ما تقوم به روسيا في مسار آستانا أو في دعم مسألة التطبيع العربي مع النظام السوري هو إنشاء “ألمانيا الشرقية” حيث تحاول ضم منطقتي النفوذ التركي والروسي معا.
هناك غياب لأية استراتيجية أمريكية لإنقاذ الشعب السوري فبدلا من أن تقوم بتطبيق القرارات الدولية التي باتت بعين الشعب السوري فارغة من محتواها والتي جعلت من الأمم المتحدة فاقدة لمصداقيتها بسبب عدم فعاليتها، أو بالحد الأدنى أن تقوم الولايات المتحدة بدورها في توحيد منطقتي النفوذ التركي والأمريكي على طريقة “سيناريو ألمانيا الغربية ” وتوحد سوريا على مرحلتين كما هو حال ألمانيا الموحدة اليوم ، قامت روسيا بأخذ المبادرة و إنشاء “ألمانيا الشرقية”.
مشكلة “ألمانيا الشرقية” السورية أنه لا مستقبل حقيقي لها في الإعمار والنهوض الاقتصادي لأن امريكا التي اكتفت بدور “الربع المعطل” كونها تسيطر على ربع مساحة الارض السورية ستمنعها بقوة العقوبات الاقتصادية .
قوانين العقوبات على شخصيات النظام بعينها وعلى الحكومة السورية ومصرفها المركزي يجعل تعامل روسيا وحلفائها معها أمرا صعبا للغاية فلا يمكن تحويل الاموال عبر البنوك المركزية العربية و المصرف المركزي السوري، ولا يمكن توقيع عقود مباشرة مع مؤسسات حكومة بشار الأسد
و سيكتفي الداعمون بالدعم المالي بتمرير سيولة نقدية يتم إيصالها اما عبر الطائرات “كاش” او عبر وسطاء ماليين كطرف ثالث بين الحكومات وهذا فضلا عن عدم جدواه لأن هناك حاجة لمئات المليارات سيكون فيه مخاطرة على تلك الدول في حال تم كشف الأمر -وما أسهله في عالم الصحافة الاستقصائية وتعاون أجهزة الحكومات الغربية- عندها قد تتعرض الدولة نفسها إلى عقوبات اقتصادية.
إن وجود نظام الأسد بعينه هو المشكلة ولايمكن بناء شراكات حقيقية دولية بوجوده، ولدى روسيا اليوم وبدعم عربي فرصة للاعمار ولصيانة وحدة سوريا بشكل حقيقي لو استطاعوا ايجاد طريقة لإزاحة شريك بات عبئا على الجميع.
كون روسيا تسيطر على معظم المفاصل الأمنية والفيلق الخامس وبعض وحدات جيش نطام الأسد، فالفرصة ذهبية لأن تتصالح مع الشعب السوري على حساب نظام تكسب من إزاحته بناء علاقات شراكة مع أمريكا والغرب.
لو قامت روسيا بذلك واستطاعت إقامة حكم رشيد بنفس سقف رشادة الحكومة الفيتنامية التي يحكمها الحزب الشيوعي الفيتنامي فإن ذلك سيؤمن مناخ قانوني وتشريعي مناسب، مدعوما ببيئة آمنة حيث يعود السوريين المهجرين قسريا من لبنان والاردن وتركيا ويرتاح الجميع.
روسيا ستكسب حينئذ المعركة الاقتصادية وليس فقط المعركة العسكرية مستفيدة من تجربتها عبر ١٩ عاما في دعم فيتنام الشمالي الذي تحول لدولة منفتحة على العالم وهي ثاني أكبر شريك للولايات المتحدة بعد الصين.
بمعنى آخر لقد ربحت روسيا المعركة العسكرية بشق الأنفس في فيتنام لكنها خسرت المعركة اقتصاديا ، وهاهي مدعوة اليوم لتقدم سوريا ك”فيتنام” الشرق الأوسط ولكن بوجود الشركات الروسية والامريكية والعربية.
لدى روسيا وحلفائها مشكلة كبيرة أخرى وهي الوجود الايراني سواء تواجد أكثر من ٤٠٠ نقطة عسكرية ايرانية، ومشروعها الطائفي والتغيير الديمغرافي، أو وجود أكثر من ستين عقد من عقود الإذعان التي وقعتها حكومة نظام الأسد وهذا سيكبل روسيا وخلفائهم العرب في أي نهوض اقتصادي و سيحول دون إنشاء شراكات عالمية أو إدخال الأموال العربية لأن الايرانيين في الداخل السوري مسيطرين “قانونيًا” على معظم مفاصل الاقتصاد وأي شراكة مع الايرانيين في الداخل السوري سيعرض الشركات الروسية والعربية إلى عقوبات اقتصادية اضافية.
سيناريو “ألمانيا الشرقية” الروسي بوجود نظام الاسد والنظام الايراني عرضة للعقوبات مرتين فمن ينجو من عقوبات مفروضة على الأسد يصعب عليه تفادي العقوبات المفروضة على إيران.
الخيار الوحيد المتبقي لروسيا هي مصالحة الشعب السوري ليعينه على إخراج ايران من سوريا والعمل على استبدال نظام الأسد وتقديم سوريا كفيتنام الشرق الأوسط وتكون بوابة المصالحة مع العالم.