د. محمود الحمزة
يأمل الناس جميعهم بأن يكون العام الجديد بداية انفراج ونجاحات شخصية واجتماعية، وكأن الجني سيظهر في الأول من يناير ويقول كن فيكون. ويكرر زعماء الدول في تهنئاتهم السنوية نفس الوعود لعقود دون تغيرات جوهرية في حياة الناس، بل قد تسير الأمور من سيء لأسوأ، ويستمر المستبدون باستبدادهم وإن كانوا قد يلجأون لأساليب جديدة في قمع المواطنين ونهب خيراتهم.
ومنذ أكثر من عشرين سنة اخترع الأمريكان ومن معهم شبح محاربة الإرهاب بعد زوال شبح الشيوعية- العدو الأول للغرب الرأسمالي، الذي تحدث عنه كارل ماركس في بيانه الشيوعي، حيث قال شبح الشيوعية يجتاح أوروبا، وأصبح شعار الإرهاب سيفاً جاهزاً يسلط في أي مكان كما تحتاجه القوى التي ابتدعته.
هكذا أصبح العالم من أقصاه إلى أقصاه يعاني من أفعال الجماعات المسلحة المصنفة كإرهابية، والتي شاركت في تصنيعها أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية بهدف التحكم بالشعوب وقمعها، وكذلك ظهرت مجموعات تمارس أفعالاً إرهابية بالرغم من مناداتها بالقيم البراقة مثل الديمقراطية، ولكنها تفعل السبعة وذمتها، حتى أنه درجت نكتة سياسية تقول بأن الرئيس الأمريكي الابن جورج بوش قال مخاطباً البعض: هل لديكم ديمقراطية، اذاً نحن جاهزون لجلب الديمقراطية لكم، وهو يقصد استخدام القوة لفرض نموذج معين من الحكم كما حدث في العراق. وتبرز أمام الناس حالة العراق الكارثية، الذي تحول إلى بلد فقير متخلف تحكمه قوى سياسية طائفية من أهل العمائم أذناب نظام الملالي الإيراني، حيث قتل الملايين وأصبح العراقيون بلا ماء وكهرباء وبدون حياة آمنة، بالرغم من أن العراق كان اقوى وأغنى دولة عربية. هذه ديمقراطية بوش لعنة الله عليه.
في الحقيقة بداية العام الجديد ليست حداً فاصلاً جوهرياً بين مراحل مختلفة إلا من باب التحديد الزمني، وتتالي الأحداث. فأغلب المشاكل والأوضاع تستمر كما هي، وقد تسوء أو تتحسن تبعاً للسياسات والمواقف والأهداف.
وإذا نظرنا إلى العالم اليوم نجده مليء بالأزمات والتي أحياناً ظاهرها حق يراد به باطل، فكيف نفهم الدعم الغربي والأمريكي بشكل خاص لأوكرانيا التي تدافع عن أراضيها وسيادتها، بينما تدع أغلب تلك الدول الغربية المحتل الصهيوني الاستيطاني العدواني ضد الشعب الفلسطيني بكل ما أوتيت من قوة.
إزدواجية المعايير لدى الدول الكبرى بشكل خاص تكشف القناع عن حقيقة السياسات، التي تخضع للمصالح الخاصة بتلك الدول، وخاصة النخب الحاكمة فيها. فمثلاً روسيا وقفت سياسياً إلى جانب الشعب الفلسطيني ضد العدوان الصهيوني على غزة، لكن الطائرات الروسية تدك المواقع المدنية في سورية وتقتل الأبرياء تحت شعار محاربةالارهاب، ولكنها في الحقيقة دافعت عن نظام الأسد، وتسببت ببقائه حتى اليوم، بالرغم من ارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، وبالرغم من أن نظام الأسد تحول إلى أكبر منتج وموزع للكبتاغون في المنطقة، واصبخ يهدد أمن المنطقة في كافة المجالات. فكيف يمكن أن نصدق بأن دولة مع حق شعب، وفي نفس الوقت تقتل شعباً آخراً؟
لطالما سمعنا القيادة الروسية وهي ترفض تجزيء قضية الأمن الدولي لأنه متكامل، وبالتالي كيف نجزئ مفهوم العدالة ومفهوم الحرية والكرامة الإنسانية.
أحداث غزة كشفت عن الترهل والانحطاط العربي على مستوى الأنظمة. ويبدو أن هؤلاء الحكام لا يقرأون التاريخ، ولا يفهمون السياسات الاستراتيجية، وكيف قامت الامبراطوريات وكيف زالت. ولا تيدركون أن الصراعات التي نشهدها ذات خلفية حضارية وجيوسياسية.
فالتاريخ يقول أن الإمبراطورية الفارسية اختفت على يد العرب والمسلمين، وكذلك الإمبراطورية البيزنطية حطمها العثمانيون، وتحطمت الإمبراطورية العثمانية تحت الضغوطات الغربية، وكانت هناك حملات صليبية واتفاقيات استعمارية قسمت المنطقة العربية وفرض الانتداب الغربي عليها الذي غذى النزعات الطائفية ودعم الانقلابات العسكرية وعمق الخلافات العرقية والدينية، وتتوجت تلك الجهود الغربية بتأسيس كياناً لليهود قام على جماجم الفلسطينيين وانتزع أراضيهم ومنازلهم وطردهم، وشكل ذلك الكيان الصهيوني قاعدة متقدمة للاستعمار الغربي القديم والحديث في الشرق الأوسط.
وعندما ننظر إلى ما يقوم به نظام الملالي الفرس من خلال زرع للميليشيات الطائفية المسلحة في عدد من البلدان العربية، في ظل صمت غربي مريب على ذلك، نتأكد من وجود محاولة إحياء الإمبراطورية الفارسية تحت شعارات مذهبية وانتقامية تعود بجذورها الى قرون خلت. وهذا هو بالضبط ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهم في العالم. أي أن هناك عداء تاريخي حضاري يوجه بوصلة السياسات الغربية الرامية على منع المنطقة العربية والإسلامية من التقدم العلمي والصناعي والاجتماعي واقتصار دور الأنظمة على قمع الشعوب وخنقها. وهذا بالضبط ما أوكل لملالي ايران القيام به في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وكذذلك فعل نظام الأسد الجبان الخائن وعصابته المجرمة. وهذا بالضبط ما تحلم به إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لأنه يصب في مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة.
لكن الدول والأنظمة عادة لا تحسب حسابا لدور الشعوب بل تتجاهله وتعتبر الشعوب أداة طيعة بيدها لتفعل ما تريد تحت واجهة الشعارات الوهمية تارة وباستخدام العنف والتخويف تارة أخرى.
وها هي إسرائيل بجيشها واستخباراتها التي كان يضرب بهما المثل من حيث جبروتهما، سقطوا وفقدوا سمعتهم خلال يوم واحد على يد مجموعات من المقاتلين الابطال من المقاومة الفلسطينية. إنه انقلاب في الخطط والمفاهيم والتصورات. ما حدث في إسرائيل نتيجة هجوم كتائب المقاومة الفلسطينية لا يمكن للكيان الصهيوني تجاوزه خلال 100 عاماً، حيث هدم ما بناه خلال عقود.
النظام الحاكم في أمريكا- صديقة العديد من الأنظمة في الدول العربية والإسلامية هو ألد أعداء الشعوب، فهو الذي دعم العديد من أكثر الأنظمة استبداداً ودموية لأنها خضعت لسياساتها، وهي وراء اكبر الكوارث في العالم من أفغانستان إلى العراق إلى دورها الملتبس في سوريا. وهذا لا يعني ان المجتمع الأمريكي يؤيدنفس التوجهات، بل هناك قوانين ومؤسسات وديمقراطية تخص الشعب الأمريكي دون غيره.
وتعاني سورية وضعا اقتصاديا واجتماعيا كارثيا سببه سياسة عصابة الأسد بالقمع والقتل والنهب والفساد. ويدعي الغرب أنه يعاقب الأسد ببعض القوانين مثل قانون قيصر لكن النظام يلتف عليه، ويعرف الأمريكان ذلك، وبنفس الوقت الإدارة الامريكية لا تريد إسقاط الأسد لأنه يخدم مصالحها ومصالح إسرائيل. وطبعاً روسيا أيضاً متمسكة بنظام الأسد لأنها تعتقد بأنه يمثل مصالحها، والحقيقة ان الأسد ليس له صديق ولا حليف، وهو لا يستطيع حتى حماية نفسه ولا مصالحه ولا بلده لولا رضى الغرب عنه، ومصالح روسيا في حقيقة الأمر في مهب الريح.
حل عامٌ جديدٌ ولا نستطيع القول بإنه جديد، إلا بمقدار ما يحمل من أحداث جديدة كبرى مثل الانتخابات الرئاسية في أمريكا وفي روسيا مثلاً، علماً أنهما سيجريان في ظروف وشروط مختلفة. فبينما نعرف نتيجة الانتخابات في روسيا مسبقاً، وهي فوز الرئيس بوتين، لا نعرف من سيفوز بالرئاسة في أمريكا وقد تتبدل الأحوال بعدها ولكن هناك قناعة لدى العديدين بأن الاستراتيجية الأمريكية لن تتغير لأنها من وضع مؤسسات راسخة.
حل عامٌ جديدٌ! أما العرب لن يتجددوا مادامت النخب العربية المثقفة غارقة في همومها الخاصة، علماً أن الشعوب قامت بما تستطيع وضحت بأغلى ما عندها، لكن الذي خذلها هو النخب السياسية والثقافية التي لم تكن على مستوى الثورات والتضحيات بل سرعان ما انخرطت في دوائر خدمة المصالح الخاصة والحزبية والأيديولوجية والخارجية.
ومع حلول العام الجديد نشعر بوخزة الضمير والألم على ما حل بشعبنا مع استمرار القاتل في السلطة، ومع استمرار قيادات المعارضة الرسمية الخائنة للثورة، ومع استمرار النخب السورية الوطنية العاجزة عن تحقيق انقلاب على ما يجري من حراك سياسي سوري.
وللأسف نرى العديد من ممثلي النخب السورية وهم يدعون إلى الواقعية السياسية وقبول الأمر الواقع المتمثل بسلطات الأمر الواقع في سوريا وهي جميعاً تخدم مصالح وأجندات معادية للشعب السوري، فمنطقة تخضع لسلطة الأسد الإرهابية وإيران وروسيا، ومنطقة تخضع لقسد الإرهابية التابعة لقنديل، ومنطقة تخضع لجبهة النصرة الإرهابية ومنطقة تخضع لفصائل مسلحة كانت تحسب على الجيش السوري الحر ولكنها تحولت الى أمراء حرب وتجار مخدرات وأسلحة وانتهاك حقوق الناس . وكل سلطات الأمر الواقع في سورية متشابهة فيما بينها.
وحدها السويداء تطالب برحيل نظام الأسد، واهل حوران يرفضون الخضوع او التعايش معه. وها هي جماهير جبل العرب الأصيل تتمسك بموقف سياسي وطني واع يؤكد على استمرار الثورة السورية وضرورة تغيير النظامورحيل الأسد وبناء دولة وطنية ديمقراطية، وللأسف الشديد فإن السويداء العزيزة متروكة لوحدها تجابه مصيرها، فأين الجماهير السورية الموالية للثورة في بقية المناطق السورية، وأين النخب من تكثيف الجهود لدعم انتفاضة السويداء والالتفاف حولها لأنها تشكل النواة الصلبة والبؤرة الثورية الحقيقة التي يجب التمسك بها كآخر أمل للسوريين في الفترة الحالية.
أيها الوطنيون الأحرار في سوريا إن صمتنا وتعايشنا مع الظروف الكارثية التي يمر بها شعبنا هو نوع من التخاذل وقبول استمرار العصابة الحاكمة. فلا يعقل بأننا لا نستطيع التجمع والبحث عن مخرج صحيح يخدم الثورة ويعيد إليها ألقها. فالثورة لم ولن تموت مادام هناك شعب حي مثل الشعب السوري.
وأخيراً أدعو لعقد مؤتمر وطني سوري تشارك فيه الشخصيات الوطنية المستقلة والنزيهة والقوى الوطنية الحقيقية على أن يُعقد في مدينة السويداء مباشرة مع إمكانية المشاركة من الخارج عبر الانترنت.
ومن أجل عقد هكذا مؤتمر يجب تشكيل لجنة تحضيرية واسعة مكونة من ممثل واحد عن كل قوة وطنية صغيرة كانت أم كبيرة، ومن الشخصيات المشهود لها بالوطنية والاستقلالية للتحضير لعقد المؤتمر بطريقة مستقلة عن تأثير أي جهة خارجية أو أي مجموعة يشتبه بعلاقتها مع النظام.