د.أسامة قاضي
دخلت الليرة السورية في حالة السقوط الحر، بعد أن نأى عنها حلفائها وملوا من طول أمد الكارثة، وفقدوا الأمل في إعادة الإعمار دون حل سياسي حقيقي.
نفذ صبر النظام الروسي من تلقي نظام الأسد أوامره من ايران، وعدم شرعنة الوجود التركي، فظرف الحرب الروسية لم يبق لها إلا بعض الحلفاء ، وتركيا منهم ونكاية في ازعاج “ايران – الأسد” لها بدأ الحديث الروسي – التركي عن إعطاء كل مدينة حلب نهاية.
يبدو أن هناك توجه جاد أمريكي على إغلاق الحدود العراقية السورية التي تمثل شريان تجارة ايران- الأسد من الكبتاغون والممنوعات ، ولو اكتمل هذا الإغلاق مع نظيره على الحدود الاردنية السورية فإنها ستشكل ضربة قاصمة لتجارة الكبتاغون وستشكل خسارة مالايقل عن ٥ مليار دولار سنوياً.
بلغت الموازنة العامة للدولة لعام 2023 مبلغ 16550 مليار ليرة سورية، وتوزعت الاعتمادات على 13550 ملياراً للإنفاق الجاري، و3000 مليار للإنفاق الاستثماري، وتم إقرار الدعم الاجتماعي بمبلغ 4927 ملياراً، كما تم اعتماد كتلة الرواتب والأجور والتعويضات بحوالي 2114 مليار ليرة.
يوم تم إعلان موازنة 2023 كان سعر الليرة 6000 للدولار وكانت القيمة الحقيقية للموازنة 2.7 مليار دولار وباتت قيمتها اليوم مليار دولار واحد ، بعد ان انخفضت قيمة الليرة ل 15000 ليرة للدولار في المتوسط .
كان مخصصا لما سمي الدعم الاجتماعي 4927 مليار انخفضت قيمتها إلى الثلث تقريبا من 821مليون دولار إلى 328مليون دولار .
أما اعلان رفع الدعم عن الخبز والمازوت والبنزين جاء في أواخر الشهر الثامن 2023 فإنه على الاغلب تم استنفاد هذا البند. لكن الأهم هو بند الأجور المفروض ان تكون 2114 مليار ليرة سورية مايعادل 352 مليون دولار لكن قيمتها الحقيقية انخفضت إلى ١٤٠ مليون دولار وإن مضاعفة الاجور100 بالمائة لايعيدها لقيمتها الحقيقية.
بمعنى أن كتلة الاجور باتت (٢١١٤*٢) 4227 مليار ليرة سورية وقيمتها 281 مليون دولار لازال أقل من قيمتها وقت تخصيصها في الموازنة ب 71 مليون دولار.
بالتاكيد الانخفاض في القيمة اكثر من المبالغ المذكورة اعلاه لانني آخذ بعين الاعتبار سعر الدولار هو 15000 ليرة لكنه وصل لاكثر من 16 الف ليرة للدولار في السوق السوداء.
إن نسب رفع أسعار مواد الطاقة الرئيسية أكثر بضعفي زيادة الرواتب للقطاع العام،
فزيادة سعر بنزين أوكتان 95 إلى 13.5 ألف ليرة للتر بدلًا من 7600 ليرة بمعنى ارتفاع ٧٧ بالمائة.
وزيادة سعر بنزين أوكتان 90 المدعوم إلى 8000 ليرة للتر بدلًا من 3000 ليرة بمعنى زيادة ١٦٦ بالمائة!
وأما زيادة سعر المازوت المدعوم إلى 2000 ليرة للتر بدلًا من 700 ليرة بمعنى 185 بالمائة!
إن المشكلة ليست أن زيادة الاسعار تعادل أكثر من رفع الراتب بالضعف تقريبا ، لكن المعني برفع الأجور هو ثلث القوة العاملة السورية وهم فقط العاملين بدوام كامل في القطاع العام.
إذًا تفتقت عبقرية “صناع القرار” السوري على أن يتم رفع الاسعار لأكثر من الضعف ويرفع أجور ثلث العمالة ، وهذا سيخلق تضخم إضافي ليضغط من جديد على العمالة المقهورة أصلًا!
على كل متوسط راتب موظف القطاع العام ١٥٠ الف ليرة وباتت بعد الزيادة ٣٠٠ ألف ليرة يعني ٢٠ دولار شهريا لا تكفيه لعائلته سوى بضع أيام.
كان متوسط الدخل في سوريا عام ٢٠١١ حوالي ٣٠٠ دولار وكانت بالكاد تكفيه اسبوعين ، فإذا أردنا الوصول لهذا الدخل المنخفض نفسه يجب ان يكون متوسط الدخل ٤.٥ مليون ليرة وليس ٣٠٠ ألف ليرة.
المشكلة أنه لو تم اعتماد نفس الأجر لكان يجب أن تكون كتلة الرواتب أكثر ب15 مرة بمعنى أن كتلة الرواتب في موازنة 2024 ليست 2114 مليار بل 31 تريليون ليرة سورية! بينما موازنة 2023 كانت كلها 16.5 تريليون ليرة! عندها يجب أن تكون موازنة 2024على الاقل 45 تريليون ليرة!
طبعا رفع قيمة الموازنة بعملة سورية غير مستقرة لن يحل المشكلة لأنه سيزيد التضخم ويلجأ النظام لمزيد من طباعة العملة التي تستكمل رحلتها مع التضخم الجامح، بسبب عدم وجود انتاج وطني ضخم يسند العملة.
واضح أن القرارات الاقتصادية لنظام الأسد يصيغها رؤساء فروع الأمن مع بعض “عباقرة” من المستشارين البعثيين من خريجي معاهد اقتصادية في زيمبابوي التي ألغت 12 صفر من عملتها أيام موغابي أو ربما خريجو فنزويلا التي ألغت 6 أصفار من عملتها وهي تقارع “الامبريالية ” و تحارب “الحكومة العميقة” للعالم التي صاغت “المؤامرة الكونية” !
مالم تدخل سوريا بصفقة سياسية سريعة لن يبقى حجر على حجر في الاقتصاد السوري، والمهم أن يكون الحل السياسي يعتق سوريا من ربقة الديون والعقود لايران وروسيا ويطوي صفحة نظام الاسد وأي حل سياسي خلاف ذلك عبر مسار آستانا أو غيره سيكون وبالا على عشرات الاجيال السورية القادمة وعندها ستلعننا الأجيال القادمة من السوريين لأننا ورطنا سورية لمائة عام بديون ايرانية وروسية بعدما أخذت كلا الدولتين كل أصولنا السيادية، وهو استحمار وليس استعمار، الأمر الذي يورث السوريين الحسرة على جلاء الاستعمار الفرنسي.