إلى الشمال الغربي من مدينة حمص وسط سوريا، يقع سهل الحولة الذي يضم 3 مدن يتبعها 6 قرى وبلدات، ويحيط به سلسلة من الجبال من الجنوب والغرب والشمال، فيما يحده من الشرق نهر العاصي.
في الخامس والعشرين من أيار/ مايو من عام 2012، شغلت هذه المنطقة العالم بأكمله، وتصدرت أخبارها شاشات التلفزة، بسبب المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام السوري فيها، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين، أكثر من نصفهم من الأطفال، قتلوا ذبحاً بالسكاكين.
وعن ذلك اليوم، يقول حسن بكور، أحد أهالي منطقة الحولة المهجرين إلى إدلب، إنه في ساعات الصباح وبينما كان الأهالي يستعدون للخروج في المظاهرة الأسبوعية، بدأت قوات النظام المتمركزة في المنطقة بقصف الأحياء السكنية بقذائف الدبابات.
أدى ذلك القصف إلى إلغاء صلاة الجمعة، وخروج عدد قليل من المدنيين في المظاهرة، التي كانت تحمل اسم “يا دمشق موعدنا قريب”.
يقول حسن: “في ذلك اليوم، كان القصف عنيفاً، واستخدمت به قوات الأسد مختلف أنواع الأسلحة، كان واضحاً أن النظام يتعمد إيقاع ضحايا لترهيب المنطقة”.
وأشار إلى أنه ما قبل المجزرة، كانت المنطقة تتعرض للقصف يومي الجمعة والخميس فقط، بعدد محدود من القذائف، إلا أنها في ذلك اليوم تعرضت لآلاف القذائف والصواريخ.
ويضيف: “مع دخول فترة الظهيرة، أصيبت حواجز قوات النظام بالجنون، وتحديداً حاجز الدوار الذي يقع وسط مدينة تلدو، وحاجز مفرزة الأمن العسكري الذي يقع على تلة ترصد المنطقة بأكملها”.
ومع تصاعد القصف، بدأ سقوط القتلى والجرحى، حيث قتل نحو عشرة مدنيين وأصيب نحو 30 آخرين بجروح.
حتى الآن لم تبدأ المجزرة، يقول عقبة السيد وهو أحد أهالي منطقة الحولة، ويضيف: “لقد خُيِّل للأهالي أن الأمر مجرد قصف، وأن عليهم البقاء في منازلهم وانتظار القذائف لتسقط عليهم بسبب مطالبتهم بالحرية”.
ومع حلول المساء، كثفت قوات الأسد القصف، وتركز على الطرق الواصلة بين مدينتي تلدو وكفرلاها، وبين مركز مدينة تلدو وحي طريق السد الذي يقع جنوبها.
في تلك الأثناء، شرعت مجموعات من ميليشيا الدفاع الوطني باقتحام حي طريق السد، ودخلت منازله منزلاً منزلاً، وأقدمت على ذبح جميع من كانوا فيها، بما في ذلك النساء والأطفال.
يوضح السيد أن مرتكبي المجزرة هم من أبناء القرى الجبلية المحاذية للسهل ذات الأغلبية العلوية الموالية لبشار الأسد، حيث تعرف ناجون على عدد منهم، كما أكدوا وجود عناصر من حزب الله معهم.
وأشار السيد إلى أن القصف استمر بشكل مكثف حتى الساعة الواحدة ليلاً، وشاركت به جميع الحواجز المحيطة في المنطقة إضافة إلى الكلية الحربية في مدينة حمص.
وعقب توقف القصف، توجه الأهالي إلى حي طريق السد لتفقد ذويهم، ليتفاجؤوا بتلك المشاهد، وهنا يقول السيد: “شاهدنا أطفالاً بعمر الأيام والشهور مذبوحة بالسكاكين أو مرمية بالرصاص من مسافة قريبة”.
بعد ذلك، بدأ الأهالي بإخلاء الضحايا من المنازل القريبة من المدينة، فيما تجنبوا الاقتراب أكثر والدخول إلى داخل الحي، لقربه من بلدة “فلة” الموالية والتي كانت نقطة انطلاق مرتكبي المجزرة.
وبعد جهود مضنية، نجح ناشطو المنطقة من التواصل مع بعثة المراقبين الدوليين التي كانت في سوريا، بموجب مهمة المبعوث الأممي آنذاك كوفي عنان.
وفي صباح اليوم التالي، وصلت بعثة المراقبين الدوليين إلى الحولة، وعاينت آثار القصف، ووثق أعضاؤها أسماء وصور جميع الضحايا، كما أمنت المنطقة لحين إخلاء جميع الجثث ودفنها.
والتقت البعثة مع الأهالي وبعض الناجين الذين استطاعوا الفرار تحت جنح الظلام، وسمعت لشهاداتهم وتأكيداتهم بأن قوات الأسد هي من ارتكبت المجزرة.
وتمكنت البعثة من توثيق أسماء وصور 116 ضحية مدنية، من بينهم 56 طفلاً، و34 سيدة، معظمهم قتل ذبحاً بالسكاكين أو رمياً بالرصاص.
الجدير بالذكر أن قوات الأسد انسحبت بعد ذلك اليوم من الحولة، وتمركزت على أطرافها، وفرضت حصاراً عليها استمر حتى 15 أيار/ مايو 2018، حيث فرضت روسيا وقوات النظام اتفاق تسوية، نص على تهجير عشرات الآلاف من الأهالي نحو الشمال السوري.