أسامة آغي
يبدو أن تعطيل أعمال مؤتمر فرع حلب لنقابة المحامين الأحرار يوم العاشر من شهر آب 2024 ليس حدثاً منعزلاً عن تطورات الأحداث في الشمال السوري المحرّر، فعملية الشغب التي جرت في قاعة المؤتمر وطريقة أدائه كشفت عن رؤية نقابية تتعارض مع النظام الداخلي ومع القوانين المعتمدة في الشمال السوري الخاضع لسلطة الحكومة السورية المؤقتة.
وقبل العمل على فهم ما جرى في هذا المؤتمر، ينبغي الإشارة إلى أن فرع نقابة المحامين الأحرار في حلب هو أكبر فروع النقابة المركزية من حيث عدد الأعضاء. وأن إجراءً بتشكيل فرع آخر يحمل اسم فرع ريف حلب لنقابة المحامين الأحرار تمّ عام 2023، لم يستطع الثبات أمام قرار أعلى محكمة في الشمال السوري “محكمة النقض”، حيث اقرت تلك المحكمة بعدم شرعية وقانونية تشكيله.
في خلافات المحامين الأحرار
بدأت الخلافات ضمن فرع حلب لنقابة المحامين الأحرار بتاريخ 21/3/2023، ففي ذلك التاريخ تبنّت مجموعة من المحامين الأحرار فكرة إلغاء التصويت الالكتروني للأعضاء الذين يقيمون خارج سورية، مع العلم أنهم ساهموا بتأسيس “هيئة محامو حلب الأحرار، ثم بتأسيس نقابة المحامين الأحرار.
فكرة إلغاء التصويت الإلكتروني للمحامين المقيمين في خارج سورية سقطت بانتخابات الخامس عشر من شهر تموز عام 2023، مما حدا بمجموعة من المحامين ترشحوا لقيادة فرع النقابة الذين لم يتم انتخابهم إلى رفض نتائج الانتخابات، وقاموا بتشكيل فرع نقابة محامين تحت تسمية جديدة “فرع ريف حلب للمحامين الأحرار”.
فكرة التصويت الإلكتروني تمّ اعتمادها من نقابة المحامين المركزية أولاً ثم من محكمة النقض في الراعي، حيث برّرت المحكمة المذكورة قرارها على أساس أن حق التصويت إلكترونياً هو حق للأعضاء المؤسسين والمنتسبين للنقابة، وإنها اعتبرت تشكيل فرع نقابة جديد إنما يخالف قانون تنظيم مهنة المحاماة.
ما وراء خلافات المحامين الأحرار
إن من يتتبع مجرى الأحداث والتطورات في الشمال السوري المحرر سيكتشف أن الأحداث بما فيها ما جرى في مؤتمر نقابة محامي حلب الأحرار هي أحداثٌ مترابطةٌ في جذرها العميق، فالمحامون الذين احتجوا على حضور وزير عدل الحكومة المؤقتة (القاضي سابقاً السيد حبّوش لاطة) في قاعة مؤتمر النقابة المعنية بتاريخ العاشر من آب الجاري، خالفوا النظام الداخلي الذي يسمح لوزير العدل حضور المؤتمر المذكور، فعلى أي أساس يحقّ لهم منعه حضور هذا المؤتمر.
إن فئة المحامين الذين ساهموا بتعطيل أعمال مؤتمر فرع نقابة المحامين الأحرار بحلب، يشارك بعضهم بفعالية لتشكيل إطار سياسي موازٍ لمؤسسات الثورة السورية المعترف بها دولياً وأممياً. هذا الجهد بغض النظر عن أهدافه الحقيقية، لا يمكن تصنيفه على أنه يخدم القضية السورية التي تتلخص بإزاحة نظام الاستبداد وقيام دولة المواطنة والمؤسسات الديمقراطية القانونية على قاعدة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والخاصة بالقضية السورية وفي مقدمتها القرار 2254 الصادر بتاريخ الثامن عشر من شهر كانون الأول عام 2015.
هذا الجهد بأشكاله المختلفة (نقابياً، أو سياسياً مباشراً) يكشف عن رؤية لا يستطيع مدعوها أنها تمثّل جوهر الثورة السورية وجوهر الدفاع عنها، فهم أولاً لا يعملون من داخل بنية مؤسسات الثورة لتغيير اتجاهات سياساتها، وإنما يذهبون إلى خلق مؤسسات بديلة، وهذا حدث في تشكيل نقابة ريف حلب للمحامين الأحرار، وفي الدعوة لتشكيل قيادة سياسية وحكومية للشمال المحرر تحت مسمى الهيئة العليا للثورة السورية.
إن المجتمع الدولي الذي تنخرط بعض قواه الإقليمية والدولية في الصراع على سورية لا يمكنه قبول بديل سياسي جديد بدلاً من مؤسسات قوى الثورة والمعارضة القائمة، فهذه المؤسسات تعبّر بالضرورة عن الاتجاه العام لحل القضية السورية عبر قرارات الشرعية الدولية، وهذا لا يحتاج إلى وجود بديل سياسي يلعب في ذات المربع.
كذلك إن محاولات رفع سقف الشعارات الثورية لا يقدّم شيئاً للشعب السوري المكافح من أجل إلغاء نظام الاستبداد وبناء دولة المواطنة والقانون. فهذه الشعارات لا حامل لها حقيقياً بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على تفجّر الثورة السورية، لأن الشعب السوري بات يعرف توازنات القوى الداخلة في الصراع السوري داخليا وإقليمياً ودولياً، وبالتالي صار يعرف بعمق أن الشعارات الكبرى تحتاج لقوى فاعلة كبرى، وهذا غير موجود في معادلة الصراع في سورية.
إن محاولات إيجاد بدائل نقابية أو سياسية للمؤسسات والنقابات القائمة حالياً في المناطق الخاضعة لقوى الثورة السورية، هي محاولات لا تقرأ بعمق درجة تطور الوضع السوري داخلياً وخارجياً، وقد سبق من قبل الدعوة إلى مبادرات مماثلة لا تملك قوى على الأرض وكانت نتيجتها التلاشي.
إن العمل ضمن الأطر القانونية القائمة لا يمنع من تغيير سياسات هذه الأطر، بل انه يخدم قضية وحدة كفاح الشعب السوري لتحقيق الانتقال السياسي المطلوب، وأن جهد هذه الفئة أو تلك لا ينبغي ممارسة تضخيم الرغبات في تحقيق أهدافها، فهي وإن كانت لا تقصد ذلك تجنح بالضرورة إلى تمزيق العمل النقابي أو السياسي المتصدي لقضية الانتقال السياسي في سورية.
إن تبديد طاقات السوريين بحجة أو أخرى تخضع لقوانين صراعات المصالح الفئوية لن تخدم إنجاز مهام الثورة السورية بشكل طبيعي، بل تزيد من عرقلة إنجاز هذه المهام، فتقديم الذاتي على الموضوعي، والفردي على الجمعي، سيكشف لاحقاً لماذا تنشأ الخلافات والتناقضات ضمن البنية الواحدة.
إن تطوير عمل مؤسسات الثورة السورية ونقاباتها الحرّة لا يأتي من الدعوة إلى بدائل عنها، بل يأتي من ممارسة النقد والحشد لضرورة التغيير من داخل هذه الأطر، فالمجتمع الدولي لا يستبدل إطاراً طارئاً بإطار معترف به دولياً.
إن إعادة إنتاج طريقة ممارسة الخلاف ضمن نقابات المحامين الأحرار هي الطريقة المثلى للتغيير، وبدون ذلك ستكون عملية قفز في الفراغ.