران وميليشياتها وروسيا بجانب النظام السوري وتلوثت أيديهم بدماء السوريين الطاهرة، وانكشفت ورقة التوت تماماً عن الطائفية المقيتة التي كانت تخفيها إيران وحزب الله ومن لف لفهم ضمن نظرية التقية التي تحتل مكاناً كبيراً في عقائدهم، فقد شرعوا ببث سمومهم الطائفية علناً وتحت الشمس منادين بثارات الحسين وزينب لن تسبى مرتين…كشروا عن أنيابهم وشرعوا بذبح السوريين صغارًا وكبارًا أطفالًا وشيوخاً، وطردوا الأهالي من بيوتهم واحتلوها، وفاقوا في فجورهم وممارساتهم الإرهابية الاحتلال الإسرائيلي بأشواط كبيرة، بعد أن كان معظم الشعب السوري مخدوعاً بشعارات حزب الله وإيران(الموت لإسرائيل وأمريكا الشيطان الأكبر) فتبين أنهما أكبر شيطان على وجه البسيطة.
أثناء هذه الأحداث كانت بعض فصائل الفلسطينيين يتخذون من دمشق مكاتب لهم ومن هذه الفصائل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل وكذلك الجهاد الإسلامي، وحماس…
النظام السوري المجرم السفاح طلب من تلك الفصائل الانخراط في قمع الثورة السورية، وقتل المتظاهرين، فوافق أحمد جبريل وساند الجيش الأسدي في القمع، أما حماس فرفضت الأمر والظلم ، فتم طردها وإهانتها بكلام بذيء، وقد أعلنت فيما بعد أنها بجانب الشعب السوري بعد أن توجه قادتها إلى قطر، وساعدت الثوار بطريقة ما، وأثنى إسماعيل هنية على الشعب السوري المقهور الذي طالب بحقوقه المسلوبة، قائلاً خلال كلمة ألقاها في الجامع الأزهر في القاهرة “إذ أحييكم وأحيي كل شعوب الربيع العربي، فأنا أحيي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح” و بسبب أنها الجناح المهيض والمنبوذة من الأنظمة العربية المطبعة والعميلة لإسرائيل، اضطرت لكظم غيظها وحاولت تحييد نفسها عن الحرب السورية بعد أن تكالبت كل ضباع العالم على الشعب السوري ليكسروا شوكته ويعيدوه إلى بيت طاعة الطاغية بشار، وحاولت حماس مد يد جسور التقارب مع الدول العربية التي تعتبرها عمقها قومياً وعقائدياً ولكن دون جدوى بل راحت تلك الدول تتآمر مع إسرائيل ضد حماس مما دفع بها لحضن إيران وحزب الله – على مبدأ أكل الميتة عند الضرورة – وبعد بضع سنين لازمت الصمت إزاء ما يحدث في سوريا، إلى أن هدأت نسبياً طبول الحرب، بعد خذلان الشعب السوري، فاضطرت حماس لإرضاء ما يسمى حلف المقاومة، والواقع أن الحلف هو الذي يساعد حماس بالمال والسلاح أما حماس فلم تقدم له شيئاً ولم تقف عملياً معه في قتله للشعب السوري بل كانت تطلق أصواتاً بين الفينة والأخرى كلام سياسي(سليمان القاسم شهيد شهيد شهيد على لسان هنية…) لا قيمة له، والسؤال الذي يمكن طرحه لماذا إيران وحزب الله يدعمون حماس السنية في حين أنهم يحاولون احتلال كل الدول السنية والقضاء عليها(سوريا، لبنان، العراق، اليمن… ) والجواب حسب رؤيتي يحاولون إبقاء شعرة بينهم وبين السنة بزعم أن ثورتهم المزعومة على الشاه ثورة إسلامية وأنهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأنهم يريدون الذبّ عن الأقصى والمقدسات الدينية، ويريدون تحرير فلسطين من براثن الإسرائيليين الملعونين في كتاب الله عزّ وجلّ.
الشعب السوري الحر بسبب المآسي والكوارث التي حلت به على يد بشار وزبانيته وحلفائه، لم يتمالك نفسه أمام مدح قادة حماس لمحور الممانعة المجرم وسيطرت عليه العاطفة(وصاحب هذه المقالة كتب مقالا ضد حماس)، فاشتاط غضباً وراح يشتم حماس ويكيل لها الاتهامات وأنها خانت الثورة السورية وخانت العرب الذين هم أبناء جلدتها(والحقيقة أن العرب هم الذين خانوها كما ذكرنا سابقاً، فهي ليست دولة بل بقعة صغيرة جداً تعادل مدينة صغيرة في مصر تقف سدا منيعاً أمام الغطرسة الإسرائيلية)
أطل علينا طوفان الأقصى، وكادت أن تنتهي الجولة الأولى من الحرب السورية بين شعب أعزل وبين قتلة فجرة، فتوجهت أنظار العرب والمسلمين والعالم شطر غزة وما يحدث بها من إبادة جماعية على يد ورثة هتلر النازيين الجدد، فراجع كثير من السوريين موقفهم اتجاه غزة الذي كان متصلباً فيما سبق وأدركوا الحقيقة، وأن حماس يحق لها أن تلعب سياسة كما يلعب الآخرون من أجل نصرة قضيتها المحقة، فقال أحد قادتها مسوغاً تقاربه من إيران: ” من يدعمنا في قضيتنا المحقة نشكره ولا ندعمه في قضيته الباطلة”
يجب على حركات التحرر من قبضة المحتلين والمستبدين أن تصنع توازناً بالحفاظ على المبادئ والقيم دون التخلي عن البراغماتية والمصالح، لكن المبادئ ينبغي أن تكون ثابتة وأساسية ويجب العض عليها بالنواجذ أما المصالح يمكن المناورة والمداورة في فلكها.
سُئل تشرشل رئيس الوزراء الأسبق وأحد أشهر السياسيين في بريطانيا، كيف تتحالف مع ستالين الشيوعي فأجاب: لو ساعدني الشيطان ضد هتلر، لذكرته بالخير…وقال أيضاً: أنا مستعد أن أتحالف مع الشيطان من أجل بلادي.
لو نظرنا إلى خارطة التحالفات لوجدنا، روسيا تتحالف مع تركيا في بعض الملفات وتختلف معها إلى درجة الصدام في ملفات أخرى، كوقوف روسيا بجانب النظام، ووقوف تركيا بجانب الجيش الحر وقد وصل الأمر بينهما في بداية الثورة إلى إسقاط طائرة للروس على يد الجيش التركي، قطر بعد جفوة معها من قبل دول الخليج ومصر ومعاداتها بسبب تباين المواقف، الآن عادت العلاقة بينهم وأصبحت وطيدة وكل منهم بقي على تحالفات، فقد كانت قطر ومازالت تؤيد حماس وتناصرها وما زالت في حين أن مصر والسعودية والبحرين والإمارات يريدون القضاء عليها….
لو عدنا إلى الثورة السورية القضية المحقة لوجدنا أن الثوار والأحرار قد رحبوا بأي يد تمتد لهم من أجل القضاء على بشار والتخلص منه، ألم يستعينوا بأمريكا وأوربا الذين يدعمون إسرائيل ضد فلسطين؟ ولكن بالوقت نفسه يرفضون مساندة أمريكا لإسرائيل التي تحتل فلسطين، وهكذا هي السياسة تسديد ومقاربة، وأنا لست مع القائلين إن السياسة قذارة ونجاسة، وإنما هي طهارة ونظافة، لكن من يتحكم بنواصي السياسة يجب تقييمه وإطلاق الحكم عليه، فقد كان بعض الأنبياء، وهم أطهر البشر وأعلاهم منزلة، كانوا رؤساء.