تحديث الأمم المتحدة هو مفهوم متداول يشير إلى الجهود المستمرة لتعزيز وتطوير هذه المنظمة الدولية، بينما يتطلب تحديث المنظمة – التي دخلت في طور الشيخوخة – تكيّفها مع التحديات والتغيرات المعاصرة التي تواجه العالم.
المنظمة تأسست في العام 1945 بهدف الحفاظ على السلام والأمن العالميين وتعزيز التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. على مر العقود، تطور دور الأمم المتحدة وازدادت التحديات التي تواجهها.
تحديث الأمم المتحدة، الذي غدا أمراً ملحّاً لمواجهة تحديات القرن وشؤونه المعقّدة، سيستدعي التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية والتنوع الثقافي، وضمان تمثيلية أكبر للدول النامية والمجتمع المدني في عمل الأمم المتحدة.
كما يجب أن تتضمن جهود تحديث المنظمة تعزيز الشفافية والمساءلة والديمقراطية الداخلية في هياكلها وإجراءاتها في التعامل مع النزاعات والأزمات الدولية، وتحسين الكفاءة والفاعلية في تنفيذ برامجها ومشاريعها.
ويبدو أن صحوة أمل من قلب تنافر المصالح الدولية في هذه المنظمة وتناقضها ولاسيما في تشكيلة مجلس الأمن، قد سجّلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخ 29 يونيو الجاري، في حدث تاريخي يُحسب للجمعية العامة ويدعو إلى المزيد من العمل بهدف تحديث ميثاق المنظمة بحيث تتحول قرارات الجمعية – وهي عادة ما تتعرض لأكثر القضايا الإنسانية والأممية تعقيداً وخلافية – إلى قرارات ملزِمة بتنفيذها.
ففي هذا اليوم المشهود تبنّت الجمعية العامة قراراً بإنشاء مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم.
شارك في صياغة مشروع القرار كل من دول ’لكسمبرغ وألبانيا وبلجيكا والرأس الأخضر وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا’. وحين تقدّم مندوب لكسمبرغ الدائم لدى الأمم المتحدة، أوليفيه مايس، بمشروع القرار أمام الجمعية العامة، وعد أن المؤسسة الجديدة ستعمل على التنسيق والتواصل مع كل الأطراف، وستكون نقطة موحدة لجمع ومقارنة البيانات المتعلقة بمصير المعتقلين والمفقودين وأماكن وجودهم.
وأوضح مايس أن المؤسسة الجديدة ستعمل على سد جوانب القصور الحالية حيث لا يوجد تنسيق كافٍ بين الأطراف المعنية، الأمر الذي ينتج عنه قوائم غير مكتملة للأشخاص المفقودين، بينما لا توجد جهة موحدة يلجأ إليها أهالي المفقودين لمعرفة مصير ذويهم.
بدورها، وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا قرار إنشاء المؤسسة بـ ’التاريخي’. وجاء في بيان أصدرته بالمناسبة “إن هذه الخطوة التي طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، قد جاءت أخيراً لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسراً وخُطفوا وعُذبوا واُحتجزوا في الحبس التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي على مدى السنوات الـ 12 الماضية”.
وبالإضافة إلى المساعدة في البحث، فإن الهيئة الجديدة مكلفة بتقديم المساعدة النفسية والاجتماعية التي تحتاجها العائلات وكذا الناجون.
وكانت جهود المنظمات السورية المعنية، ومعظم أعضائها هم من أفراد عائلات المعتقلين ومن الحقوقيين السوريين المتطوعين للعمل على هذا الملف، قد استدارت على مجلس الأمن بسبب التناقضات السياسية التي تتعلق بمصالح أعضائه، والتي كانت ستعمل حتماً على تعطيل تمرير قرار ملزم بهذا المستوى. وقد حظي مجهود تلك المنظمات السورية بدعم أممي كبير من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ليتحول إلى نصر كبير للقضية السورية العادلة، وإحداث آلية أممية مراقبة للبتّ في مصير المدنيين السوريين خلف قضبان المعتقلات.
أما مجلس الأمن، وهو الهيئة الأممية الأعلى المسؤولة عن حفظ السلام والأمن الدوليين ويتكون من 15 عضواً منهم 5 أعضاء دائمين تتمتع بحق النقض (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) و10 أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لفترة محدودة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد غدا بتركيبته الحالية عبئاً حقيقياً على قضايا حفظ السلام والأمن الدوليين!
وكثيراً ما عبّرت الولايات المتحدة، المساهم المالي الأكبر في الأمم المتحدة والتي تلعب دوراً حاسماً في تمويل ميزانيتها، عن دعمها للإصلاحات المؤسسية في الأمم المتحدة لتعزيز فعاليتها وكفاءتها، بما يتضمن ذلك جهود لتطوير هياكل المنظمة وعمليات صنع القرار وتعزيز الشفافية والمساءلة بين أروقتها.
أما معضلة التوازنات في آلية مجلس الأمن، فهي قضية تتعلق في تمثيلية وصلاحيات الدول الأعضاء في المجلس. وهي تعكس التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي في تحقيق توازن بين القوى والمصالح المختلفة. فتوزيع المقاعد في مجلس الأمن غدا غير عادل ولا يعكس الواقع الحالي للنظام الدولي. والقوى الكبرى الدائمة في مجلس الأمن لديها حق النقض، وهذا يعني أنها لديها القدرة على حجب أي قرار يرونه غير مرغوب فيه. وهذا يثير مخاوف بشأن التوازن في قرارات المجلس قد يؤدي إلى تعثر الجهود الدولية لمعالجة الأزمات والنزاعات.
الحل الأمثل لقصور أداء مجلس الأمن يمكن أن يتسرّع الآن ليصير موضوعاً للتفاوض الدولي . وهناك عدة برامج لتحسين وتعزيز آلية مجلس الأمن كانت قد اقترحتها الولايات المتحدة منها زيادة عدد الدول الأعضاء في مجلس الأمن وتعزيز التمثيلية الإقليمية والجغرافية. كما بالإمكان اللجوء إلى تحجيم حق النقض الدائم لتحسين توازن القوى ومنع انتهاك حقوق الأعضاء الغير الدائمين، الأمر الذي يتطلب إجراء تعديلات في الميثاق الدولي للأمم المتحدة. كما يستدعي التحديث التعاون مع المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، وذلك بهدف تعزيز الفعالية في إيجاد حلول عادلة والبت بقرارات نافذة في القضايا الإنسانية الملحة ومن أكثرها أهمية وإلحاحاً قضايا الشعب السوري الجريح.
بقلم مرح البقاعي
المصدر: وايتهاوس