منح توماس فريدمان في مقاله الأخير دفعاً للشائعات التي تتحدث منذ أشهر عن صفقة كبرى في الشرق الأوسط موضوعها الرئيس هو تطبيع السعودية لعلاقاتها مع إسرائيل بمقابل منح الرياض اتفاقية أمنية دائمة.
وكحالنا منذ ما يزيد على عقد من الزمان، نتقرى كسوريين أي تغير في الأجواء على أمل أن يجلب في طياته إشارة أو علامة على نهاية مأساتنا المتفاقمة، فما الذي تحمله لنا هذه الصفقة فيما لو حدثت؟
في المستوى الأعلى، ترسم الصفقة التي يحاول المحللون الغربيون تحديدها، خطوط فصل بين معسكرين كبيرين، الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والشرق اوسطيين من جهة، والصين وحلفائها من دول الاتحاد السوفياتي السابق وعلى رأسها روسيا، وشريكهم الشرق أوسطي ايران، والدول والقوى التي تدور في فلك الولي الفقيه، وقد ينتج عنه ما يمكن وصفه بـ”ناتو شرق اوسطي مصغر” يضم في عضويته عدداً من دول المنطقة بقيادة إسرائيل والمملكة العربية السعودية مع دور حاسم لمصر، وربما يحلّ هذا الكيان تدريجياً محل تركيا كحليف استراتيجي للغرب في هذه المنطقة مع تصاعد النزعة الاستقلالية لأنقرة وانخراطها أكثر في الشراكة الاوراسية.
لقد كان منح اتفاقية أمنية مع السعودية، مثار جدل طويل في الإدارة الأميركية طوال السنوات الماضية، وكانت حجة المعارضين لها، من الحزب الديمقراطي تحديداً، هو رفض إعطاء ضمانات أمنية لدولة قمعية، لكن تحرك ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان نحو الصين وروسيا، وتمرده على واشنطن اثناء ازمة خفض الإنتاج النفطي بعيد غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، غيّر قناعات الكثير من هؤلاء الرافضين المتشددين. ويجري الحديث اليوم عن التحديثات الاجتماعية المفاجئة التي تشهدها السعودية، وعن الرجل الذي قد يحكم اغنى دولة في المنطقة لنصف قرن من الزمان، وعن ضرورة التعامل معه بعقلانية وبعد نظر.
من جانبها، تلقت القيادة السعودية تحذيرات من التأخر في عقد صفقة، فالديمقراطيون يمكن أن يوافقوا على منح الالتزامات الأمنية فيما إذا كانت على شكل شراكة مع إسرائيل، وذلك ما دام من سيرعاها هو الرئيس الديمقراطي جو بايدن، لكنهم سيعودون إلى نغمة “الدولة القمعية” فيما لو كانت الصفقة برعاية رئيس جمهوري، وهكذا فإن الوقت المتاح للرياض لتتخذ قرارها ليس أبعد من نهاية السنة الحالية.
من الواضح أن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان هو مهندس هذه الصفقة، التي ستكون إذا أنجزت إحدى أهم المحطات في مسار صعوده الصاروخي، وقد وصل المنطقة مؤخراً بالتزامن مع اعلان مقتضب لأول مرة من طرف الرئيس بايدن بأن تطبيعاً سعودياً اسرائيلياً قد يكون في الطريق، وهذا يعني فيما يعني أن جولات سوليفان السابقة قد تمحورت حول هذه الصفقة، ومن بينها جولات سبقت ولحقت القمة العربية التي عقدت في الرياض، والتي أعيد خلالها نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وقد كتبت هنا في ذلك الحين أن التطبيع المزمع مع بشار الأسد هدفه النهائي هو جره إلى قطار التطبيع مع إسرائيل.
واللافت للانتباه أن وسائل الاعلام الرسمية السعودية قد نعت مسار التطبيع مع النظام بالتزامن ايضاً مع ما يبدو أنه تبلور نهائي للصفقة المحتملة وبدء الحديث العلني عنها، وهذا إشارة واضحة إلى رفض نظام الأسد أو عجزه عن الانخراط في هذه الصفقة بسبب الإرادة الإيرانية قبل أي شيء آخر.
إذا كانت هذه الصفقة المحتملة نوع جديد من القسمة الجيو سياسية الحادة بين حلفاء واشنطن وحلفاء بكين، فإن سوريا المسيطر عليها ايرانياً ستبقى في حلف الصين وإيران وروسيا، ولن تعود لا إلى الحضن العربي ولا الإقليمي ممثلاً بتركيا. وبدورها فإن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لن يسمح بسقوطها مجدداً في يده، وستصبح قواعد انطلاق للتحالف الأميركي الاوسطي ضد الحلف المناهض.
بعبارة موجزة، فإن سوريا التي يسيطر عليها النظام وتلك الخارجة عن سيطرته، ستكون فيما لو نجحت صفقة الشرق الأوسط الكبرى، ارض القلاع الحدودية المتواجهة التي لا يتوقف الصراع عليها وحولها، ولن يكون بالإمكان إعادة توحيدها إلا بانتصار أحد الحلفين على الآخر، وربما سيكون على السوريين أن ينتظروا زمناً مثل الذي اقتضاه إعادة توحيد ألمانيا الغربية وألمانيا الغربية، وربما كان انتظارهم مفتوحاً مثل الكائن بين كوريا الجنوبية والأخرى الشمالية.
بقلم: عبد الناصر العايد/ المصدر: المدن