أسامة آغي
يأتي اغتيال إسماعيل هنية بعد عشرة أشهر من بدء أحداث عملية “طوفان الأقصى” تعبيراً بأنه لا يلوح في الأفق أيُّ مسارٍ لوقف عدوان إسرائيل الوحشي على قطاع غزة، فعملية الطوفان استغلتها حكومة اليمين المتطرف بزعامة الليكودي المتشدد بنيامين نتنياهو في إسرائيل، لتنفيذ أجندة استراتيجية تتوافق مع رؤيتها بطرد كل الفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية، من أجل قيام دولة دينية يهودية وفق نصوص كتاب “التلمود” كما يعتقد هؤلاء المتشددون.
إن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران كان المقصود منه اغتيال أيّ مسعى سياسي لوقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة بعد قبول مبادرة أمريكية مصرية قطرية تنصّ على خارطة طريق على مراحل للحل، تبدأ بوقفٍ شامل لإطلاق النار، وانسحاب إسرائيلي من القطاع، وتبادل للأسرى، ثم العمل على قيام دولة فلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة.
اغتيال إسماعيل هنية في طهران كان سيخدم وفق وجهة النظر الإسرائيلية قطع الطريق على أي حلٍ وسطي يوقف الحرب، واتساع الكارثة الإنسانية في القطاع، فالحل الوسط يعني، وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وبالتالي فشل المشروع الاسرائيلي اليميني، وهذا يعني سقوط مدوٍ لحكومة نتنياهو.
نتنياهو يرفض وقف العدوان على غزة، لأنه يدرك أن المحاكم الإسرائيلية تنتظر خروجه من الحكم لمباشرة محاكمته بقضايا فساد ارتكبها. لذلك ليس من مصلحته السياسية الشخصية القبول بحلٍ يقود إلى وقف إطلاق النار، وهو بهذا يرفع من سقف مطالبه السياسية، حيث يطالب بخروج القطاع من حكم حماس لصالح حكومة لا تعادي إسرائيل ولا تزعجها بالمطالبة بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وفق هذا المعطى السياسي، يمكن فهم لماذا تمّ اغتيال إسماعيل هنية، فاليمين الإسرائيلي لا يرغب بقبول المبادرة المذكورة، لأنها تفشل كل مساعي اليمين المتطرف في تحقيق أجندته السياسية على حساب الشعب الفلسطيني.
كذلك يمكن فهم تشدّد نتنياهو حيال وقف العدوان على غزة رغم الضغوط الأمريكية التي عملت عليها إدارة بايدن في هذا الاتجاه، فهذه الإدارة تمرّ بظروف دقيقة في حساباتها الخاصة بالانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس، فهي تخشى خسارة اللوبي اليهودي المناصر لإسرائيل، وتخشى أيضاً من زيادة ضغوط الرأي العام العالمي، الذي يتهمها بتأييد الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين في قطاع غزة.
إن التشدّد الذي تمارسه حكومة بنيامين نتنياهو في عدوانها على غزة، هو من فرض اختيار القائد العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحي السنوار رئيساً لمكتبها السياسي، فالتشدّد الإسرائيلي يتطلب بالضرورة اختيار شخصِ لا يقبل بتقديم تنازلات سياسية أو عسكرية مجانية نتيجة الصلف الإسرائيلي، وهذا يشكّل مبتغىً لحكومة اليمين المتطرف لتبرير استمراها في تدمير قطاع غزة، ولمحاولة طي صفحة قيام دولة فلسطينية مستقلة وفق القرارات الدولية.
كذلك يأتي اختيار السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحماس وكأنه تأكيد على بقاء ارتباط حركة المقاومة الإسلامية بما يُطلق عليه “محور المقاومة والممانعة”، هذا المحور الذي يشمل إيران وأذرعها الشيعية في المنطقة العربية، ويشمل نظام الأسد، وكذلك يشمل حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين.
إن فشل المجتمع الدولي في فرض وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة هو عامل مساعد في احتمال اتساع رقعة الحرب الدائرة، هذا الفشل، يرتكز على استراتيجية غربية غير جادة في إجبار إسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية بخصوص قيام الدولة الفلسطينية، ويرتكز من جهة ثانية على بقاء إسرائيل متفوقة على محيطها الإقليمي عسكرياً.
إن بقاء اليمين المتطرف في سدة حكم إسرائيل سيدفع بالضرورة إلى تعميق استخدام التطرف السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، فلا أحد يقبل أن يقدّم تنازلات تتعلق بوجوده ومستقبل حياته إرضاءً لصلف اليمين الحاكم في إسرائيل.
وينبغي الإشارة إلى جانب آخر من العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة، هذا الجانب، يتمثّل بأن تستعرض الدولة اليهودية قوتها العسكرية المدعومة غربياً أمام الفلسطينيين ودول الجوار، هذا الاستعراض يراد منه أن الدولة اليهودية تصرّ على أن يكون مشروعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي هو مشروع سدّ الفراغ الذي تعاني منه المنطقة العربية. لذلك لن تسمح للمشروع الإيراني بملء هذا الفراغ، مما يدفعها على محاربة إيران في سورية ولبنان بالدرجة الأولى لمنعها من ملء الفراغ العربي بمشروع إيران الشيعية الكبرى المهيمنة على الشرق الأوسط.
تشدّد اليمين المتطرف الإسرائيلي هو من يدفع المنطقة العربية والإقليم إلى تشدّد مقابل، وهذا بالحسابات الواقعية سيقود المنطقة إلى صراعات لن تخدم شعوبها، وهو ما تخشاه أحزاب إسرائيلية تعمل على إسقاط حكومة نتنياهو، وتخشاه أنظمة عربية لن تستطيع تغيير مجرى هذه الصراعات، مما سيقود المنطقة إلى فشل تنموي ستعاني منه شعوبها، ويزيد من حدة التطرف وعدم الاستقرار.
إن المشروعين الاسرائيلي والإيراني هما مشروعان لتحويل البلدان العربية إلى بلدان تابعة، وبالتالي فليس من الصحيح بالمعنى السياسي المرحلي أو الاستراتيجي الذهاب إلى مزيد من التطرف، أو الارتباط بأحد هذين المشروعين.
إن اختيار يحي السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس هو اختيار لمزيد من الذهاب أوسع وأكثر في صراع مدمرٍ تفرضه حكومة إسرائيل على غزة والشعب الفلسطيني، هو اختيار استمرار صراعٍ غير متكافئ بين جيش دولة تمتلك كل وسائل الدمار الكبر ى “إسرائيل” وبين مقاومة لا عمق استراتيجياً لديها في محيطها العربي. وهو صراع لا يجد تعاطفاً دولياً كافياً لوقف العدوان وانتصار الحق الفلسطيني.
الثمن الكبير هو ما يدفعه شعب فلسطين نتيجة عدم اشتقاق معادلات كفاح ذات جدوى في تحرره وقيام دولته، فهل سيذهب الشعب الفلسطيني إلى خيارات تخدم قيام دولته دون الوقوع بوهم دعم ما يسمى “محور المقاومة والممانعة”؟ الجواب لدى الشعب الفلسطيني.