د. يحيى العريضي
حسب المنظومة الوظيفية التي ينتمي إليها حسن نصر الله، كان من المستحيل ان يعاكس الخط المرسوم إيرانياً. تشير معلومات رسمية مباشرة نُقلت إليه عبر فرنسا أن الرجل تم تهديده باستهداف شركائه أيضاً في حال تخطى حدوده. كان واضحاً له أن أي تصعيد:
– سيوحّد اللبنانين ضده اكثر،
– و أن رد اسرائيل سيتخطى كل القواعد الى حد تدمير بنيوي لحزبه وللجنوب،
– و أن دخوله الحرب لن يحقق اي تقاص مصالح لداعمه في ظل موقف دولي ضد ايران،
– و أن احتفاظه بمسافة امنة مع داعميه اكثر جدوى غدا على طاولة التفاوض او فحص جدوى وخطوط النظام الوظيفي كله بالمنطقة،
– و أنه يعرف بدقة ان حماس ستهزم وسيحسب عليه قراره كارثيا ، بينما الان ببضعة قتلى وقذيفتين لم يخسر كثيرا من جمهوره ولا سيدفع ثمن اعلى مابعد غزة، كما أنه تجنب وضع حزبه على لائحة ارهاب عالمية.
• هذه “العقلانية ” لها ثمن سيدرس قريبا؛ حيث تشير إلى أن العقل البراغماتي للمنظومة الوظيفية التخادمية لمًا يُسمى “محور المقاومة قادر على التعاطي ايجابا غداً او بحياد مع ملف التطبيع العربي الاسرائيلي، وخرائط الطاقة، واي حل هزيل يفرض على الفلسطينييين.
يبقى السؤال الحاسم بالنسبة لإسرائيل وأمريكا كذلك:
• ما هو الأجدى، دفع كلفة أعلى مقبولة والحصول على أمن استراتيجي مستدام لعقود، ام اعادة انتاج ذات الثغرات الامنيةً والاستراتيجية بكل أثارها مضاعفة مستقبلاً ؟
بموجب الخيار أو الإحتمال الاول
سيتراوح بين ضربات قوية على مشروع ايران وبنى حزب الله وتصفية قيادات عسكرية صف اول سورية مرتبطة بايران مترافقة مع دعم المعارضات بسوريا او خط شيعي عربي بلبنان انقلابي على الحزب بخطه الفارسي؛ وصولا لاحتمال ضربات تجلب حرب مباشرة تستخدم فيها امريكا واسرائيل قدرات ساحقة لم تستعمل حتى الآن، كما حدث ضد الجيش العراقي.
بموجب الاحتمال أو الخيار الثاني وهو التعايش مجددا ضمن قواعد اكتر تشدداً مع المنظومة.
هذا الاحتمال أو الخيار يصطدم بهذه الحقائق :
• أولاً، لا تبرم اسرائيل اتفاق سلام مع نظام هش داخليا؛ خاصة ثبت التحامه العضوي بالمنظومة وهو نظام الاسد
• ثانيا، الوقت الان مناسب للتغيير حيث يتقبله مجتمع دولي- لو منقسم نسبيا- بينما لاحقا ستعود هوامش المصالح لتلتقي مع ايران، ودون غطاء شعبي ودولي
• ثالثاً، الوقت يعمل عكسيا بحيث تتنامى قدرات المنظومة برئاسة طرف يوشك ان يمتلك سلاح نووي
• رابعا، التطبيع والطاقة تعوض اهتلاك عام اصاب اسرائيل اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً تُرجِم الى خسائر بالمليارات، وتعطيل استثمارات لاجل طويل، وهجرات يهودية معاكسة، وفقدان الهيبة ومعادلها كنديَّة تفاوضية اعلى.
• خامساً، خروج اسرائيل بدون نصر كامل بغزة، وبقاء المنظومة الايرانية، سواء بعقلانية تكتيكية او نصر نسبي:
– يرفع الشروط التفاوضية من اطراف كثر تجاه اسراييل بالخليج اولا، وبالحلول الفلسطينية لاحقا، ويشجع ربما النظام السوري مستقبلا على تغيير القواعد الناظمة للعلاقة.
– سيمتلك الاردن ومصر مساحة مفتوحة اكثر للرفض والتفاوض باي ملف مستقبلي
– مبيعات السلاح الاسرائيلي ستتأثر
– و ربما الأهم بالنسبة لأمريكا:
• تضرر مكانة ومصالح امريكا، خاصة في شرق اوسط خرجت منه ثم عادت بشكل هزيل اقل تاثير تجاه الروس، تجاه الصين، تجاه كوريا الشمالية، حتى تجاه اوربا والناتو
• عدم انتصار إسرائيل الان سيمزق الناتو غداً في أوكرانيا، وستعلو اصوات داخل اوربا وداخل البيت الابيض عن جدوى الدعم وكلفته.
اليوم بعد غزة، الكل ينتظر المنظومة التخادمية تنتظر تمديد عقودها، واللعب على التقاص؛ أما الشعوب العربية المنهكة تحت تمدد مشروع ايراني هجين، فهي تنتظر ان يحسم الاصيل أجنداته التساوقية مع الوكيل الوظيفي، لتكمل طريق الحرية والكرامة في اوطان ضاقت ببؤس الايدلوجيات، وأُجبِرت ان تضيق بفائض وعي ابناءها. ستحدِّث غزة أخبارها قريبا. وربما عبقرية الضحية في معراجها ان تنثر من دمها خرائط فجر جديد. ربما هو مَكْرُ التاريخ.
لا بد أن بعض أصحاب العقول والضمائر حول نصر الله وشركاه يقولون:
” ليت نصر الله بقي منسجماً مع نفسه، و دخل الحرب فعلاً، رغم معرفته بانها نهايته؛ فعلى الأقل سينتهي بكرامة لا بهزيمة ونذالة. ليته تحدّى التهديدات، و صدق مع نفسه ومع مريديه متحدياً حتى سيده، لأن – حتى سيّده – كُتِبَت نهايته.”
ربما غاب عن تلك العقول والضمائر أن الكذّاب ليس فقط جباناً، بل نذلٌاً أيضاً، و مصيره أن ينتهي كفطيسة، لا كبطل.