د.أسامة قاضي
يتعرض الأردن الشقيق لضغط ايراني شديد، مرةً عبر سوريا بقطع 200 مليون متر مكعب من المياه عن الأردن وتعطيل تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 1987 حول استثمار مياه نهر اليرموك، لأن قَدَر نهر اليرموك (طوله 57 كم) أن 47 كم منه تمر داخل الأراضي السورية، وهو أحد ثلاثة روافد لنهر الأردن بين بحيرة طبرية والبحر الميت، وهو ينبع من بحيرة مزيريب في محافظة درعا ، ومرةً أخرى بقطع 10 آلاف برميل نفط يومياً من العراق تعطى عادةً للأردن لتغطي حاجتها النفطية لإجبارها على فتح مطار الكرك ل “السياحة الدينية” الإيرانية.
ربما استجابةً لهذه الضغوط الإيرانية وغيرها اضطر الأردن ليفتح معبر نصيب مع نظام الأسد عام 2021، رغم تحذير العديد من الكتاب من مغبة فتح هذا المعبر الذي سيكون بمثابة فتح باب جهنم من السموم والممنوعات على الشقيقة الأردن.
واقع الحال أن الأردن يستورد سنوياً 19 مليار دولار، ويصدر 8 مليارات دولار، بينما لاتشكل التجارة مع سوريا إلا حجماً بسيطاً جداً، حيث وصلت عام 2011 إلى 255 مليون دولار يوم كان ناتج سوريا القومي 62 مليار دولار بينما لايصل الآن لعشرة مليارات دولار، وقد لاتتجاوز التجارة الحالية بين سوريا والأردن أكثر من 100 مليون دولار.
خاصة أن هناك سوابق لتوتر العلاقة التجارية بين البلدين، حيث أن وزارة الصناعة الأردنية عام 2018 مثلاً قامت بحظر حوالي 80 بالمئة من السلع السورية دخول الأراضي الأردنية، وكانت أبرز السلع السورية التي شملها قرار الحظر تشمل القهوة والشاي وأصنافا متعددة من الخضار والفواكه والمياه الغازية والمعدنية والزيوت النباتية والحيوانية والدواجن واللحوم والأسماك..
وكذلك في أغسطس 2021 قررت وزيرة الصناعة والتجارة الأردنية، مها علي، استثناء حظر استيراد عدد من البضائع من سوريا فقط لمدة ثلاثة أشهر، وتشمل البضائع السكاكر والشوكولاتة والويفر والأحذية من الجلد الطبيعي وألبسة الأطفال والألبسة الداخلية ومراوح الطاولة والأرض والجدران والنوافذ والسقوف ضمن كميات محددة! بمعنى أنه أعيد حظر هذه المواد في نوفمبر 2021.
وفي المقابل كان لنظام الأسد ردفعل حيث صرح رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير أن النظام السوري أوقف الاستيراد من الأردن ووضع ثلاث قوائم، الأولى للبضائع الممنوع استيرادها مطلقا، والثانية لبضائع مفروض عليها جمارك حيث وضع عليها رسوم مبالغ فيها، والثالثة لبضائع تحتاج لموافقات مسبقة من سوريا، وقال إن سوريا وضعت رسوم مبالغ بها للآليات الشحن الأردنية المتجهة للبنان.
وبرر النظام السوري حينها أنه لم يمنع دخول البضائع الأردنية التي يتم استيرادها من الجانب الأردني والمسموح طبعاً باستيرادها، مشيرة إلى وجود لائحة أصدرتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية تتضمن مواد ممنوع استيرادها من كل دول العالم وليس من الأردن فقط.
البرادات والشاحنات التي تخرج من سوريا عبر معبر نصيب، يصل عددها إلى نحو 100 براد وشاحنة في اليوم الواحد، نصفها تقريباً للسوق الأردنية والنصف الآخر يتم تصديره إلى دول الخليج، ومعظمها تكون محملة بالخضر والفواكه (التي يشتبه أنها شحنات كبتاغون)، على حين يتم الاستيراد من الأردن عادة الأسمدة والمبيدات وبعض المواد الأولية.
المشكلة أن هذا المعبر صار ممراً لشحنات السموم والكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج وأوربا عبر الأردن، حيث صادرت السلطات الأردنية على سبيل المثال لا الحصر في ديسمبر 2022 أكثر من 6 ملايين حبة من مخدر الكبتاغون، ويصل وزنها إلى نحو طن كامل، وكانت مخفية داخل عجين التمر، كذلك في العام 2021، ووفق بيانات رسمية، صادرت القوى الأمنية في دول عدة أكثر من 400 مليون حبة كبتاغون.
للأسف تحولت “عاصمة الأمويين” إلى “عاصمة الكبتاغون” في العالم خاصة بعد الكشف عن تورط نظام الأسد في أكبر عملية تهريب في العالم بلغت قيمتها نحو مليار دولار، حيث كشف محققون في إيطاليا عن وجود صلة بين رجل أعمال إيطالي ونظام الأسد في سوريا، بعد العثور على 84 مليون قرص كبتاغون (14 طناً)، كانت على متن حاويات مشحونة إلى البلد الأوروبي في 2020، وفقاً لما كشفه تقرير نشرته صحيفتا دوماني الإيطالية وميديابارت الفرنسية في يوليو 2022.
مالجديد الذي قد يدفع الأردن لإغلاق معبر نصيب؟ الجديد هو قانون الكبتاغون الأمريكي 6265 الذي وافق عليه المشرعون وأدرج ضمن ميزانية وزارة الدفاع لعام 2023، التي أقرها مجلس الشيوخ في ديسمبر 2022، بدعم 83 عضوا ومعارضة 11 عضوا والذي ذكر فيه “نظام الأسد” بالاسم 12 مرة واسم “بشار الأسد” 5 مرات، وهو قانون مكافحة انتشار تهريب وحيازة المخدرات الذي يمارسه الأسد (كبتاجون) والذي يتطلب هذا التشريع من الحكومة الأمريكية تطوير استراتيجية مشتركة بين الوكالات لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها والشبكات التابعة المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا.
كذلك أعرب سياسيون بريطانيون وأمريكيون بارزون لصحيفة ذا ناشيونال عن مخاوفهم من وصول الكبتاجون قريبًا إلى شواطئ المملكة المتحدة والولايات المتحدة، لذا يقوم الآن تنسيق كبير بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لمكافحة الكبتاغون في المقام الأول على مكافحة ارتباط هذا المخدر الذي يسبب الإدمان بحزب الله وسوريا، وقالت أليسيا كيرنز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني، إن تغلغل هذا الدواء في دول الشرق الأوسط ومستوى استهلاكه المتزايد يشكل تهديدًا يلوح في الأفق للمملكة المتحدة.( ذا ناشيونال الإماراتية في أغسطس 2023)
إن هنالك موازنة تقارب النصف مليار دولار ستكون مبدئياً في خدمة مكافحة الكبتاغون وغالبيتها ستقدم للأردن كي يحمي حدوده من فيضان سموم الكبتاغون على الدول العربية والعالم.
وهنا يأتي المبرر الثاني لتوقع إغلاق معبر نصيب قريباً ، وهو أن هنالك مشروع لإغلاق الحدود البرية العراقية السورية، والأردنية السورية ، حيث تسربت معلومات من مصادر أمنية في قاعدة عين الأسد الجوية، كشفت نية القوات الامريكية إغلاق الشريط الحدودي مع سوريا غربي الانبار، وأن القوات الأمريكية المتمركزة داخل مبنى قاعدة التنف استقبلت أرتالاً حربية قادمة من قاعدة عين الأسد (حسب وكالة أنباء فارس 12 أغسطس 2023).
هذا مادعا نوري المالكي للقلق، و تهديد حسن نصر الله في خطابه لهذا التحرك مما يدل على أنه جدّي وخطير ويهدد مورد رزق زعماء عصابات الكبتاغون ويضرّ بتجارتهم البائسة التي باتت تشكل المورد الأساسي لتمويل الآلة العسكرية التي لاتفتئ تقصف أهلنا، وتُشترَى بها الولاءات، وتوفر قطع أجنبي ترسل للخارج من خلال عمليات غسيل أموال أباطرة الحرب والدم في سوريا التي يعيش أكثر من 95 بالمائة منها تحت خط الفقر.
لن يصمد معبر نصيب أمام كل هذا الضغط الهائل لإغلاق الحدود البرية بعمق ليس أقل من 30 كم وربما على طرفي الحدود، خاصة أن عمليات التهريب تتم معظمها عبر الطرق الصحراوية وليس عن طريق المعابر الشرعية مع سوريا سواء أكان معبر نصيب مع الأردن أم منافذ الوليد، القائم، وفيشخابور الحدودي، أو معابر التنف، وسيماليكا، واليعربية والبوكمال والوعر أو المعابر غير الشرعية، مثل معابر “العكاشات الثلاث” (في صحراء الأنبار العراقية) مع العراق.