أحمد مظهر سعدو
بالرغم من انشغال (الاتحاد الروسي) وغرقه مع سياسات الرئيس الروسي (بوتين) العسكرية في الوحل الأوكراني منذ أكثر من سنة ونصف، وضياع سياسات الحكومة الإيرانية بين شعار وحدة الساحات المتكسر على صخرة واقع قطاع غزة وما يجري فيه، والخطر المحدق بها من جراء تخبطها السياسي في المنطقة، ودوران النظام السوري حول ذاته، وعدم قدرته على الخروج من مأزق (الدولة الفاشلة) اقتصاديًا وسياسيًا إلا أن كل هذا الحلف المنفلت من عقاله، والمتكوِّم كله في مواجهة الشعب السوري، وطموحه المشروع نحو الحرية والكرامة، مازال يقظًا ومصرًا على استمراره في القصف الهمجي، واستهداف جل الواقع الشعبي المجتمعي في إدلب والشمال السوري، ضمن سياسة الانقضاض على الشمال، والعمل على اقتطاع ما يمكن اقتطاعه أو تدميره بين الفينة والأخرى، واقتناص الفرص في غفلة عن المتابع الأميركي أو الشريك التركي في مسار أستانا، وهم يقومون بالقصف واستهداف البنية التحتية للحاضنة الأساسية للمعارضة، ويُجهزون على أرواح الأطفال والنساء والشيوخ في الشمال السوري ويحققون (حسب رؤيتهم) تقدمًا في الإطباق الكلي على الناس، ومن ثم تهجير ما تبقى منهم إلى الحدود مع تركيا في الشمال السوري، وإزاحة عشرات آلالف السوريين الذين سبق وتم تهجيرهم القسري لأكثر من مرة، وتم اقتلاعهم من منازلهم وبيوتهم وأرضهم تمهيدًا لسياسات التغيير الديمغرافي التي تم الاشتغال عليها حثيثًا من قبل نظام المقتلة الأسدية وداعميه، من ميليشيات إيرانية متنوعة تم جلبها من أفغانستان والعراق ولبنان والباكستان وإيران ومالف لفيفهم.
اليوم وبينما مازالت المنطقة العربية والإقليم بكليته منشغلا بما يجري في قطاع غزة، تقتنص الفرصة أدوات القمع والعسكريتاريا الأسدية هذا الظرف المتحرك ثم تنقض تباعًا على الساكنين في الشمال السوري، وتحاول إنجاز الكثير من حالات القتل والعسف وانتهاك القوانين الدولية، كما تفعل باتجاه انتهاك وتقويض اتفاق التفاهم الشهير في 5 آذار/ مارس 2020 الموقع بين موسكو وأنقرة، الخاص بآليات وقف الحرب وتلك المحرقة التي كانت في تلك الأثناء على أشدها، والتي أدت فيما أدت إليه حينذاك إلى اقتطاع الجزء الأكبر من ريف حماة لصالح النظام السوري، وصولًا إلى جزء مهم جدًا من ريف إدلب مثل مدن خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب. ولعل ما يجري اليوم من متابعة يومية لآلة القتل والقصف، واستهداف متواصل لا يكاد ينقطع يومًا، نحو محافظة إدلب وكل الشمال السوري، كل ذلك يأتي في ظل حالة متابعة لنفس السياسات، وكذلك في نفس السياقات، وعلى أنساق وهدي إعادة تعويم وقيامة النظام السوري من جديد، ثم إشعار المعارضة السورية أن وضعية (المؤقت) وهو حال الشمال السوري، لا يمكن أن يتحرك ويصبح دائمًا، وأن السكوت عليه لبعض الفترات القصيرة، لا يعني أبدًا الركون لواقع هيمنة فصائل المعارضة المسلحة على الكثير من جغرافيا محافظة إدلب أو ريف حماة، وكذلك ريف حلب الشمالي.
لعل استراتيجيات المتابعة والإشراف والتحرك لكل من إيران وروسيا وتوجيه النظام السوري هي من يعطيه الضوء الأخضر لقضم ما يمكن قضمه، والتنكيل بالسوريين، بالقتل تارة والتهجير القسري تارة أخرى، وأيضًا عبر الضغوط السياسية الموازية، حيث ما تزال روسيا تعرقل كثيرا من المسائل المرتبطة بالواقع السوري منها إصرارها على مسألة منع العودة إلى آلية اجتماعات (اللجنة الدستورية) مع قلة فائدتها وعجزها عبر ما يزيد على ثماني جولات متتابعة على إنجاز أي خطوة يمكن الاستفادة منها على صعيد الحل السياسي والانتقال السلمي للسلطات في سوريا وفق مقررات جنيف الأممية ذات الصلة.
الإطلالة اليوم على واقع معاناة الناس في محافظة إدلب وأيضًا الشمال السوري خارج سيطرة النظام ، والاطلاع اليومي على المشهد المجتمعي المدني وكذلك العسكري في هذه المناطق يؤكد أن لا حل واضح المعالم، أو أنه يمكن أن يتمظهر في الأفق القريب أو المنظور، وأن جل أوضاع محافظة إدلب بعد التفاهم الروسي التركي المشار إليه سابقًا ما برحت تراوح في نفس المكان، رغم محاولات مستميتة من قبل النظام السوري، للإجهاز عليها، وإهالة التراب على منطوقها ومحدداتها التكتيكية والاستراتيجية المتفق عليها تركيًا روسيًا، وأن متغيرات ومفاعيل الواقع الدراماتيكي الصعب في المنطقة العربية من الممكن أن ينعكس بالضرورة على حيوات الناس خروجًا من حالة الاستنقاع الكبرى التي يعيشونها يومًا إثر يوم، لكن ومن خلال قراءة موضوعية يتبين بوضوح أنه لا يبدو في الأفق المنظور أي احتمالات أو ديناميات لفعل سياسي جدي قد يحرك المياه الراكدة، وبالتالي يمكن أن ينجز أي متغيرات حقيقية تعطي الأمل لصالح الناس في سوريا، وليس هناك من مؤشرات متموضعة وجدية، لإنجاز أي تحريك بنيوي قد يعيد المسألة إلى سابق عهدها، يوم كانت القضية السورية موجودة ومتحركة فعليًا في كل المحافل الدولية والإقليمية، من حيث إن العلاقات الدولية والإقليمية مازالت تتحرك وتوجد في نفس المسارات التي لم تجد الوقت الكافي والجدي بعد من أجل إخراج واقع السوريين الصعب من عنق الزجاجة، وسط أداء باهت جدًا لكل أطراف المعارضة السورية، وخلل موضوعي، في كثير من خيارات وآليات عمل هذه المعارضة التي ما انفكت (تعثر في الأكم وفي الوهد) وتتعثر في كافة المنعرجات والهيئات، وغير قادرة البتة على إنجاز ما عجزت هي نفسها على إنجازه ، في فترة زمنية خلت وانقضت، ولم تعد موجودة، ولا ظروفها المحيطة متوفرة أو حاضرة خارج مناكفاتها المحاصصاتية والمصلحية.
من هنا وعلى هذه الأرضية النكوصية من الوقائع فإن واقع وحيوات أهلنا في إدلب والشمال السوري، ما برحت تنوس أمام أعيننا بين الصعوبة الكلية، والأشد صعوبة، وتتحمل تبعات أخطاء الآخرين كما تنبئ بالمزيد والكثير من الآلام واستمرار القصف الأسدي وفجوره، الذي فاق كل فجور، من خلال استخدام كل أنواع أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا