بقلم صبا مدور
في ألمانيا خرج متظاهرون أتراك لرفض وجود لاجئين سوريين في بلادهم الأخرى البعيدة وأعني تركيا، وقبل ذلك كانت أحداث عنصرية ضد السوريين قد جرت في مدينة قيصري جنوب تركيا تعرضت خلالها ممتلكات السوريين للحرق والتدمير، ولقي مراهق من دير الزور مصرعه غيلة على يد عنصريين أتراك في ملاطيه، وبعدها تسربت إلى الوسائط الاجتماعية وثائق رسمية خاصة تخص نحو 4 ملايين سوري في تركيا بعضهم غادرها من مدة، وقالت السلطات أن صبياً بعمر 14سنة قام بقرصنتها من وزارة الداخلية ونشرها على الوسائط، وستتم محاسبته.
بالطبع هذه الوثائق المسربة تعني أن كل سوري في تركيا هو اليوم مشروع للاحتيال وأن وثائقه الشخصية عرضة للسرقة والتزوير، وأنه ما لم يغادر تركيا الى الأبد فقد يجد نفسه فجأة متهماً بجريمة أو مداناً بسرقة قرض ضخم لا يعرف عنه شيئا للبنك. بمعنى اخر ان هذا (الصبي) اختار وسيلة ناجحة جداً لجعل كل سوري يشعر بالتهديد ما دام في تركيا حتى لو كان يحظى بتطمين من السلطات، وهو بذلك تفوق على بقية العنصريين في إجبار كل سوري على الخروج سريعاً من تركيا، وللمصادفة فذلك هدف معلن يشارك فيه أيضا العديد من السياسيين الأتراك ومنهم مسؤولون حاليون.
وفي لبنان حيث يقيم أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري كحد أدنى، فإن الطبقة السياسية هناك بما فيها السلطة الحاكمة، تنظر إلى هؤلاء على أنهم تهديد أمني وديموغرافي، وثقل اقتصادي، وكانت الحملات المستمرة وأحداث بعضها مفتعل، كافية بالطبع لخلق موجة عنصرية ضد السوريين، تطالب برحيلهم، وتتهمهم بكل الموبقات لتبرير الاعتداء عليهم.
وحتى مصر التي عرفت تاريخيا بترحيبها بالغرباء والمنفيين من بلدانهم، وأتسع صدرها لمن لجأ إليها هاربا من الظلم في بلاده، حتى في مصر، بدأت إجراءات دعت لنشر القلق وسط أكثر من 156 ألف لاجئ سوري حسب مفوضية اللاجئين، أو ما يصل الى أكثر من 550 ألفاً حسب مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية، ويتعلق الأمر بإجراءات عدم تجديد الإقامة السياحية ورفع تكاليف التأشيرات، ورغم أنها تشمل نحو 9 ملايين أجنبي يقيمون في مصر، إلا أن توقيتها جعل السوريين في كل مكان يظنون أن كل إجراء هو ضدهم بالمقام الأول. وقبل ذلك كان العراق قد قام بترحيل قسري لأعداد من نحو 280 ألف سوري، كما قالت هيومن رايتس ووتش، وبدأ إجراءات حول الإقامة تهدد غالبية السوريين هناك.
أصبح القلق والخوف من اليوم التالي داء يشترك فيه نحو 6 ملايين لاجئ سوري في شتات الشرق الأوسط، جميعهم بلا ضمانات ولا شعور بالأمان، ولا حتى في وارد الحماية بموجب القوانين المحلية، والخوف أن السوري صار مستباحا، دمه وماله وعرضه، وهو خوف مبالغ فيه، لكنه ينتشر، حتى بات الشتات بكل معاناته ومهانته يتحول إلى (محرقة سورية) معنوية تجري هذه المرة على مرأى العالم وسمعه.
ليس في وصف هذه المشاعر مبالغة، وبالمقارنة بين ما يعانيه اللاجئون السوريون في الشرق الأوسط وهم يمثلون غالبية الشتات السوري في العالم، وبين ما وجده من استقر منهم في الغرب، أو في دول الشتات الأخرى بما فيها إفريقيا، فأنهم في الشرق الأوسط يعيشون وسط تهديد حقيقي ودائم، إن لم يكن جسديا وماديا، فهو تهديد مفترض بالعنصرية والامتهان، والتعامل الفوقي، وهي جميعا عناصر يمكن أن تتحول في أي وقت إلى اعتداءات مباشرة، تتجاوز كثيرا ما حدث في قيصري.
لا نريد أن ننتظر مثل هذا التطور ليتحرك المجتمع الدولي، وربما يكون ما حدث في تركيا، فائدة في تنبيه العالم لخطورة الأمر وضرورة التحرك لإيجاد حل حقيقي لهذه الملايين التي يمكن أن تصبح قضيتها أزمة دولية كبرى، لا تنفع معها الحلول والترقيعات ولا الاعتذارات التي ستكون متأخرة.